خبير اجتماعي حمّل المسؤولية للسلطة المحلية والأهل

في الحسكة.. أطفال يعيشون على نبش القمامة 

camera iconطفل يبحث عن علب البلاستيك الفارغة عند إحدى الحاويات في مدينة القامشلي - 9 من تشرين الأول 2021 (مجد السالم/عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

الحسكة – مجد السالم

يقصد الطفل وليد الحسين (13عامًا) مع شقيقيه، وعد (16 عامًا) ومهند (11عامًا)، أحياء القامشلي منذ الصباح الباكر، حاملين أكياسًا يملؤونها بقطع وعلب البلاستيك الفارغة.

تصبح الأكياس الفارغة أطول وأكبر حجمًا من أجسادهم، عندما تمتلئ بالقطع التي يجدونها بعد نبش أماكن تجميع القمامة.

قال الطفل وليد لعنب بلدي، “نحفظ أماكن توزع حاويات القمامة في كل شارع عن ظهر قلب، فهذا ما نقوم به منذ أربعة أعوام”.

يأتي وليد مع شقيقيه من قريتهم التي تبعد نحو 40 كيلومترًا جنوبًا في كل يوم، عدا يوم الجمعة، ويستمرون في العمل بنبش حاويات القمامة، وجمع كل ما يمكن “بيعه وتدويره” من الصباح حتى المساء، ليعودوا مع آخر سيارة تتجه إلى قريتهم، وفق ما قاله الطفل لعنب بلدي.

يقف وعد إلى جانب أخيه مهند مرتديًا ألبسة مبقعة وممزقة، وأضاف لعنب بلدي أنهم يعملون “لمساعدة والدهم على تأمين ما تحتاج إليه العائلة من مواد غذائية أساسية، كالسكر والزيت والبرغل والخبز، ليس أكثر”.

ويجمع وعد مع إخوته علب البلاستيك الفارغة، وقطع الكرتون وغيرها، يفرزونها حسب المادة المصنعة منها، ويبيعون الكيلوغرام الواحد بـ900 ليرة سورية (ربع دولار تقريبًا) إلى معامل التدوير في المدينة، ليحصل في النهاية مع إخوته على نحو ستة آلاف ليرة سورية يوميًا.

لا يخلو عمل الإخوة الثلاثة الذين تركوا التعليم من الصعوبات، ويتعرضون لكثير من المضايقات من قبل بعض السكان، فهم “محطّ شكوك دائمة لأي سرقة قد تحدث في البنايات المجاورة لعملهم”، خصوصًا تلك السرقات التي تطال مضخات المياه (الدينمو)، والدراجات الهوائية والنارية، حسبما تحدثوا لعنب بلدي.

جمال السعيد (15 عامًا)، من سكان مدينة القامشلي، ويعاني من إعاقة في يده اليسرى، وله “خط سير واحد” يضم جميع الحاويات المنتشرة على امتداد شارع الكورنيش، يزورها كل يومين مرة ويبحث فيها عن كل ما يمكن إعادة بيعه، قال لعنب بلدي، إنه “يسابق سيارة القمامة في الوصول إلى الحاوية قبل أن تقوم بإفراغها”، وإن هذا عمله منذ سبع سنوات.

ترك جمال المدرسة وهو في المرحلة الابتدائية، عمل عدة مهن منها رعي الأغنام في الريف، وبيع الجوارب وغيرها من الألبسة الخفيفة على “بسطة” في أحد شوارع مدينة القامشلي، لكنه لم يوفّق فيها وانتهى به المطاف يمارس مهنة “النبش في حاويات القمامة”، دون أن يمنع ذلك “المحسنين من التصدق” عليه عندما يشاهدونه يبحث “عن قوت يومه بين كومة من القمامة”، حسبما قال لعنب بلدي.

أثر نفسي “مدمر” على الأطفال

الخبير المجاز في الإرشاد النفسي باسم العلي، أوضح لعنب بلدي أن ممارسة الأطفال مهنًا تعتبر “متدنية اجتماعيًا” كالبحث عن الخردوات وقطع البلاستك والكرتون في حاويات القمامة، له “أثر مدمر على نفسية الطفل”، بسبب نظرة “الاحتقار” التي يصم بها المجتمع العاملين في هذا المجال.

وأضاف العلي أنه كلما صغر السن، كان تأثيرها أكبر، حيث يفقد الطفل الثقة بنفسه، وينشأ وهو “يحتقر ويصغِّر” من نفسه ومن مكانة عائلته، ومع غياب التعليم عن هذه الفئة، ربما ذلك يدفعه إلى “الحقد على المجتمع”، ما يسهّل انحرافه وممارسته لمختلف أنواع الجنح والجنايات في المستقبل، وفق ما قاله العلي لعنب بلدي.

وأشار إلى أن وجود الأطفال في بيئة عمل “قذرة” يهدد صحتهم بشكل مباشر، ويكون الأمر أكثر صعوبة عليهم عندما يجبر بعض الأهالي أطفالهم على ممارسة هذه الأعمال الخطرة على تكوينهم العاطفي، بحجة “الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة”.

ويرى العلي أن السلطات المحلية تتحمل، إلى جانب الأهل، مسؤولية تفاقم هذه الظاهرة الاجتماعية التي زادت بعد عشر سنوات من الحرب، وأفقدت الكثيرين مصادر دخلهم، بحسب المرشد النفسي، الذي أكد أن هذه الظاهرة آخذة في الازدياد دون أي حلول فعالة وحقيقية من قبل السلطات المعنية.

وكانت “الإدارة الذاتية” أنشأت، في 30 من آب 2020، “مكتب حماية الطفل” في النزاعات المسلحة لتلقي الشكاوى ضد تجنيد الأطفال، وأي أمور تتعلق بانتهاك حقوق الأطفال.

وفي مطلع العام الحالي، قال رئيس مكتب حماية الطفل في “الإدارة الذاتية”، مرهف العبد الله، إنهم بدؤوا بفتح ملف عمالة الأطفال.

ويعاني سكان محافظة الحسكة ظروفًا معيشية صعبة، على الرغم من وجود ثروات كبيرة في المنطقة كالنفط والغاز والحبوب والثروة الحيوانية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة