هل يمد التقارب التركي- الإماراتي حبلًا للنظام السوري

camera iconالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد في أنقرة 24 تشرين الثاني 2021 (رئاسة الجمهورية التركية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ديانا رحيمة

تطرح عودة العلاقات بين تركيا والإمارات، التي توّجتها، في 24 من تشرين الثاني الحالي، زيارة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، للقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أنقرة، التساؤلات حول كيفية انعكاس هذا التقارب على الأرض في سوريا، حيث يقف الطرفان على طرفي نقيض ويدعمان جهات متضادة.

أين يقف الطرفان في سوريا؟

العلاقات التركية- الإماراتية شهدت توترات عديدة سابقًا، بسبب عدة ملفات شائكة بينهما كوقوف تركيا عسكريًا إلى جانب قطر بعد الأزمة الخليجية عام 2017، والحصار الدبلوماسي والاقتصادي الذي فرضته كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر عليها.

وناهضت تركيا السياسة الإماراتية في كل من ليبيا وسوريا، والتي تتعارض مع عملياتها العسكرية في شمال غربي وشرقي سوريا، واتهمتها بإنشاء حملة تستهدف الليرة التركية.

وتتهم تركيا محمد دحلان، الذي يرجح بأنه يشغل منصب مستشار ابن زايد، بالضلوع في محاولة الانقلاب ضد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وتعتبره تركيا إرهابيًا لتمويله منظمة “غولن” المعادية لتركيا.

بينما تدعم الإمارات التدخل العسكري الروسي في سوريا، إذ عارضت طلبًا سعوديًا، قُدم عام 2015 من قبل سبع دول هي السعودية وقطر وتركيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا، يطالب روسيا بوقف عملياتها العسكرية.

وفي عام 2020،  قدمت الإمارات مبادرة حول العملية السياسية في سوريا وإشراك المكوّن الكردي، ما يستوجب إعادة رسم الخريطة الميدانية في إدلب والسيطرة على الطريقين الدوليين “M5″ و”M4”، وسحب البساط من تحت تركيا في المنطقة.

وتنص المبادرة على فتح معبر “نصيب” الحدودي بين سوريا والأردن بشكل جدي، وتنشيط ميناءي “اللاذقية” و”طرطوس”، مقابل محاولة الإمارات إرجاء العمل بقانون “قيصر” الأمريكي، أو تخفيف قيوده على الأقل لفترة تجريبية.

خطوات متدرجة.. يقابلها موطئ قدم

تشكّلت المؤشرات الإيجابية في مسار العلاقات التركية- الإماراتية، والمرحلة التي وصلت إليها اليوم، نتيجة للخطوات المتدرجة التي أقدمت عليها أنقرة خلال الأشهر الماضية لتطبيع العلاقات، حيث طرقت باب خصومها الإقليميين، بحسب ما قاله الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، في حديث إلى عنب بلدي.

وبدأت أنقرة أولًا من القاهرة، وتواصلت بعدها مع الرياض ثم أبو ظبي والمنامة لرأب الصدع، لتكون زيارة ولي عهد أبو ظبي بمثابة استكمال لهذا التحرك، وهو أمر طبيعي في إطار السعي لتحقيق الاستدامة في تحسن العلاقات بين البلدين التي مرت بفترة صعبة جدًا على مدار سنوات حين دعم كل منهما طرفًا مختلفًا لخدمة مصالحه الخاصة، سواء في مصر أو سوريا أو ليبيا وحتى في شرق المتوسط.

ويرى عودة أوغلو أن تركيا منفتحة ومستعدة لتدشين المصالحات مع جميع الدول التي كانت على خلاف معها سابقًا، وخصوصًا الإمارات والسعودية، وهو ما قد يندرج في نهاية المطاف تحت عنوان عريض هو الاقتصاد، ليُترجَم لاحقًا إلى مستوى سياسي أفضل.

من جهتها، تبحث الإمارات أيضًا كغيرها من الدول الخليجية عن دخل غير نفطي مع انخفاض أسعار النفط، لذلك تبدو اليوم بأمس الحاجة إلى موطئ قدم قوي ومستقر للاستثمار في العالم، وإلى شركاء تجاريين أقوياء قادرين على دعم خططها بالنمو الاقتصادي.

غطاء اقتصادي لمقايضات سياسية.. أبرزها سوريا

وكان السفير التركي لدى أبو ظبي، توجاي تونشير، أعلن خلال مشاركة تركيا في معرض “إكسبو 2020 دبي” عن أن حجم التجارة بين تركيا والإمارات بلغ 8.5 مليار دولار، مشيرًا إلى أن الأشهر الستة الأولى من العام الحالي شهدت نموًا في حركة التجارة يقارب الـ100%.

من جهته، قال وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، إن الشراكة الاقتصادية بين الإمارات وتركيا تشهد تطورًا مستمرًا، مشيرًا إلى أن التبادل التجاري بين البلدين قفز بنسبة 100% في النصف الأول من العام الحالي.

ويرى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية محمود علوش، أن المصالحة التركية -الإماراتية ترتكز على قاعدتين أساسيتين، هما التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة مقابل إدارة الخلافات في القضايا الإقليمية كبديل عن المواجهة.

وكانت سوريا ولا تزال إحدى النقاط الخلافية بين البلدين، مع تضارب مواقفهما إزاء شرعية نظام الأسد، وكذلك مسألة “الوحدات” الكردية.

ولا توجد مؤشرات على أن هذا التضارب سينتهي قريبًا، بحسب علوش، إذ اتّهم الإعلام التركي خلال السنوات الماضية، الإمارات بتقديم الدعم والتدريب لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في إطار صراعها الإقليمي مع تركيا، وهي القوات التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المحظور والمصنف إرهابيًا.

قد يتفهم الأتراك اختلاف موقف الإمارات عنهم بشأن النظام السوري، لكنّهم حسّاسون للغاية فيما يتعلق بحزب “العمال الكردستاني”، بحسب علوش، ولا يُمكن أن يتسامحوا مع أي موقف يتناقض مع موقفهم، فإصلاح العلاقة مع أنقرة سيفرض على أبو ظبي أن تكون أكثر حذرًا بعد الآن في مسألة “وحدات حماية الشعب” (عماد قوات سوريا الديمقراطية).

“التقارب التركي- الإماراتي لا يساعد في التوصل إلى حل سياسي للصراع في سوريا، ومن جهة أخرى قد يكون الدعم الذي تتلقاه “الإدارة الذاتية” (الكردية) من دولة الإمارات أول أُضحية على قربان تعمُّق هذا التقارب.

إذا تحقّق ذلك فعلًا، فسوف يُرضي الحكومة التركية والنظام السوري في آن واحد.

الأكاديمي السوري- الكندي الدكتور فيصل عباس محمد

حبال تعويم للأسد؟

يرى الباحث محمود علوش أن الانفتاح الإماراتي على دمشق يزيد هواجس تركيا من وجود مساعٍ عربية تضعف دورها في سوريا.

وتقدم الإمارات هذا الانفتاح على أنه أحد أوجه التحول في سياستها الخارجية نحو تصفير المشكلات وتهدئة النزاعات الإقليمية، وبأنّه لا يستهدف الدول الإقليمية الأخرى كتركيا أو إيران.

ومن مصلحة تركيا والإمارات الحفاظ على المسار الجديد، لكنّ ذلك يفرض عليهما تحصينه من تضارب المصالح في النزاعات الإقليمية ولا سيما في سوريا، والذي قد يُساعدهما أيضًا في تطوير استراتيجية إدارة الخلافات إلى استكشاف مدى إمكانية خلق مقاربة مشتركة إزاء الملف السوري، بحسب علوش.

الأكاديمي السوري- الكندي فيصل عباس محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية، أوضح لعنب بلدي أنه على الرغم أن الإمارات العربية المتحدة تشترك مع عدة أنظمة عربية أخرى في دعمها لجهود تعويم النظام السوري وإعادته إلى “الصف العربي” الرسمي، فإن مسيرة الإمارات لإعادة العلاقات مع تركيا تشكّل مشروعًا إماراتيًا مستقلًا إلى حد كبير.

وزيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى سوريا قبل توجه محمد بن زايد (حاكم الإمارات الفعلي) إلى تركيا، هي بالتأكيد خطوة ذات صلة بالمشروع الأهم الهادف إلى تحسين العلاقات مع تركيا، بحسب الأكاديمي.

ويرى أن التزام كل من أردوغان وابن زايد الصمت حيال القضايا الخلافية السياسية، ومنها الصراع في سوريا، وحصر تصريحاتهما بالاتفاق على تعزيز التعاون الاقتصادي، لا يقنع أيًا من المراقبين أنه لم يجرِ أي بحث في الخلافات السياسية.

ويدور الحديث في الأروقة السياسية التركية حاليًا عن تحضيرات تجري لعقد صفقة استراتيجية ومصيرية بين أنقرة ودمشق، وسط أحداث متسارعة ومساومات معقدة تشارك روسيا بإدارتها.

وفي 4 من أيلول الماضي، تداولت وسائل إعلام محلية نقلًا عن أوساط تركية أنباء عن لقاء مرتقب في العاصمة العراقية، بغداد، بين رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، ومدير مكتب “الأمن الوطني”، اللواء علي مملوك، بحسب ما نقلته صحيفة “Türkiye Gazetesi” التركية (مقربة من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم).

ووصف رئيس دائرة المخابرات العسكرية التركية الأسبق، إسماعيل حقي بكين، اللقاء الذي سيعقد في بغداد بأنه بداية لمرحلة جديدة.

وكان مملوك وفيدان التقيا في العاصمة الروسية موسكو للمرة الأولى منذ عام 2011، في كانون الثاني 2020، وتباحثا في أمور عدة أهمها الوجود التركي في سوريا، ولم يعلّق الجانب التركي على هذا اللقاء.

ولا تعترف تركيا بالنظام السوري منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011، وتشهد العلاقات التركية- السورية قطعية، في ظل دعم تركيا للمعارضة السورية.

الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، تحدث عن “صفقة” قد تتسع لاحقًا لتضم دولًا أخرى سعيًا لإيجاد تسوية يمكن أن تسطّر نهاية سلمية للصراع في سوريا، في ظل التصريحات “الإيجابية” الأخيرة الصادرة عن كبار المسؤولين في أنقرة، والتي تشير إلى أنه ربما قد يكون هناك نوع من إمكانية الحلحلة والانفتاح التركي على التطبيع السياسي مع النظام السوري، تزامنًا مع الجهود المبذولة لتحسين العلاقات مع كل من مصر والإمارات العربية المتحدة.

كما جاءت زيارة الوفد السوري الذي يمثّل وزارة الداخلية السورية في الاجتماعات الدورية للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، التي انعقدت في اسطنبول، بعد الحديث عن قرب عملية تطبيع العلاقات الثنائية بين تركيا والنظام السوري مع اعتراف أنقرة على لسان كبار مسؤوليها بأن التواصل مع النظام السوري استخباراتيًا ما زال مستمرًا.

وتعتبر هذه الزيارة الأولى من نوعها لوفد حكومي يمثّل النظام في تركيا، منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، وتتزامن مع انتخاب اللواء الإماراتي أحمد ناصر الريسي رئيسًا جديدًا للمنظمة.

وبحسب عودة أوغلو، فإن العنوان العريض للموقف التركي من حكومة النظام السوري ما زال يحمل ضبابية، وإن بدا في الأشهر الأخيرة وكأنه يحمل في ثناياه بوادر لتطور مهم يحصل من خلف الأبواب، بهدف تفكيك العقدة السياسية التي تحول دون عودة المياه إلى مجاريها.

تركيا لا تحتاج إلى التطبيع؟

رغم أن الاتصالات (غير المُعلَنة) بين النظام السوري والحكومة التركية تتم بين الحين والآخر، فإن تركيا ليست بحاجة إلى التطبيع مع نظام الأسد لكي تحصل على مكاسب في سوريا، سواء من جهة إيجاد حل لقضية اللاجئين السوريين في تركيا، أو تحجيم قوة “الإدارة الذاتية” و”قسد”، أو الهيمنة الاقتصادية على جزء من شمالي سوريا، بحسب الأكاديمي فيصل عباس محمد.

هذه الهواجس التركية حلّها بيد لاعبَين أقوى وأهم من النظام السوري، وأكثر ثقلًا بكثير من الإمارات، وهما روسيا وأمريكا.

ويرى الأكاديمي أن مسار العلاقات التركية- الإماراتية ووتيرة تسارعها وماهية التفاهمات التي قد تترتب عليه كلها عوامل سوف تُحَدِّد لاحقًا انعكاس التقارب على سوريا مستقبلًا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة