"الإنقاذ" أم "المدني".. مَن المسؤول؟

مدنيون عاجزون عن شراء الرغيف في إدلب

camera iconنساء سوريات في إدلب يخبزون التنور بسبب غلاء كيس الخبز شمال غربي سوريا- 29 من تشرين الثاني 2021 (عنب بلدي\ هاديا المنصور)

tag icon ع ع ع

إدلب- هاديا منصور

يضطر محمد الموسى (42 عامًا) في مدينة إدلب إلى السير مسافة كيلومترين كل صباح، لشراء كيسين فقط من الخبز، لعائلته المؤلفة من ستة أشخاص.

يتحمل محمد، وهو عامل مياومة في مجال البناء، عناء مشي هذه المسافة يوميًا، رغم أن الكيسين لا يكفيان حاجة عائلته، وفق ما قاله لعنب بلدي، وذلك بعد تقلّص وزن الربطة وعدد الأرغفة، ومحاولته اتباع نظام تقنين خاص به، لعجزه عن شراء المزيد.

أسهم قرار حكومة “الإنقاذ” العاملة في المنطقة، بتخفيض وزن كيس الخبز مجددًا مع زيادة سعره هذه المرة، بصعوبة في تأمين الكميات الكافية منه بالنسبة إلى كثير من العائلات الكبيرة، ممن تعاني الفقر الشديد وقلة فرص العمل، وصارت هذه العائلات عاجزة عن تأمين تلك المادة الأساسية، سواء بالنسبة إلى المواطنين المقيمين أو النازحين على حد سواء.

ما إن يسجّل انخفاض بقيمة الليرة التركية أمام الدولار حتى “نواجه سلسلة من الصعود الجديد في الأسعار، تبدأ بأسعار المحروقات بجميع أنواعها، وتنتهي بالخبز المادة الأساسية، وبعد عودة ارتفاع قيمة الليرة التركية لا نجد بالمقابل تخفيضًا في الأسعار”، وفق ما قاله محمد الموسى.

ويعتقد الرجل الأربعيني أن الأهالي “يُحاربون” في لقمة عيشهم الرئيسة، التي صارت “حلمًا صعب المنال”، كما أشار إلى الحاجة لوجود من يرأف بحالهم ويشعر بهم وبمعاناتهم، سواء كان ذلك من قبل حكومة “الإنقاذ” أو منظمات المجتمع المدني.

لم يحافظ كيس الخبز في إدلب على سعره الذي كان ليرتين ونصف ليرة تركية، بل زاد لثلاث ليرات ونصف، كما لم يحافظ على عدد الأرغفة الذي بداخله، بل انخفض من 12 رغيفًا ليصل إلى خمسة أرغفة فقط.

التنّور المنزلي

غلاء الخبز وصعوبة تأمينه، دفع للبحث عن بدائل، منها لجوء أهالي المخيمات والقرى والريف إلى التنّور المنزلي وصناعة خبز الصاج لتغطية احتياجاتهم من الخبز، كما هو حال الأربعينية صفية بيدو، النازحة من بلدة كفروما في مخيمات بلدة قاح شمالي مدينة إدلب.

صفية بيدو تحضّر العجين في خيمتها وتخبزه على التنّور بغية تأمين حاجة عائلتها المؤلفة من ثمانية أفراد من الخبز، بحسب ما قالته لعنب بلدي، مضيفة، “أنا لا أملك المال الكافي لشراء سبعة أكياس من الخبز يوميًا، فجميع أفراد عائلتي عاطلون عن العمل، وإن وجدوا عملًا فهو بأجور متدنية”.

وجدت صفية بيدو في شراء الطحين وصناعة الخبز بنفسها فرقًا ملحوظًا في الأسعار، غير أن كثيرين لا يملكون التنّور ولا يجيدون العمل عليه، وهو ما دفعهم لقصد من يخبزون على التنّور مقابل أجرة محددة.

ومن هؤلاء حنان السلوم (40 عامًا) التي اتخذت من صناعة خبز الصاج والتنّور فرصة عمل لها، وهي تواجه ازدحامًا في طلبات الخبز على التنّور التي تتلقاها هذه الأيام، بحسب ما قالته لعنب بلدي.

فقدت حنان المعيل ليعينها على تأمين احتياجات أسرتها، فهي اختارت العمل على التنّور مقابل أجرة بسيطة تستطيع من خلالها تأمين قوتها وقوت أبنائها، وتغنيها عن الحاجة والسؤال.

ويرجع سبب زيادة الطلب على خبز التنّور مؤخرًا، وفق ما تراه حنان السلوم، لزيادة أسعار الخبز وتخفيض وزنه، حيث لم تعد كثير من العائلات في إدلب قادرة على مجاراة هذا التغيير الذي حرمهم حتى من الحصول الاعتيادي على حاجتهم من الخبز.

وعن آلية عملها قالت حنان، “يُحضر لي الزبون كمية الطحين التي يحتاج إلى خبزها، وأنا أقوم بعجنها وخبزها، فأتقاضى على كل كيلوغرام من الطحين مبلغ أربع ليرات تركية”.

واعتمدت عدد من النساء النازحات في تعويض النقص الكبير بمادة الخبز الأساسية على طهو المأكولات المعتمدة على الأرز والبرغل، والتي يمكن الاكتفاء بها في وجباتهم ولا يحتاج تناولها إلى وجود الخبز المساند لها.

من جهتها، قالت النازحة من مدينة معرة النعمان والمقيمة في مخيمات مدينة سرمدا صباح حاج حميدو (35 عامًا)، إن “طبق المجدرة والأرز والبرغل والمغمومة أصبح من وجباتنا الأساسية”، مبرزة معاناتهم في تأمين كيس الخبز الذي لم يعد يكفي لفرد واحد من العائلة ليوم واحد.

وطالبت صباح حاج حميدو منظمات المجتمع المدني بدعم مادة الخبز، باعتبارها “المادة التي يصعب الاستغناء عنها”، وذلك ليستفيد من الأمر كل من يقع تحت خط الفقر، بدلًا من القيام بالتوزيع “غير العادل للمعونات والمواد الإغاثية، التي يستفيد منها قسم من المدنيين ويُحرم منها القسم الآخر”، على حد قولها.

كما وجهت صباح حاج حميدو انتقادًا لحكومة “الإنقاذ”، قائلة إنه “لم يعد همها إلا زيادة الأعباء الكبيرة على كاهل المدنيين الذين صاروا يقضون يومهم باحثين عن تأمين كيس خبز دون جدوى”.

وتضاف أزمة تأمين الخبز في إدلب إلى عدد من الأزمات التي يعيشها السكان المقيمون والنازحون في المنطقة، منها ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالمحروقات والمواد الغذائية، وتدني الأجور، في ظل ما يعيشونه من أوضاع مادية ونفسية يسودها النزوح والفقر المدقع.

“خطط” لحل الأزمة

خلال استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي في برنامج “شو مشكلتك“، في 22 من تشرين الثاني الماضي، حول مشكلة ارتفاع سعر كيس الخبز في مدينة إدلب، حمّل الأهالي حكومة “الإنقاذ” مسؤولية حل هذه المشكلة، إذ “لم تدعم أي شيء” من المواد الغذائية الأساسية في المنطقة، على الرغم من “مدخولها الكبير”، وطالبوها بدعم مادة الخبز دون غيرها ضمن الحدود الدنيا من الدعم، كونها مادة “أساسية في كل يوم لدى الأهالي”.

وخلال البرنامج، تواصلت عنب بلدي مع نائب وزير الاقتصاد في حكومة “الإنقاذ”، أحمد عبد الملك، الذي أرجع هذه الأزمة إلى الانخفاض المستمر في قيمة الليرة التركية، قائلًا، “اضطررنا إلى تقليل عدد أرغفة الخبز في الربطة الواحدة مع المحافظة على سعر واحد، بما يتناسب مع أسعار مدخرات الإنتاج الخاصة برغيف الخبز”.

وأوضح عبد الملك أن “هناك خططًا من شأنها أن تقدم شيئًا من الدعم للناس الموجودين في المحرر (الشمال السوري)، من أجل تخفيف الأعباء المعيشية التي أصابتهم في الفترة الأخيرة وخصوصًا على مادة الخبز”.

وخلال الأسبوع الأخير من تشرين الثاني الماضي، انعكست آثار انخفاض قيمة الليرة التركية على الاقتصاد ومعيشة السكان في الشمال السوري، كونها العملة المستخدمة في التعاملات المالية والأعمال التجارية بعد اعتمادها بديلة عن الليرة السورية، التي شهدت تدهورًا غير مسبوق أدى إلى غلاء عام وانخفاض قدرة المواطنين الشرائية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة