رجل في الأخبار.. المفتي أسامة الرفاعي في قضايا عسكرية شائكة

camera iconالشيخ أسامة الرفاعي، المفتي المنتخب من "المجلس الإسلامي السوري"(يوتيوب)

tag icon ع ع ع

أثارت قضية انتهاكات “فرقة السلطان سليمان شاه”(العمشات) التابعة لـ”الجيش الوطني السوري” شمالي سوريا، بقيادة محمد الجاسم، “أبو عمشة”، جدلًا واسعًا في أوساط السوريين، والفصائل المعارضة.

وظهر المفتي المنتخب من قبل “المجلس الإسلامي السوري”، الشيخ أسامة الرفاعي، في تسجيل صوتي تناقلته مواقع وصفحات في وسائل التواصل الاجتماعي، واطلعت عليه عنب بلدي، تحدث فيه عن تشكيل لجنة للتحقيق في الانتهاكات.

وجاء في التسجيل أن قائد “حركة ثائرون”، فهيم عيسى، وقائد “الفيلق الثالث” في “الجيش الوطني”، أبو أحمد نور، وقائد “فرقة السلطان سليمان شاه”(العمشات) ، محمد الجاسم “أبو عمشة”، هم من أشرفوا على تشكيل لجنة للتحقيق.

واتفقت هذه الأسماء الثلاثة على تشكيل لجنة للتحكيم وأخذ الإفادات وكلام الشهود، ودراسة الملف، بحسب كلام المفتي، وهذا ما أثار استياء الناس، على وجود “أبو عمشة” ضمن الأشخاص التي تحدد اللجنة.

ودعا الشيخ الرفاعي في التسجيل لعدم التحريض خلال عمل اللجنة، حقنًا للدماء، وأكد الشيخ الرفاعي إرساله دعوات لعدة أشخاص من الداخل السوري لإنهاء حملة التهديدات والتحريض، حتى انتهاء التحقيق وانتظار النتائج، للمساعدة في إنهاء المشاكل وتحقيق العدالة.

تواصلت عنب بلدي مع “المجلس الإسلامي السوري”، والذي أكد عدم إحالة أي أوراق للمفتي بخصوص القضية، وتحفظ عن الإجابة، أو التعليق عن أي سؤال، أو حتى موقف المفتي منها، حتى تتضح الأمور أكثر.

الاستقواء بالمفتي في قضية عسكرية

ظهور المفتي الرفاعي في قضية عسكرية، أثار التساؤلات والجدل حول هذا التدخل، وعن السبب، وطرح عدة أسئلة حول نزاهة القضاء أو عدم قدرة الجهاز القضائي على إيجاد حلول لهذه القضايا.

الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية، الدكتور عبد الرحمن الحاج، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن إحالة القضايا إلى المفتي في القانون السوري، تتم عادة كإجراء للمصادقة على تنفيذ حكم الإعدام، في حال جرائم القتل او التي تستوجب هذه الحكم.

ويرى الحاج أنه بخصوص ما يجري في قضية الانتهاكات الموجهة ضد “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات)، فإن الإحالة إلى المفتي يعني الاستقواء بالمفتي لإجبار “أبو عمشة” للخضوع لقرارات اللجنة التي تقوم بالمتابعة والتحقيق.

وأضاف الباحث، أن موضوع إحالة القضية إلى المفتي، لا يطرح تساؤلًا عن مسألة نزاهة القضاء، إنما يطرح مشكلة قوة الفصائل وحاملي السلاح وإخضاعهم للقضاء العادل.

فعادة لا يقوم القضاء في المناطق المحررة بالتعاطي مع القضايا لصالح الأقوى وحامل السلاح، بحسب الدكتور عبد الرحمن، لأنه لا يمكن تطبيق الحكم وتنفيذه، وفي حال إصدار القضاء حكمًا تجاه الفصائل، تعرقل هذه الفصائل القضاء اذا تعلق الأمر بها، تجنبًا للوقوع تحت المساءلة.

يرى الدكتور الحاج أنه من الأرجح أن القوة المعنوية للمفتي ستضعف قدرة الفصائل على العرقلة في القضايا الكبيرة، لكن من غير المتوقع زج المفتي في كل قضية تتعلق بالفصائل، والا فإن المفتي سيكون في مواجهة دائمة مع الفصائل، وهذا ما لا يمكن للمفتي اسامة الرفاعي ان يفعله.

ويعتقد الباحث بعدم وجود ضمانات لتنفيذ ما يقرره المفتي، فالمفتي في قضية “أبو عمشة”، سيلعب دور القاضي، ومن الصعب توقع أن لا ينفذ قراره إن صدر.

أشار الدكتور عبد الرحمن إلى أن المفتي سيتعامل مع الموضوع بحذر كبير، لكن ضغط الناس، والسمعة السيئة للغاية لـ”أبو عمشة” وممارساته، ستجبر المفتي على الأغلب أن يكون حاسمًا.

زيادة الحاضنة الشعبية

زيارات الشيخ الرفاعي عديدة إلى مناطق الشمال السوري، ويحظى بشعبية كبيرة في تلك المناطق، وكان زار مدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي، في 6 من آب الماضي، وافتتح أول مركز للمجلس في الشمال السوري.

أكد الباحث أن تردد الرفاعي إلى مناطق الشمال السوري سيزيد من أهميته ودوره، إذ إن المفتي يحظى باحترام شعبي واسع، وهذا سيتيح له الفرصة للعب دور إيجابي في الاستقرار واستتباب الأمن والتقليل من الفوضى.

وتابع الباحث أنه بمقدور الشيخ التأثير على الجميع كونه يتمتع بموقع ديني مرجعي ورمزي، وكونه يشكل مكان اتفاق معظم الناس في الشمال السوري عدا إدلب.

فالشيخ أسامة لن يشكل تهديدًا للقائد العام لـ”هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، فمن المرجح أن يحظى باحترام حتى في مناطق سيطرة “الهيئة”، التي تشمل محافظة إدلب وجزءًا من ريف حلب الغربي وجبال الساحل وسهل الغاب شمال غربي حماة، لكن لن يكون له تأثير، بحسب الباحث.

تدخّل غير مشروع قضائيًا

وبخصوص المسألة والقضية المطروحة في حالة طلب المفتي بمحاسبة الفصائل العسكرية، يرى القاضي السوري، رياض علي، أن الطلب ليس له أي مستند قانوني، لأن مسألة الادعاء بحق أي شخص يندرج تحت صلاحيات النيابة العامة.

ويضيف القاضي، أن طلب المفتي يمكن أن يكون بمثابة لفت انتباه للنيابة العامة في المنطقة التي وقعت فيها تلك الانتهاكات، بضرورة تحريك الدعوى العامة، وتحريك الدعوى العامة يعود في المحصلة لقرار النائب العام (النيابة العامة)، أما أن يقوم المفتي بهذا الدور فهذا يعتبر تدخلًا غير مشروع في أعمال السلطة القضائية.

والمحكمة الجزائية التي سيتم تقديم الطلب أو الادعاء إليها من قبل المفتي سترفض الادعاء، لعدم وجود الصفة والمصلحة في الطلب أو الادعاء، باعتقاد القاضي علي.

ويضيف القاضي، “يفترض أن لا يتدخل المفتي في أعمال القضاء”، لأن مهام المفتي أو دار الإفتاء هي إعطاء الرأي الشرعي في المسائل الشرعية فقط، وعادة ما تكون هذه المسائل الشرعية هي مسائل محل نقاش.

بالنسبة للمسائل الشرعية الواضحة، والتي يوجد فيها نص واضح وقطعي، فلا يمكن إبداء الرأي الاستشاري فيها، طبقا للقاعدة الشرعية والقانونية “لا اجتهاد في مورد النص”، أي أن المفتي يعطي رأيه في مسألة إشكالية، ويفتي فيما إذا كان القيام بفعل ما أو الامتناع عنه يكون حرامًا أو حلالًا أو مكروهاً، بحسب القاضي علي.

تدخّل مقبول

أوضح القاضي أن ادعاء المفتي يمكن أن يُقبل في حالة وحيدة فقط، وهي إن كان المفتي متضررًا بشكل مباشر من تلك الانتهاكات، كأن يكون الاعتداء قد وقع على شخصه أو ماله، وفي هذه الحالة سيقبل الادعاء ويتم تحريك الدعوى العامة ليس لأن المدعي هو المفتي، بل لأن المدعي متضرر بشكل مباشر من الانتهاك المدعى به.

وتوجد حالة وحيدة في القانون المصري توجب على محكمة الجنايات في حال الحكم على المتهم بالإعدام إحالة الأوراق إلى المفتي، لبيان رأيه فيما إذا كان الجرم يستحق إيقاع عقوبة الإعدام أم لا، أي بعد أن تحكم محكمة الجنايات بالإعدام، ورأيه في هذه الحالة ليس ملزما للمحكمة، بل هو فقط رأي استشاري لا أكثر، وإن كان له قيمة أدبية، خصوصًا إذا كان مستنداً على الأدلة الشرعية.

وتابع القاضي، أن المفتي لا يبدي رأيه في كل المسائل القانونية، بل فقط في حالة الحكم بالإعدام، كما أن رأيه ليس ملزمًا للمحكمة التي يحق لها الحكم بخلاف رأي المفتي، وهذه الحالة لا مثيل لها في القوانين السورية أصلًا.

ناصَر الشيخ الرفاعي الثورة السورية في خطابه منذ الأشهر الأولى لانطلاقتها عام 2011، وكان له دور بارز في احتضان المتظاهرين في مسجد عبد الكريم الرفاعي الذي كان يخطب فيه في حي كفرسوسة وسط العاصمة دمشق.

كما دعا الشيخ الرفاعي في العديد من الخطابات، إلى توحيد الصف العسكري، وتوحيد الكلمة، وخلق التآلف بين الفصائل، وتوحيد كلمة السوريين عمومًا، وتكررت دعوته سواء كان خطيبًا أو رئيسًا لـ”رابطة علماء الشام”، أو رئيسًا لـ”المجلس الإسلامي السوري” أو عندما أصبح مفتيًا.

وفي 15 من تشرين الثاني الماضي، أعلن “المجلس الإسلامي السوري” انتخاب الشيخ أسامة الرفاعي بالإجماع مفتيًا عامًا لسوريا، على خلفية إلغاء النظام السوري منصب المفتي العام في مناطق سيطرته.

وفي بيان مصوّر أصدره المجلس حينها، أكد المتحدث باسم “المجلس الإسلامي”، مطيع البطين، أن النظام السوري تآمر على منصب المفتي وجعله تعيينًا بعدما كان انتخابًا من قبل كبار العلماء، مضيفًا أن حلقات التآمر على المنصب استمرت حتى إلغائه بشكل كلّي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة