هل حقًا انتصر بشار الأسد

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

استقبل بشار الأسد وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، الثلاثاء الماضي، وقبلها اتصل بالرئيس الصيني، وفي الصيف الماضي اتصل بالملك الأردني، فهل حقًا انتصر بشار الأسد على السوريين؟

بعد عشر سنوات من الانتصارات المزعومة، نال الأسد زيارة وزير الخارجية الإماراتي التي باركها حسن نصر الله بخطابه الأخير، في 11 من تشرين الثاني الحالي، بوصفه الوكيل الإقليمي لنظام الملالي، وأعاد “الشبيحة” مدح العروبة والقومية العربية، بعدما كان العرب في تعليقاتهم مجرد غزاة جاؤوا على الإبل إلى سوريا (الأسد) التي صار يحكمها قادة “الحرس الثوري الإيراني” بالتعاون مع ضباط قاعدة “حميميم” الروسية.

وبعد عشر سنوات، لم يتمكن النظام من استعادة مقعده في الجامعة العربية، خاصة أن مصر الداعمة لإعادة تأهيل الأسد اشترطت بشكل مفاجئ شرطًا جديدًا لعودة النظام إلى الجامعة العربية، وهو عدم القبول بالإجراءات القسرية (التهجير السكاني وغيره) التي حدثت في سوريا. هذا حسب تصريحات الرئيس السيسي قبل أكثر من شهر، وأضافت إلى ذلك أن يلتزم النظام بمعاهدة الأمن العربي، أي التخلي عن الدعم الإيراني، حسب التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المصري، سامح شكري.

ورغم الثقل الروسي فإن أيًا من المسؤولين العرب لم يزر سوريا سابقًا إلا الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي تم تسفيره من موسكو قسرًا إلى سوريا، وقد تم خلعه بعد أشهر عدة من زيارته إلى دمشق.

ينتظر بشار الأسد مع قادة الجيش الـ40 الكبار الذين ينتمون إلى عائلته وأقاربه أن يتقدم العالم إليهم بالاحتفالات والتكريمات، وأن يلصقوا صورهم في “الميديا” كونهم تمكّنوا من تدمير البلاد، وهجّروا أكثر من نصف السوريين من بيوتهم، ومن بلادهم، ضمن مشاهد مروّعة لم تشهد سوريا مثلها منذ الغزو المغولي في القرن الـ13 الميلادي.

الخارجية الأمريكية التي تركت وزير الخارجية الإماراتي يزور دمشق، وصمتت عن رد الملك الأردني على مكالمة بشار الأسد، أعلنت تعجبها من مواقف هذه الدول التي تعيد الحياة لدكتاتور وحشي ارتكب المجازر المروّعة ضد شعبه!

الأردن يقول إنه غير معنيّ بالشعب السوري بقدر عنايته بالممر التجاري الذي يعيد إنعاش الاقتصاد المحلي، والإمارات ترسل وزيرها إرضاء لروسيا، ورشوة لإيران لتخفيف ضغوطها عليها بعد عقد الصلح الإماراتي مع إسرائيل، بالإضافة إلى كون الإمارات منغمسة بدعم الثورات المضادة للربيع العربي، واعتبرت في نهجها الجديد أن كل من يطالب بالحرية هو مجرم تجب معاقبته في ليبيا واليمن وفي سوريا، وربما قريبًا في لبنان!

لم يقم أي من المتحدثين مع بشار الأسد بالاتصال به، بل قام بشار الأسد بالاتصال بهم، وحتمًا فإن بشار الأسد لم يقم بالاتصال بالرئيس الصيني مصادفة أو أنه أمر بإحضار التلفون ومحاولة طلبه، على طريقة السوريين في الثمانينيات عندما كانوا يحاولون في طلب رقم النداء 011 دمشق أو 022 حلب للتحدث مع أقاربهم أو مع التجار الذين يتعاملون معهم، وكان يستغرق التقاط النداء ساعات طويلة من المحاولات، بل اتصل به وبغيره بناء على رغبتهم بذلك رغم رفضهم المبادرة للاتصال به.

وعندما التقط بشار الخط أخيرًا مع الرئيس الصيني، شي جين، في 5 من تشرين الثاني الحالي، أعلن أنه يضع سوريا في خدمة المشروع الصيني “الحزام والطريق”، رغم أنه تعهد سابقًا بإعطاء الموانئ للروس وللإيرانيين، وذلك في محاولة منه لإدخال محتل رسمي ثالث إلى الأراضي السورية التي صار ثلثها خاليًا من السكان بعد التهجير، وصار الشعب الجائع غير آبه بالقبول بأي شيء مقابل لقمة الخبز التي تسبب النظام بقطعها، وبسبب البؤس الذي حلّ حتى في أوساط مؤيدي النظام!

بشار الأسد الذي يخضع لقانون “قيصر” لا يزال منبوذًا، ولا تزال صورته المباشرة غير مقبولة ناهيك عن رائحة الدم التي تفوح منه ومن المتحدثين معه، فإيران وروسيا والصين لها دور مباشر في عمليات القتل والتهجير الجماعي الذي حدث بقوة الميليشيات الطائفية، وبالصواريخ والطائرات الروسية، وكذلك بـ”الفيتو” الروسي- الصيني!

مأساة الشعب السوري لا تزال ماثلة أمام العالم، ولا يستطيع أي طرف تجاهلها، حتى إن السوريين أنفسهم لا يستطيعون إغماض عيونهم وإعادة قبول بشار الأسد والـ40 مجرمًا الذين يتصدرون قيادة الجيش والمجازر، كما أن مؤيدي الأسد لا يستطيعون تجاهل المأساة التي قادهم إليها بشار الأسد ونظامه، إذ حوّل البيوت إلى قبور، والأطفال إلى أيتام، والنساء إلى أرامل بمئات الألوف من أجل أن يستمر في الحكم!

بشار الأسد الذي يدّعي النصر على الشعب السوري، يعيش في عزلة خانقة ويحاول استجداء شرعية باهتة، يغطي بها حقيقة رفض السوريين له في حال حصلت انتخابات نزيهة ومراقبة من قبل الأمم المتحدة.

وهو يصارع الزمن من أجل أن يعيد تجميل صورته وصورة القادة الذين شاركوه الجرائم والمجازر، ومن أجل أن يعيد الزمن القديم الذي يفرض فيه على السوريين كل نزوات العائلة الحاكمة، وما مثال شام ابنة ماهر الأسد التي فازت قبل أيام بالمركزين الأول والثاني، بآن واحد، في مسابقة الفروسية، إلا خردة من بقايا الزمن القديم الذي صار يثير سخرية كل السوريين، في الداخل وفي الخارج، ويتعجبون جميعًا من تفكير هذا النظام الملتصق بزمن الثمانينيات الوحشي، الذي لن يتركه ما دام حافظ الأسد يحكم سوريا من القبر!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة