“تسويات” درعا.. طموحات النظام لا يعكسها الواقع الميداني

camera iconلافتة تضامنية مع درعا البلد من بلدة اليادودة حملها ناشطون- 25 حزيران 2021 (ناشطون عبر فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- خالد الجرعتلي

حاول النظام السوري مع انتهاء عمليات “التسوية” في درعا، الترويج لها على أنها انتصار وسيطرة النظام على المحافظة، وعودة الحياة الطبيعية فيها، إلا أن الواقع الذي آلت إليه الأمور في المحافظة كان بعيدًا عن تطلعات النظام، إذ عادت عمليات الاغتيال إلى الواجهة بكثافة، حتى وصلت إلى خمس عمليات اغتيال طالت عناصر في قوات النظام خلال يوم واحد.

وبقيت منطقة بصرى الشام، التي لم تخضع لهذه “التسويات” ويسيطر عليها “اللواء الثامن” المدعوم من قبل روسيا، والذي كان فيما مضى فصيلًا معارضًا للنظام قبل سيطرته على المحافظة، خارج أحداث الفوضى الأمنية.

وتشير هذه الأحداث إلى أن الواقع الميداني في درعا أثبت أن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في المحافظة هي المناطق التي تشهد استقرارًا أمنيًا نسبيًا، على عكس ما يحاول النظام الترويج له على مدار السنوات الأخيرة.

“تسوية 2018” لم تكسر خوف النظام من سكان درعا

عقب سيطرة قوات النظام على محافظات ومناطق الجنوب السوري في تموز 2018، أقامت “تسويات” أمنية في المحافظة شملت الآلاف من سكان المحافظة، ومقاتلين سابقين بفصائل المعارضة.

ونصت “تسوية 2018” على تسليم الأسلحة الثقيلة، والسماح بدخول دوائر الدولة ومؤسساتها، مقابل الإفراج عن معتقلي محافظة درعا، ورفع المطالب الأمنية عن المطلوبين بتهم سياسية للنظام، وسحب الجيش إلى ثكناته، لكن لم يطبَّق أي منها.

الباحث والمحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، قال لعنب بلدي، إن “تسوية” عام 2018 كسرت من حدة المقاومة الشعبية في المحافظة، إلا أنها لم تلغِها بالكامل، ما حوّل الحراك المناهض للنظام في المنطقة إلى عمليات اغتيال واستهداف بحق قواته وعناصره المنتشرين فيها، ولذلك لا يمكن القول إن “التسويات” الأمنية بسطت سيطرة النظام على المحافظة.

ثم تبعتها “تسوية” أيلول 2021، التي لم تبسط سيطرة النظام على الجنوب، نظرًا إلى الواقع الميداني وعمليات الاغتيال التي تشهدها المحافظة، بحسب الأسعد.

الواقع الذي لم يتغير في الجنوب السوري عقب عمليات “التسوية”، هو أن النظام لا يزال يخشى من سكان المنطقة، ويخشى دخول بعض المناطق، بحسب الأسعد، ويمكن القول إنه يخشى من “الأفراد” في درعا، ما أجبره على تسخير العملاء لتحويل ساحة الحرب في درعا إلى حرب اغتيالات أسفرت عن عمليات اغتيال متبادلة بين الجهتين لا تزال مستمرة حتى اليوم، وهو ما يعتقد أنه من الممكن أن يعيد سيطرته على المحافظة.

المحامي سليمان القرفان، نقيب “المحامين الأحرار” في المحافظة سابقًا قال، في حديث إلى عنب بلدي، إن “التسويات” لم تنجح لأن نجاحها مرتبط بعودة الهدوء وانتشار الأمن والأمان، وهذا الأمر لم يحصل في المناطق التي شهدت “التسوية”، بل تزايدت عمليات الاغتيال في المحافظة، ونادرًا ما يخلو يوم من تسجيل عمليات قتل أو اغتيال أو تصفية جديدة تطال مقاتلين سابقين بفصائل المعارضة، وضباطًا وعناصر يتبعون للأجهزة الأمنية وقوات النظام، بحسب القرفان.

الانتقام من السكان “وسيلة متهورة”

ما إن تشهد منطقة من مناطق درعا عملية استهداف لعناصر قوات النظام، حتى يرد بقصف عشوائي على المدنيين مستهدفًا الأسواق والأحياء المأهولة، ويخلّف قتلى وجرحى من المدنيين، أو يشنّ حملة اعتقالات عشوائية، كما حدث في مدينة نوى في 29 من تشرين الثاني الماضي.

واستهدف مجهولون سيارة عسكرية تتبع لقوات النظام على طريق الشيخ سعد- نوى، ما أسفر عن مقتل عناصر وجرح آخرين، تبعه بعد ساعات قصف مدفعية النظام مدينة نوى شمالي درعا، ما أسفر عن مقتل شخصين وجرح تسعة آخرين.

وكذلك في 26 من آب الماضي، استهدفت مدفعية النظام مدينة طفس غربي درعا، بأكثر من 50 قذيفة سقطت بشكل عشوائي على أحياء المدينة، على خلفية استهداف مجهولين سيارة عسكرية تتبع للنظام.

واعتبر المحامي سليمان القرفان، أن هذه العمليات هي “انتقامية” بالدرجة الأولى من السكان الذين “ثاروا على حكم الأسد” عام 2011.

ويعتبر النظام سكان درعا عدوه الأول، بحسب القرفان، إذ أشار إلى أن سياسة النظام تتمحور حول التضييق الأمني وكثرة الاغتيالات، لدفع المزيد من معارضيه للهجرة لإفراغ المنطقة من شبابها، الذين من الممكن أن يعيدوا ترتيب صفوفهم ويلجؤوا إلى المواجهة مجددًا.

واعتبر القرفان أن الانتقام من سكان المحافظة لن يصب بمصلحة النظام في نهاية الأمر، مشيرًا إلى أنها “سياسة متهورة” لبسط نفوذه على المنطقة.

في حين اعتبر الباحث العسكري عبد الله الأسعد، أن عمليات الاغتيال التي يشرف عليها “الأمن العسكري” التابع للنظام تستهدف المدنيين في بعض الأحيان، من أجل إثارة الفوضى في المنطقة لا أكثر، أي أن المدني بحد ذاته غير مستهدف، إنما صار بالنسبة إلى سياسة النظام في درعا عبارة عن وسيلة لإثارة الفوضى لا أكثر.

عمليات الاغتيال صارت متبادلة ويومية في درعا، وبينما يعمل سكان المنطقة على استهداف عناصر في قوات النظام كرد فعل على استهداف سكان المنطقة بعمليات اغتيال، يعمل النظام على سياسة “العقاب الجماعي” بقصف الأحياء السكنية واستهداف المدنيين.

وفي 29 من تشرين الثاني الماضي، استهدفت قوات النظام بقذائف المدفعية الثقيلة مدينة نوى بريف درعا الغربي، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وجرح أكثر من عشرة آخرين، بعد ساعات من استهداف سيارة عسكرية تابعة لقوات النظام قُتل إثره ثلاثة عناصر من النظام.

إلى أين تتجه الأمور في الجنوب

بعد الانتهاء من “التسويات”، سحبت قوات النظام عددًا من حواجزها الأمنية في المنطقة، ولكن سرعان ما أعادت نشر بعضها من جديد، بحسب ما رصدته عنب بلدي من عودة ثلاثة حواجز أمنية إلى مدينة الصنمين.

وكذلك عززت قوات النظام نقطة عسكرية في بناء “الري” شمالي بلدة اليادودة، وسبق أن أعادت حاجز “كازية سقر” في مدينة نوى.

وفي تشرين الثاني الماضي، أعادت تمركزها في بناية “الساحر”، وسط مدينة الشيخ مسكين، بحسب “تجمع أحرار حوران”.

وتوقع المحامي سليمان القرفان نشر النظام حواجز أمنية جديدة، وذلك لحفظ ماء الوجه أمام مؤيديه، وإشعارهم بأنه يحظى بالسيطرة على درعا، وأنه استطاع ترويضها وفرض سطوة أمنية عليها.

بينما يعتقد الباحث عبد الله الأسعد، أن التوتر الأمني في الجنوب لن يقف عند حدود درعا، إنما بوادر امتداده إلى خارج أسوارها التي فرضها النظام السوري صارت متزايدة بعد تعيين محافظ جديد للسويداء من أقرب رأس النظام السوري.

وأضاف أن التوتر الأمني في الجنوب بشكل عام ليس متجهًا نحو التهدئة، إنما ستشهد الأيام المقبلة فيها تصاعدًا في هذا التوتر.

عمليات اغتيال “متصاعدة الوتيرة”

في تقرير أصدره “مكتب توثيق الشهداء في درعا”، المختص بتوثيق الانتهاكات في المحافظة، في 1 من كانون الأول الحالي، وثّق قسم “الجنايات والجرائم” 48 عملية اغتيال ومحاولة اغتيال في درعا خلال تشرين الثاني الماضي، قُتل إثرها 30 شخصًا وأُصيب 16 آخرون، بينما نجا اثنان فقط من محاولة اغتيالهما.

ولم تتضمّن إحصائية “المكتب” الهجمات التي تعرضت لها حواجز وأرتال قوات النظام السوري في المنطقة، وفقًا للتقرير.

وأوضح التقرير أن عمليات ومحاولات الاغتيال استهدفت تسعة مقاتلين سابقين في فصائل المعارضة، منهم أربعة أشخاص ممن التحقوا بصفوف قوات النظام بعد سيطرتها على المحافظة عام 2018.

وأضاف التقرير أن عمليات الاغتيال استهدفت 20 شخصًا عبر إطلاق نار مباشر، منهم اثنان عبر عملية إعدام ميداني بعد اختطافهما، إضافة إلى خمسة أشخاص باستخدام العبوات الناسفة، وثلاث عمليات باستخدام القنابل اليدوية.

ووقعت عمليات ومحاولات الاغتيال لـ32 شخصًا في ريف درعا الغربي، بينما وصل عدد العمليات التي نُفذت في الريف الشرقي للمحافظة إلى 16 عملية، بينما لم يوثّق المكتب أي عملية في مدينة درعا، وفقًا للتقرير.

ولم تتوقف عمليات الاغتيال التي طالت مدنيين وعسكريين ومقاتلين سابقين في صفوف قوات النظام والمعارضة، منذ أن سيطرت قوات النظام مدعومة بسلاح الجو الروسي على المحافظة، في تموز من عام 2018، بموجب اتفاق “تسوية”.

وغالبًا تُنسب العمليات إلى “مجهولين”، في حين تتعدد القوى المسيطرة والتي تتصارع مصالحها على الأرض، ما بين إيران وروسيا والنظام وخلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”.


شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة