tag icon ع ع ع

جنى العيسى | ديانا رحيمة

تعيش النساء المقيمات في الشمال السوري حالة من التخبط حيال أدوارهن الاجتماعية والاقتصادية، وسط انتقادات للتضييق على الحريات الشخصية.

وتحيط بالمرأة تحديات كبيرة، تبدأ بالمخاطر الأمنية ولا تنتهي بالتضييق الاجتماعي الذي يهدف إلى تقليص دورها وحضورها الفاعل.

في البحث عن أسباب هذا التضييق، تجتمع عدة عوامل، أبرزها غياب ضوابط وقواعد تعامل السلطات القائمة مع المرأة، ودخول الفهم المحدود للدين في آليات العلاقة مع أدوار المرأة، أو الموروث والعادات الاجتماعية التي تغلب عليها النزعة الذكورية.

ولا ينفي الوجود الملحوظ لمنظمات المجتمع المدني التي تعمل على “دعم وتمكين المرأة” هناك، التضييق الاجتماعي الذي يمارَس عليها من قبل المجتمع والسلطات.

حين اندلعت الثورة السورية عام 2011، حاملة الكثير من المفاهيم التي طالب الناس بتطبيقها من حرية وتغيير للنظام السياسي القائم، لم تنسجم تطلعات النساء وآمالهن مع الواقع الذي فرض نفسه لاعتبارات سياسية وأمنية قسمت البلاد إلى مناطق تحكمها سلطات أمر واقع، لكل منها قانونها ومرجعيتها السياسية والتشريعية.

ما أوجه التضييق على المرأة في الشمال

تنقسم السيطرة في الشمال السوري بين “هيئة تحرير الشام” مع وجود حكومة “الإنقاذ” في إدلب، و”الجيش الوطني السوري” بوجود “الحكومة السورية المؤقتة” في ريف حلب، ولكل منهما أسلوب مختلف في إدارة المنطقة المندرجة ضمن نفوذه.

متطوعة في الدفاع المدني السوري تقوم بإعطاء طفل حقنة مضادة لمرض اللشمانيا – 2021 (الدفاع المدني السوري)

“الهيئة” تحرس “الفضيلة” في إدلب

اشتكت نساء التقت بهن عنب بلدي، من المقيمات في محافظة إدلب السورية التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، من تدخل عناصر أجهزة “الحسبة” التابعة لـ”الهيئة” من رجال ونساء “بتشدد مبالغ به”، في الكثير من أمورهن في شوارع المدينة.

وتعيش النساء في مناطق سيطرة “الهيئة” مقيّدات بأحكام تفرضها السلطة باسم “الشريعة” تحظر عليهن الاختلاط بين الجنسين في مدارس الأطفال منذ الصغر، وحتى في مختلف مجالات العمل أو الحياة اليومية في الأسواق دون وجود محرم، فضلًا عن ملاحقة “المتبرّجات” وغير الملتزمات بـ”اللباس الشرعي”.

في أيلول الماضي، تناقلت عدة صفحات محلية صورًا للافتات علّقتها وزارة الأوقاف في حكومة “الإنقاذ” الذراع المدنية لـ”هيئة تحرير الشام” في إدلب، ضمن حملة “حراسة الفضيلة”، تحمل آيات قرآنية وعبارات تحثّ النساء على عدم التبرّج والالتزام باللباس الشرعي.

وأثارت تلك اللافتات غضبًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب محاولات وُصفت بأنها تقييد لحرية النساء في إدلب باختيار لباسهن، بالإضافة إلى التركيز على إشغال اللافتات بصور تدعو إلى التستر وصرف أموال عامة للدعاية لهذا الموضوع، في حين تشهد المنطقة تدهورًا في القطاع الصحي نتيجة تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).

النظرة المجتمعية تُثقل النساء في ريف حلب

في حين قد تتعرض المرأة المقيمة في المناطق التي تسيطر عليها تركيا بريف حلب، خاصة العاملات منهن في “منظمات المجتمع المدني”، إلى تضييق بأسلوب فردي من قبل أشخاص مسلحين ضمن فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، بحسب ما رصدته عنب بلدي.

وفي منتصف آب الماضي، أثارت خطبة ألقاها رئيس “المجلس الإسلامي السوري”، أسامة الرفاعي، في زيارة له لأحد المساجد في مدينة اعزاز بريف حلب، جدلًا واسعًا، إذ هاجم فيها المرأة العاملة في “منظمات المجتمع المدني” بالشمال.

وقال الرفاعي حينها، “هناك نساء من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا، بل هم من أبناء بلدنا ومدننا، يأتون مجندات من قبل الأمم المتحدة وغيرها، يأتون لينشروا بين فتياتنا خاصة ما يسمونه تحرير المرأة والجندر”.

واعتبر الرفاعي أن بعض المنظمات في الشمال تعمل تحت شعارات العمل الإنساني والإغاثي والتنموي “لتنشر أفكار الانحلال الأخلاقي والشذوذ الجنسي، وكل ما يناقض أخلاق الإسلام وقيم المجتمع السوري المتديّن”.

وبعد تلك الخطبة، انقسمت آراء السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد لكلام الشيخ ومدافع عن خطابه من جهة، وآخرون اعتبروه “محرضًا على المرأة وداعيًا إلى العنف ضدها وحرمانها من حقوقها”.

وتقوم المرأة السورية المقيمة في المناطق التي تسيطر عليها فصائل مدعومة من تركيا في ريف حلب، عند رغبتها باتخاذ أي قرار شخصي، بجهود مضاعفة، بحسب ما أوضحته مديرة “وحدة تمكين المرأة” في مدينة اعزاز بريف حلب، نيفين حوتري.

وتتمثل تلك الجهود، بحسب ما أوضحته حوتري في حديث إلى عنب بلدي، بمهمة أولية تلقى على عاتق المرأة بإقناع المجتمع المحيط الذي تعيش فيه بضرورة اتخاذها ذلك القرار وأهميته لها على صعيدها الشخصي والمجتمعي ككل، لتستطيع بعد محاولات الإقناع تلك إن نجحت، اتخاذ قرارها.

دورة تدريبية للنساء بإحدى منظمات المجتمع المدني (عنب بلدي/هاديا المنصور)

تباين في تقبّل الواقع النسائي

يعتبر المجتمع الذي تعيش فيه النساء السوريات في الشمال السوري “مجتمعًا محافظًا”.

وكما لا يُتفق على رأي واحد في معظم القضايا التي تخص المجتمع السوري، تتباين الآراء أيضًا حول الأسباب الرئيسة وراء ما تعانيه المرأة من تضييق وتقييد لحريتها الشخصية وحقها في اختيار ما يناسب ظروفها.

وقد تصل درجات التباين في هذه القضية، إلى آراء تنفي وجود أي تضييق على المرأة أساسًا.

توجهت عنب بلدي بأسئلة لمعرفة الضوابط المُتبعة في التعامل مع المرأة في مدينة إدلب، إلى مدير العلاقات الإعلامية في “هيئة تحرير الشام”، تقي الدين عمر، لكنه رفض التصريح حول هذا الموضوع تحديدًا.

وفي حديث سابق له مع عنب بلدي، حول التوجه العام لـ”الهيئة” فيما يتعلق بحياة النساء في إدلب، وفرضها ضوابط عامة أو قواعد أو قوانين عليهن فيما يتعلق بمسألة اللباس أو العمل، أو حضورهن في أماكن عامة، والاتهامات الموجهة لـ”الهيئة” بتضييقها عليهن، اعتبر مدير العلاقات الإعلامية في “الهيئة” أن “الشعب السوري شعب مسلم يعتز بهويته وثقافته والتزامه بالتعاليم الإسلامية في المظاهر العامة والمناسبات، ومنها لباس المرأة والرجل على حد سواء”.

وأشار إلى وقوع “مخالفات” أحيانًا في الأماكن العامة، “سرعان ما تعالَج بالتوجيه والإرشاد وتلقى استجابة سريعة، لأنها مما يتوافق عليه الجميع”، على حد قوله.

من جهته، أكد وزير العدل في “الحكومة المؤقتة”، عبد الله عبد السلام، في حديث إلى عنب بلدي، أن الضوابط القانونية المُتبعة في مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة” في ريف حلب، تعتمد بشكل أساسي على القانون السوري.

وحول سؤاله عن قدرة “المؤقتة” على ضمان حقوق النساء في ريف حلب، أوضح الوزير أن الضوابط المجتمعية التي يفرضها المجتمع السوري تعتبر أساس التعامل مع المرأة بعد القانون.

وأرجع الوزير أسباب عدم الانخراط الحقيقي للمرأة في مختلف مجالات العمل، إلى “رفضها” ذلك أولًا، على حد قوله، خوفًا من التوترات الأمنية والانفلات الأمني التي تعاني منه مناطق ريف حلب.

وأشار وزير العدل إلى أن للنساء في ريف حلب “دورًا فاعلًا جدًا” في مجالي التعليم والصحة، مشيرًا إلى أن التضييق المجتمعي عليهن كونهن نساء عاملات أمر موجود، لا دور للوزارة في ضبطه “كوننا مجتمعًا شرقيًا”، وفقًا لحديث الوزير.

من يأمر ومن يغذّي

فهم ديني أم نزعة ذكورية.. أم كلاهما؟

تفرض سلطات الأمر الواقع في الشمال السوري ضوابط فقهية تحكم بها حياة المرأة، وتزعم بأنها مُخوّلة بوضع تلك الضوابط وفق رؤيتها، ما يدفع العديد من المقيمين في مناطق سيطرتها إلى تبني رؤيتها، أو حتى تعزيز العادات المجتمعية المتوارَثة لديهم وفق ضوابطها.

الدكتور محمد حبش، مؤسس ومستشار مركز “الدراسات الإسلامية”، ومؤسس رابطة “كتّاب التنوير”، اعتبر في حديث إلى عنب بلدي، أن ما يحدث في الشمال السوري هو “النقيض المباشر” لما مارسه حزب “البعث” الحاكم خلال العقود الماضية في سوريا.

وأوضح حبش أن التوجه للنقيض المباشر بهذا الشكل يتخذ طابعًا انتقاميًا واضحًا لما مارسه “البعث” من إجبار الناس على نبذ اللباس الشرعي.

وانتقد حبش هذا التوجه لدى سلطات الأمر الواقع، معتبرًا “أننا لسنا مضطرين لنكون في أقصى اليمين، ولا أقصى اليسار، فالإسلام دين الوسطية والاعتدال ورفع الحرج، يراد به اليسر وليس العسر”.

كما انتقد الدكتور محمد حبش ما تصرّ سلطات الأمر الواقع على ممارسته، وأسلوبها في ذلك من تشدد وتعصب ومنع للمرأة من أبسط حقوقها التي منحتها إياها الشريعة، وإجبارها على اللباس على الطريقة “الحنبلية” التي لا تسمح بإظهار شيء من المرأة حتى الوجه والكفين والقدمين.

وأوضح حبش أن الأمر القرآني للرسول محمد، “فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر”، يلخص منع التشدد والتعصب.

ووفقًا للدكتور حبش، وهو دكتور الفقه الإسلامي في جامعة “أبو ظبي”، تعد فتاوى فقهاء الإسلام مترافدة وكثيرة في التزام موقف بصير فيما يتصل بحجاب المرأة، والتوسع في ذلك.

وفي كتابه “المرأة بين الشريعة والحياة”، جمع الدكتور محمد حبش عشرات الفتاوى للصحابة والتابعين، دارت جميعها حول حق المرأة ومسؤوليتها في اختيار لباسها، ومنع تدخل الرجال في ذلك.

تقاليد ناتجة عن فهم خاطئ للإسلام

اعتبر دكتور الفقه الإسلامي في جامعة “أبو ظبي” محمد حبش، أن الفهم الخاطئ للشريعة، يعتبر من أهم مظاهر “الاستبداد” الذي يمارسه الرجل وفق شروط المجتمع الذكوري الذي “لا يؤمن” بمنح المرأة أي جانب خلاق.

وأضاف حبش أن النصوص الشرعية “ليست أهم ما في الأمر”، موضحًا أن الكثير من الممارسات التي تضيّق على المرأة تنتج عن عادات قبلية وعشائرية، تفرض على المرأة ممارسة دور هامشي جدًا في الحياة.

أفتى أربعة من أكبر الأئمة، وهم ابن حجر والقرطبي وابن حزم والفخر الرازي بوضوح، أن مريم ابنة عمران بلغت رتبة النبوة.

ولا شك أن الإيمان بنبوة المرأة يعني أنها أهل لتولي أي منصب، فالنبوة أعلى المناصب، ولا يمكن “باسم” الدين الإسلامي منعها من حقوق بسيطة تطالب بها اليوم.

واختار الإمام “أبو حنيفة” حق المرأة في تولي كل المناصب إلا القضاء، في حين ذهب الإمام ابن جرير الطبري إلى حق المرأة أن تتولى كل وظائف الدولة مهما كانت خلفيتها في حال وجود القدرة والكفاءة لديها.

وكانت النساء في عصر النبي محمد عاملات وناشطات، وكان المجتمع يحتاج إلى أدوارهن، منهن من قادت أنشطة تجارية حرة وكبيرة، كخديجة بنت خويلد التي كانت تُسيّر القوافل بنصف أرزاق قبيلة قريش.

قناعتي أن الله عظّم شأن السيدة مريم عليها السلام أعظم تكريم، وخصص باسمها سورتين في القرآن الكريم (آل عمران ومريم)، لما حققته من إصلاح عظيم عبر إصرارها على اقتحام سلك “اللاهوت” الذي كان حكرًا على الرجال.

وظهرت مريم في مجال العمل مثبتة لكفاءتها، قادرة على فرض فرص عمل جديدة من بوابة نادي العمل العام، لتفسح المجال لكثير من النساء من بعدها بالعمل في الجوانب المدنية.

الدكتور محمد حبش، مؤسس ومستشار مركز “الدراسات الإسلامية”، ومؤسس رابطة “كتّاب التنوير”.

المجتمع الذكوري لا يتقبل انقلاب الأدوار

انخرط معظم الرجال المقيمين في الشمال بالأعمال العسكرية منذ بدء اندلاع الثورة السورية عام 2011، لتجد المرأة نفسها بعد ذلك أمام واقع صعب يفرض عليها الانخراط في مجالات العمل المتعددة وتغطية النقص بدور الرجال في عائلتها، بحسب ما قاله الأكاديمي والباحث في التربية الدكتور ريمون المعلولي.

وأوضح المعلولي، في حديث إلى عنب بلدي، أن ذلك أدى بشكل أو بآخر إلى فرض لدور المرأة في المجتمع، لتخرج إلى العمل وتثبت نفسها لتأمين متطلباتها ومتطلبات عائلتها.

ويرى المعلولي أن نجاح المرأة في تأدية دورين معًا، دورها كامرأة في المنزل ودور الرجل في العائلة، نتج عنه “حقد وتزمّت مضاعف” من قبل بعض الرجال المحيطين بها، زاد من رؤيتهم لها كمنافس في جميع المجالات.

وأضاف الدكتور ريمون المعلولي أن الظروف السلطوية التي تحكم في الشمال، عززت “التزمّت والتشدد” لديهم، وحرّضتهم أكثر على النساء، وكأنها جاءت على قياس “نزعتهم الذكورية”.

وتعتمد القوى المسيطرة في الشمال، وفق ما اعتبره المعلولي، على الفتاوى “المتزمتة” التي لا علاقة لها بجوهر الدين الإسلامي، والتي تناسب “النزعة الذكورية” لديهم أساسًا، ومن هنا توضع الضوابط التي يفرضونها عن طريق خلطة ما بين “الاجتهادات الدينية الخاطئة” و”العادات والثقافة التقليدية الذكورية”، ليجد الرجل نفسه مُحقًا ومنسجمًا مع تلك التفسيرات، ومُحكمًا قبضته على المرأة.

هل الرجل “وصيّ” على المرأة

أوضح دكتور “الفقه الإسلامي” في جامعة “أبو ظبي” محمد حبش، أن وصاية الرجال على النساء موقف يتناقض مع قيم القرآن الكريم، الذي بنى الحياة على المسؤولية المتساوية المتقابلة بين الجنسين وعلى المسؤولية بقدر مشترك بينهما، وفق ما ذُكر في القرآن “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض”.

وشرح الدكتور محمد حبش، أن الآية المذكورة في القرآن “الرجال قوّامون على النساء”، يأتي تفسيرها في ترتيب نظام الأسرة موضحًا بأن القوامة غير الوصاية.

وأضاف حبش أن القوامة مشتقة من فعل “قام- يقوم” ومعناها القيام على خدمة المرأة، وهي مقيّدة بشرطين هما “بما فضّل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم”.

وتابع حبش أنه حين تشارك المرأة في النفقة وبناء الحياة المشتركة على القوامة، فينتفي أحد الشرطين، ويكون هنا للمرأة حق بأن تكون قوامة على نفسها وعلى أسرتها أيضًا.

 

سيدة تقوم بحياكة الملابس في مخيم كللي بإدلب (تعديل عنب بلدي)

نشاط للتمكين يقابله “تحوّل بطيء”

تعمل مجموعة من المنظمات النسوية، عبر مراكزها المنتشرة في الشمال السوري، على نشاطات تمكين المرأة، مجتمعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، لكن هذه النشاطات تواجه تحديات تجعل أثرها بطيئًا أو لا يكاد يُذكر في بعض القطاعات.

مديرة “وحدة دعم وتمكين المرأة” التابعة للجنة “دعم الاستقرار” في ريف حلب، نيفين حوتري، قالت لعنب بلدي، إن “الوحدة” تعمل على تقديم تدريبات تمكّن المرأة من أن يكون لها دور فاعل في المجتمع، وأن تكون قادرة على فهم النزاع في المنطقة، وأكثر فهمًا له.

انطلقت “وحدة دعم وتمكين المرأة” من خلال مؤتمر تأسيسي عام 2018، اجتمعت فيه 150 امرأة في مدينة اعزاز، وتلت المؤتمر ضجة كبيرة على موضوع التمكين لتزامنه مع حملة “كفى عنفًا”، إذ رُبط المؤتمر حينها بالحملة، التي تضمنت رسومًا جدارية رُسم عليها كفّ وكُتب عليها “كفى عنفًا”، ما استفز أشخاصًا في المنطقة، أزالوا الرسومات وكتبوا مكانها “نساؤنا غير معنّفات”.

لكن فيما بعد أصبح خطاب “وحدة التمكين” أكثر انسجامًا مع المجتمع وحساسية للنزاع، وبعد مرور سنة من المؤتمر التأسيسي، شاركت ما يقارب 1500 امرأة من ست مناطق بريف حلب في مؤتمر ثانٍ، ولم يهاجَم بالشكل الذي هوجم فيه المؤتمر الأول.

وبحسب حوتري، يوضح هذا التغيير التحول بالفكر المجتمعي، فاليوم توجد ردود فردية أو لجهة معيّنة، ولكنها لا تسبب غضبًا في الشارع العام.

صورة نمطية لعمل المرأة تحصر خياراتها

غياب وعي مجتمعي كامل لأهمية وجود المرأة في أماكن صنع القرار التي تختلف عن الصورة النمطية لعمل المرأة، كأن ينحصر وجودها في القطاع التعليمي أو الطبي، يشكّل تحديًا أمام عمل المنظمات التي تعنى بدعم المرأة وتعيينها، ويجبرها على المشي بخطوات بطيئة لكيلا تكون بمواجهة المجتمع.

وبحسب حوتري، لا يوجد تضييق على المراكز النسوية التابعة لـ”وحدة الدعم” بشكل مباشر، عدا الحملة الأولى المتعلقة بالعنف ضد المرأة بعد انطلاق المؤتمر في 2018، ولكن التضييق على منظمة أخرى وإغلاقها، يعتبر جزءًا من التضييق على عمل المنظمات التي تعمل على تمكين المرأة ودعمها ككل.

وقالت العديد من النساء في ورشات سياسية سابقة، إنهن يرغبن بالعمل في المجال السياسي، ويسعين لتمكين أنفسهن سياسيًا، ولكنهن يخفن الظهور، لأن أي مشاركة سياسية ستكون ردودها أقسى بكثير عليهن لكونهن نساء أكثر من الرجال.

تضييق إلكتروني أوضح منه في الواقع

من جهتها، قالت مديرة منظمة “فريق سوريانا الأمل” في اعزاز، إلهام عاشور، إن التضييق يكون على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر منه على الأرض.

فلا يوجد أي تضييق فيزيائي على المنظمة، التي تعمل على إجراء جلسات وتدريبات تتعلق بالدمج المجتمعي والأمان الرقمي وحقوق المرأة، مع حذر القائمين على المشاريع عند إخراج المواضيع إلى الشارع، في انتقاء مسمياتها، فعلى سبيل المثال عند القيام ببرامج تتعلق بالجندر، يحبذ أن تسوّق للشارع باسم الأدوار الاجتماعية، لكي يكون وقعها أخف على الناس.

وبحسب عاشور، فإن المنظمة تتبع سياسة نشر معيّنة تحفظها من أي مشكلات مع السلطات المحلية، التي تربطها علاقة جيدة مع المنظمة، فليس من المنطقي أن يكون هنالك حكم سلطة من قبل المجالس المحلية على المجتمع المدني.

“التنمّر الإلكتروني ضد المرأة التي تعمل بالشأن العام، يجعل العديد من النساء يمتنعن أن يظهرن بصورهن الشخصية على وسائل التواصل، ليس لأنهن يتحفّظن على نشر الصورة لأسباب اجتماعية أو عقائدية، بل لأنهن يخفن من شنّ حملات ضدهن، دون أن تستطيع المنظمات المعنية بحماية المرأة حمايتهن”.

الناشطة السورية نيفين حوتري

ما جدوى نشاط المنظمات؟

في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عبر موقعها الرسمي ومنصاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، شارك فيه نحو 1566 شخصًا، يرى نحو 67% من المشاركين أن المنظمات النسوية في الشمال السوري ليس لها أثر حقيقي على صعيد دعم وتمكين المرأة والتغيير الإيجابي في ثقافة المجتمع، بينما يرى نحو 32% من المشاركين عكس ذلك.

وترى معدة دراسات وإحدى أعضاء الإدارة في منظمة “مزايا لتمكين المرأة” في إدلب، إيثار علام، أن المشاريع المهنية تحقق أثرًا إيجابيًا جيدًا، ولكنها تقف عند عقبة إيجاد فرص عمل للمتدربات بعد انتهاء التدريب، حيث يفتقر المجتمع إلى مشاريع إنتاجية كبيرة تؤمّن فرصًا جيدة للنساء.

وبحسب علام، فإن معظم المشاريع المهنية الإنتاجية صغيرة وعلى مستوى فردي متواضع، أما بالنسبة للتدريبات الأكاديمية فهي تركز على رفع قدرات النساء في مجالات العمل المطلوبة لتأهيلهن، لكن قلة الشواغر وشروط الخبرة في أي وظيفة تشكّل عائقًا للمتقدمات، فضلًا عن التوزيع غير العادل لفرص العمل.

بينما ترى أمية الموسى (50 عامًا)، المهجرة من مدينة كفرنبل، أن للمنظمات دورًا مهمًا في دعم النساء معنويًا وتمكينهن وصقل شخصياتهن ورفع السويّة الفكرية لديهن، وذلك من خلال التدريبات الأكاديمية والمحاضرات الحقوقية والسياسية، ليكن مؤثرات في محيطهن ومجتمعهن، وتمكين المرأة من إيصال صوتها وأن تكون فاعلة في أماكن صنع القرار.

لكن ما يعوق عمل تلك المنظمات هو عدم التقبل المجتمعي لعملها أحيانًا، وسلطة الأمر الواقع، والنزوح المستمر وعدم الاستقرار بسبب الهجمات المتكررة من قبل النظام وحليفه الروسي، وكذلك الوضع الاقتصادي المتردي.

مستويات التمكين

بحسب برامج “وحدة التمكين” في ريف حلب، التي تجمع النساء بنظام عضوية يمكنّهن من مناصرة بعضهن، تنقسم برامج التمكين إلى أربعة مستويات:

· تدريب: ويشمل النساء اللواتي لا يمتلكن أي خبرات، ومن الممكن أن تكون هذه الدورات بعدة مجالات مهنية، عدا المجالات الأخرى كالتدريبات السياسية أو الإدارية المتخصصة، لتأمين المعرفة الأولى للمتدربات.

· تمكين: يشمل النساء اللواتي لديهن خبرات دون وجود أماكن يستطعن توظيف خبراتهن فيها، فتفتح “الوحدة” باب التطوع حتى تستطيع النساء العمل بشكل عملي، وتشكيل خبرة لدى المرأة في حال انتقالها إلى مكان عمل معيّن يتطلب خبرة سابقة.

·  مشاركة: يعمل هذا المستوى على أن تكون النساء في مواقع اتخاذ القرار بالإدارات العليا، لأن الناس دائمًا يقولون، “يكفي تمكين النساء في المجتمع”، وعليه تضغط “وحدة تمكين المرأة”، لأن النساء موجودات في الإدارات الوسطى والدنيا فقط، ولا يوجد نساء في الإدارات العليا أو الرسمية، وعليه يعمل البرنامج على الضغط على جعل المرأة في المجالس المحلية والإدارية في المنظمات.

· تشبيك: ويعمل على أن تكون الوحدة جزءًا من شبكات أكبر، بالتعاون والتنسيق مع منظمات أخرى، لكي يكون العمل متكاملًا، ولتغطية الأجزاء التي لم تتم تغطيتها من جهات أخرى، (على سبيل المثال، الوحدة لا تعمل على الجانب المهني، ولكنها تعلم أنه لا يمكن تحقيق التمكين السياسي للنساء دون أن يكن ممكّنات اقتصاديًا، وعليه يتم التعاون مع منظمات أخرى لترشيح الفئات التي تحتاج إلى فرص عمل).

سيدة تعمل في المجال الطبي في الشمال السوري (الدفاع المدني)

اللجوء إلى الاقتصاد.. أولًا

المرأة هي من أكثر فئات المجتمع السوري هشاشة في فترة ما قبل الحرب، وفي الفترة التي تلتها، أصبحت المرأة السورية أكثر ضعفًا وهشاشة، لأن النساء في أغلبيتهن، أصبحن بلا رجال (إما قُتلوا، وإما اعتقلوا، وإما أُصيبوا)، بحسب ما قاله الباحث الاجتماعي طلال مصطفى، في حديث إلى عنب بلدي.

ووجدت المرأة نفسها أمام مسؤوليات لم تعتدها سابقًا، كإعالة أطفال أو إخوة أو أهل بمفردها، سواء كانت زوجة أو ابنة أو أمًا، وبالتالي تطلّبت هذه الظروف أن تلعب أدوارًا جديدة، وأن تنزل إلى ميدان العمل، وهذا ما حصل في كل بلدان العالم التي خاضت حروبًا داخلية، كالمرأة الغربية التي عاشت تجربتي الحرب العالمية الأولى والثانية.

وينطبق ذلك على المرأة السورية، إذ طُلب منها الدخول إلى ميدان العمل بشكل مفاجئ، وهي غير مؤهلة أو مدربة على القيام بالأعمال الجديدة، وخاصة الأعمال التي تحتاج إلى مهارات تقنية أو تعليمية، وربما تنحصر معرفتها بالأعمال المنزلية البسيطة فقط.

مع غياب مؤسسات دولة القانون، وسيطرة قوى راديكالية لا تدخل بهيكلية قانونية، ولا تؤمن بعمل المرأة أو حقوقها، فالشيء الطبيعي ألا تدعم عمل المرأة أو أن تعمل على تمكينها.

وهنالك العديد من القوانين التي أصدرتها تلك القوى وكانت مناهضة لحقوق المرأة، فبدل أن تكون مشجعة وحاضنة لنزول النساء إلى ميدان العمل للحصول على حقوقهن، تقوم بعكس ذلك تمامًا، وترفض أن تكون للمرأة مكانتها الاجتماعية، وتحصر مهامها داخل المنزل، وساندتها في ذلك العادات والتقاليد المجتمعية.

وبحسب مصطفى، يأتي هنا دور الجمعيات والمنظمات الداعمة، لتدريب وتأهيل النساء ببرامج تدريبية للقيام بأعمال حقيقية تحتاج إلى مهارات، وليس تقديم المساعدات الغذائية (السلة الغذائية) فقط، حيث يتم دعم المرأة عبر تمكينها اقتصاديًا.

وينتج عن الدعم المقدم نساء لديهن مهارات مهنية وقادرات على النزول إلى ميدان العمل، وعليه يستطعن تحصيل حقوقهن القانونية والاجتماعية وغير ذلك، ويحصل التغيير ولو كان بشكل بطيء في المنظومة المجتمعية التي تنظر إلى المرأة وكأنها “ضلع قاصر”، فتصبح فردًا فاعلًا في المجتمع.

الاكتفاء الذاتي أولًا..

سنوات العمل مع النساء في الشمال السوري، أكدت للناشطة بيان ريحان، التي شغلت منصب رئيسة مكتب المرأة في المجلس المحلي لمدينة دوما، سابقًا، أن الدعم الاقتصادي للمرأة في الشمال يأتي بالدرجة الأولى لاحتياجاتها، ليليه الدعم والتمكين الاجتماعي والسياسي.

وتأتي أهمية الدعم الاقتصادي لأن أغلب المشكلات التي تعاني منها النساء ويتم استغلالهن من خلالها هي الحاجة المالية، وعندما تقدم مشاريع اقتصادية تحقق فيها اكتفاء ذاتيًا، تكون بمثابة حل مباشر لأوضاعهن.

وفي المجمل، فإن الدعم الاقتصادي لإدارة المشاريع في السنوات الأخيرة، لم يكن لمصلحة الرجال أو النساء في الشمال السوري، لجفاف مصادر الدعم.

واشترطت العديد من المشاريع سابقًا أن تكون النساء قائمة عليها أو تتضمن نساء في خططها، وحققت اكتفاء ذاتيًا للعديد من النساء، بحسب ريحان.

تمييز قائم على النوع الاجتماعي

قالت الباحثة الاجتماعية، من منظمة “GBV” (العنف القائم على النوع الاجتماعي)، أحلام تركي، إن المرأة تعاني من ضغوط مجتمعية في مجتمعاتنا العربية وفي الشمال بشكل خاص، كنظرة أن الرجل لديه دور أكبر من المرأة، بحسب العادات والتقليد، وما تحتاج إليه هو إعطاؤها مزيدًا من الحرية.

وخصت تركي الحرية في مفهومها بحرية الفكر وليس أي حرية لها علاقة بالجسد أو إبداء مفاتنها، بل بحرية العقل والفكر والتعليم.

وتحتاج المرأة لتحقيق أهدافها إلى إقناع المجتمع بكفاءتها، الأمر الذي يتطلب الكثير من السنوات والجهد لإقناعه بأن المرأة هي حجر داعم وأساسي بالإسهام في تحديث أو تطوير هذه المجتمعات.

وتعاني المرأة في الشمال من التمييز القائم على النوع الاجتماعي، فيتصدّر الرجال بمواقع أعلى وأكبر، وتحرم المرأة من الموارد والفرض مقارنة مع الرجال.

سيدات في الشمال السوري ضمن ندوة لدعم وتمكين المرأة (صالون سوريا)

سوريا من أخطر الدول على المرأة

احتلت سوريا المركز الثاني في ذيل “مؤشر السلام والأمن للمرأة” (WPS) بحسب تقرير صدر في تشرين الأول 2021.

وبحسب المؤشر، فإن سوريا هي الأسوأ عالميًا فيما يتعلق بالعنف المنظم، والأسوأ إقليميًا فيما يتعلق بسلامة المجتمع.

وحلّل المؤشر وضع المرأة في ثلاثة أبعاد، هي الإدماج (التعليم، الإدماج المالي، التوظيف، استخدام الهاتف المحمول، التمثيل البرلماني)، والعدالة (عدم وجود تمييز قانوني، الانحياز، القواعد التمييزية)، والأمن (عنف الشريك، سلامة المجتمع، العنف المنظم).

المصدر: معهد “جورجتاون للمرأة والسلام والأمن”، ومركز “بريو للجندر والسلام والأمن”، في الأمم المتحدة

English version of the article

مقالات متعلقة