إدلب.. سعر حليب الأطفال مرتفع وصحة الرضّع تسوء أمام عجز الأهالي عن تأمينه

camera iconحليب أطفال في إحدى صيدليات مدينة إدلب شمالي سوريا- 27 من تشرين الثاني 2021 (عنب بلدي هاديا منصور)

tag icon ع ع ع

إدلب – هاديا منصور

فشلت كل محاولات سلمى الصباغ (38 عامًا) في تهدئة بكاء رضيعها صهيب، البالغ من العمر أربعة أشهر، بعد عجز والده عن تأمين حليب الأطفال الذي ارتفع سعره مؤخرًا بشكل غير اعتيادي.

قالت سلمى لعنب بلدي، إن سوء وضع عائلتها المعيشي حرم طفلها من أهم حقوقه بالحصول على الغذاء والحليب الذي لم يعد بالإمكان شراؤه بعد ارتفاع سعره بشكل مفاجئ من 40 ليرة تركية إلى 75 ليرة في مدينة إدلب، بحجة انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي.

وانخفضت قيمة الليرة التركية مسجلة أدنى مستوى لها في تاريخها خلال تداولات الأسبوع الأخير من الشهر الحالي، إذ كسر سعر صرف الدولار الأمريكي، في 23 من تشرين الثاني، عتبة الـ13 ليرة.

وأثّر انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار على الوضع الاقتصادي والعمّال في شمال غربي سوريا الذين يتقاضون أجورهم بشكل يومي، إذ ما زالوا يحصلون على أجور ثابتة ومتدنية بالليرة التركية، وسط ارتفاع أسعار تشهده تلك المناطق.

أضافت سلمى أن طفلها بحاجة إلى علبة حليب كل يومين بينما يعمل زوجها عامل مياومة لا تكاد تكفيه أجرته لتأمين الخبز لأطفاله الأربعة، وهو ما دفعها للبحث عن بدائل عن الحليب الصناعي، أهمها النشاء الذي تطبخه وتركزه بالمياه ليصبح ملائمًا لوضعه في زجاجة الرضاعة الخاصة بطفلها.

لم يمر توقف تناول الحليب المخصص واتخاذ إجراءات بديلة على صحة الأطفال مرور الكرام، وإنما انعكس الأمر بإصابتهم بأمراض هضمية وسوء تغذية.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نقص التغذية يقف وراء 1.3 مليون حالة وفاة بين الأطفال في كل عام، أو 45% من جميع وفيات الأطفال في العالم، إذ إن كثيرًا من الرضع لا يتلقون التغذية المثلى.

محاولة العثور على بدائل

لم يعد بيع سلة الإغاثة الشهرية يغطي احتياجات عائلة مريم حاج حميدو (32 عامًا)، خصوصًا فيما يتعلق بتأمين حليب الأطفال لطفلتها الرضيعة سالي، البالغة من العمر خمسة أشهر، وخاصة بعد غلاء الحليب مؤخرًا بشكل لم يعد زوجها يستطيع مجاراته في ظل الفقر وانعدام فرص العمل.

تحاول مريم قدر المستطاع تعويض طفلتها عن نقص الحليب بطحن الأرز وطبخه وإطعامه للطفلة التي لم تتقبل هذا الغذاء، ولكنها تتناوله مرغمة لشعورها الدائم بالجوع.

تعي مريم أن الأرز المطحون لا يمكن أن يحلّ مكان الحليب وفوائده للطفلة، بحسب ما قالته لعنب بلدي، إلا أنها تحاول إنقاذ طفلتها من الشعور بالجوع فـ”ليس باليد حيلة”، وفق تعبيرها.

وتتساءل مريم عن سبب عدم تلبية احتياجات الأطفال في المخيمات من مادة حليب الأطفال من قبل منظمات المجتمع المدني المعنية، رغم أهميته بالنسبة إلى كثير من الأطفال الرضّع، ويشكل غيابه عنهم تهديدًا حقيقيًا لحياتهم.

خطر الإصابة بالأمراض

تستورد جميع صيدليات مدينة إدلب حليب الأطفال بالدولار من تركيا ودول أوروبية، وهو ما اعتبره الصيدلاني محمد البكور السبب المباشر لارتفاع أسعار الحليب، حيث تخلو مناطق شمال غربي سوريا من أي مصانع محلية لتلك المادة المهمة.

ورغم وجود البدائل التي تسد حاجة الأهالي من حليب الأطفال المرتفع التكلفة، فإن هذه البدائل تؤثر بشكل مباشر على صحة الرضّع، وتضر بمناعتهم، وفق ما نبّه إليه الصيدلاني في حديثه إلى عنب بلدي، لافتقارها للمغذيات، والفيتامينات، والمعادن المهمة لنمو أجسامهم الصغيرة.

تلك المغذيات لا تتوفر إلا بمادة الحليب، خصوصًا بالنسبة إلى الأطفال الرضّع من الفئة العمرية الأولى الذين تتراوح أعمارهم بين يوم واحد وستة أشهر، إذ تكون معدة الطفل غير مهيأة لاستقبال أي نوع من أنواع الطعام سواء النشاء أو الماء والسكر أو الأرز أو حتى حليب الأبقار والماعز، وفق الصيدلاني.

وتُصنع معظم تركيبات حليب الرضّع من الحليب البقري الذي يُعدّل ليشابه حليب الأم، وهذا يعطي التركيبة التوازن الصحيح من العناصر الغذائية، ويجعلها أسهل في الهضم.

ويتقبل معظم الرضّع تركيبة حليب الأبقار بشكل جيد، لكن أولئك الرضع الذين يعانون حساسية ضد البروتينات الموجودة في الحليب البقري يحتاجون إلى أنواع أخرى من حليب الرضّع.

ويؤكد الصيدلاني أن نقص المغذيات ينعكس سلبًا على الرضّع الذين يصبحون عرضة لأمراض عدة أهمها سوء التغذية، والكساح، وضعف النمو، وضمور الدماغ، وهشاشة العظام، وتضخم الغدة الدرقية، وفقر الدم.

ومع ارتفاع سعر حليب الأطفال في إدلب الذي تزامن مع فقر شريحة واسعة من المدنيين، صار مرض سوء التغذية من أكثر الأمراض شيوعًا بين الأطفال في المنطقة، بسبب عدم توفر الغذاء الصحي بكميات كافية، بالإضافة إلى الرعاية الصحية المنخفضة للأطفال.

ويوجد في عموم سوريا 6.8 مليون طفل بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، وفق تقرير لـ”يونيسف” صدر في 18 من تشرين الثاني الحالي، كما يعيش 2.5 مليون طفل ضمن مناطق يصعب الوصول إليها.

وبحسب تقرير لمبادرة “REACH”، يعتبر حجم العائلات التي تقع تحت مظلة الاحتياجات الإنسانية شمال غربي سوريا كبيرًا، حيث يعيش 35% من العائلات النازحة دون أمن غذائي يحمي أطفالهم، في ظل وجود 83% من الموارد الغذائية الأساسية بالمنطقة ضمن الموارد التي تُباع بالليرة التركية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة