الحراك قبل الثورة السورية.. المدني و”التبعيث”

tag icon ع ع ع

عادة ما يُنظر إلى الحوكمة والمجتمع المدني على أنهما يُشكّلان ثنائيًا يدعمان بعضهما، ولأن فعاليات المجتمع المدني هي فعاليات مشروعة، تحرص الحكومات على تزويد تلك النشاطات بإطار العمل القانوني من أجل تنظميها بقواعد إجرائية تشكّل لها البيئة المناسبة.

والمفترض أن تعوّل الحكومات على المجتمع المدني من أجل تعبئة المواهب والثقافة الضرورية بين الناس، وتعزيز حس المبادرة والقدرات والمسؤولية داخل الدولة ومؤسساتها، وبالتالي، تحمي الحكومة المجتمع المدني كي تتولد المنظمات والفعاليات والمجموعات التي تسهم في التنمية الاجتماعية، ما يعزز نوعية الحوكمة.

يرصد كتاب “أصوات سورية من زمن ما قبل الثورة” الحراك المدني السوري، وتاريخه، وآثاره، والدور الذي لعبته عدة جمعيات ومنتديات في المشهد الاجتماعي والسياسي الذي عرفته سوريا قبل ثورة 2011.

صدر هذا الكتاب عام 2013، شاركت في تأليفه مجموعة من المثقفين والباحثين السوريين، مثل سلام الكواكبي وبسمة قضماني ووائل سواح وحسان عباس ونوال اليازجي.

في مقدمة الكتاب (180 صفحة)، أشار الباحثان سلام كواكبي وبسمة قضماني إلى أن عملية إعادة إعمار سوريا وبناء المجتمع، أيًا كان السيناريو السياسي، سوف تكون على أكتاف الأفراد الأكثر براعة وخبرة والتزامًا، والذين دخلوا سجل الالتزام المدني والعمل التنموي.

وفي الفصل الأول من الكتاب، استعرض الباحث وائل سواح ظهور وتطور المجتمع المدني في سوريا، وتاريخ الحراك المدني منذ الانقلاب الذي قاده حزب “البعث” عام 1963، واختزال المثقف السوري بمثقفي الحزب فقط، خصوصًا بعد إلغاء الصحف وحلّ الأحزاب السياسية، وبعد أن صارت الدولة في سوريا مقتصرة على حزب واحد ذُكر بالفصل الثامن من الدستور الدائم الذي أُقرّ عام 1973، ونص على أن حزب “البعث العربي الاشتراكي” هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع.

خلال حكم حافظ الأسد لسوريا، حُوّلت كبرى المنظمات الحرفية والنقابات من دورها كجهة مدافعة عن حقوق الفئة التي تمثّلها، إلى دور دعائي ورقابي معطل، كما فُقدت الممارسات الديمقراطية والشفافية داخلها، ما جعلها تلعب دورًا سلبيًا ومقاومًا للتغيير.

يتحدث الباحث حسان عباس، في متن هذا الكتاب، عن أن السلطة في سوريا أنتجت ما أُطلق عليه ظاهرة “التبعيث”، في إطار ترسيخ هيمنة حزب “البعث”، أي أنه لا سبيل في نفس الوقت إلى أهمية الفعل الثقافي، الذي كان له دور في تغيير علاقات الهيمنة التي أوجدتها سياسة الحزب الواحد، وفي خلق مجتمع جديد مسؤول يعتمد على نفسه، ويحترم التعددية، ويتحرر من ثقافة الخوف.

بعد أن “مات الدكتاتور” عام 2000، كما قالها السياسي السوري المعارض رياض الترك عبر قناة “الجزيرة”، التي كلّفته عودته إلى السجن بعد سنوات من الاعتقال، سارع بشار الأسد إلى الإشارة بأن تغيير رأس النظام لا يعني تغيير النظام، فبعد مضي أقل من ثلاثة أشهر على تسلّمه سدة الرئاسة، بادر إلى إغلاق منتديات المجتمع المدني، واعتقال أبرز أعضائها. ومنذ ذلك، اتخذ النظام السوري طيفًا واسعًا من التدابير من أجل كمّ الأفواه، وشلّ المؤسسات في المجتمع، وخضعت جميع نشاطات المجتمع، لا سيما نشاطات المنظمات غير الحكومية، للرقابة المباشرة والدائمة.

اتسم العقد الأول من رئاسة الأسد الابن بحكم مجموعة ضيقة من المقربين للسلطة، اهتمت في التحكم بالثروة الوطنية وبناء شراكات مع طبقة رجال الأعمال في دمشق وحلب، من أجل خدمة مصالح النظام.

نتجت عن هذه الحالة محاولة المجتمع العناية بالنفس، فنشأت المؤسسات الخيرية لتعزيز روابط التضامن القوية داخل المجتمع، وتعويض فشل نظام الحكم في العناية بتنمية الدولة.

كما تطرقت فصول الكتاب إلى فترة “ربيع دمشق”، وكيف قاومت السلطة أي محاولة جدّية من قبل المجتمع المدني بانتقاد سياستها.

اهتمت الباحثة نوال اليازجي، عبر الكتاب، بموضوع المجتمع المدني وقضايا الجندر، وذكرت اليازجي أن الحركة النسائية في سوريا لها بعد اجتماعي نهضوي وتحرري، وأنّ هناك بواكير تجمعات نسوية واعية بمتطلبات حركة التقدم الاجتماعي.

ووضحت اليازجي كيف برزت بين 2000 و2004 عدة منتديات، ومنها منتدى المحامية حنان نجمة وابتسام الصمادي وجورجيت عطية ومنتدى الأتاسي، وكلها تعاملت مع المرأة كجزء من عملية التغيير الديمقراطي، وعملت على إدماج المرأة في التنمية الشاملة، وتغيير الصورة النمطية لأدوار النساء في المناهج التربوية والعنف الجندري ضد النساء.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة