tag icon ع ع ع

حسام المحمود | زينب مصري | جنى العيسى

تحت وطأة القصف، هُجّر ملايين السوريين من منازلهم ومناطقهم إلى حيث لا تطالهم حمم القذائف، مشتتين على مخيمات أُقيمت على عجل في الشمال السوري ولبنان والأردن، ضمن مناطق غير مؤهلة أصلًا للسكن، لعوامل عديدة تبدأ بطبيعة الأرض التي نُصبت فوقها خيام النازحين، ولا تنتهي بغياب أساسيات الحياة، من شبكة مياه وكهرباء وحياة اقتصادية تمنحهم قوت يومهم.

هذه الظروف وضعت النازحين واللاجئين في قفص المساعدات الإنسانية التي تبنّتها الأمم المتحدة أولًا، ثم ظهرت منظمات وفرق محلية حقّقت حضورها في العمل الإنساني عبر جمع تبرعات لإقامة مشاريع إسعافية تعالج واقع مخيمات النازحين واللاجئين السوريين المقيمين في المخيمات.

وتعالج عنب بلدي مع مجموعة من الباحثين والمحللين والخبراء مسألة التبرعات الإغاثية ومدى وصولها إلى مستحقيها فعلًا، ومدى تأثيرها السياسي داخليًا، ومدى الثقة بالمنظمات الإنسانية.

كما يناقش الملف حالة التشكيك بالمساعدات الإنسانية، وعدم الثقة بالمنظمات الإنسانية، والتوجه لفئات مستفيدين محددة من “العطايا” الإغاثية.

الحملات متواصلة.. المعاناة أيضًا

مع تفاقم المعاناة الإنسانية للنازحين، زمنيًا وماديًا، طفت على السطح جمعيات ومنظمات محلية مهتمة بالعمل الإنساني، إلى جانب استخدام بعض المؤثرين منابرهم لهذا الغرض، وتجلى ذلك بوضوح منذ العاصفة الثلجية الأخيرة التي عاشها النازحون في كانون الأول 2021.

وأبرز حملات التبرعات التي أُطلقت باسم النازحين واللاجئين، حملة “اليوتيوبر” ولاعب الفيديو الكويتي حسن سليمان، المعروف بـ”أبو فلة”.

وضمن حملة “أجمل شتاء في العالم” التي استمرت لمدة 12 يومًا، جمع “أبو فلة” أكثر من 11 مليون دولار أمريكي، في الفترة الممتدة بين 7 و18 من كانون الثاني الماضي، في سبيل مساعدة أكثر من 100 ألف عائلة لاجئة، بما يقارب نحو 300 ألف شخص، يعانون ظروفًا صعبة في الشتاء، كما ستوفّر الحملة المواد ومستلزمات التدفئة، وفق ما قاله “أبو فلة” حين أطلق الحملة بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، و”مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية”، و”الشبكة الإقليمية لبنوك الطعام”.

ولاقت حملة “أبو فلة” ترحيبًا من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي لاعتبارات عديدة، أبرزها الحاجة الملحة للنازحين، وتجربة سابقة لـ”اليوتيوبر” الكويتي لدعم اللاجئين في الشرق الأوسط خلال فصل الشتاء، من خلال جمع مليون دولار، بحملة أطلقها في تشرين الأول 2021.

حملة “أبو فلة” سبقتها، في كانون الأول 2021، حملة “خيمتي”، التي أطلقها مغني “الراب” السوري إسماعيل تمر، ودعمها الممثل السوري قصي خولي، بغرض جمع 100 ألف دولار، لتأمين المازوت والمدافئ وتغيير شوادر لخيام الناحين السوريين في لبنان.

وفي 28 من كانون الثاني الماضي، جمع فريق “ملهم التطوعي” مبلغ مليوني دولار، بعد خمسة أيام على إطلاق حملة متواصلة تحت اسم “حتى آخر خيمة”.

واستقطبت الحملة العديد من المؤثرين السوريين، مثل محمد راتب النابلسي، وعمر الشغري، إلى جانب ممثلين معارضين، مثل مكسيم خليل، وسوسن أرشيد، وجهاد عبدو، الذين دعوا متابعيهم إلى المشاركة في الحملة، في سبيل إنهاء معاناة مئات العائلات بالشمال السوري.

هذه الحملات فتحت الباب واسعًا أمام حملات مماثلة خرج العديد منها من الأراضي الفلسطينية المحتلة “داخل الخط الأخضر”، إذ اختتمت جمعية “القلوب الرحيمة” حملة “دفء القلوب الرحيمة”، بعد جمعها عشرة ملايين دولار أمريكي، كتبرعات للاجئين السوريين، وفق ما ذكرته الجمعية عبر موقعها الإلكتروني، في 4 من شباط الحالي.

سكان المخيمات يزيلون الثلوج المتراكمة فوق خيامهم جراء كثافة الهطولات في مخيم الشيخ بلال بمنطقة راجو التابعة لمدينة عفرين شمالي حلب – 20 كانون الثاني 2022 (عنب بلدي / مالك الهبل)

ولم تُحدّد القيمة الإجمالية للتبرعات المجموعة للاجئين السوريين، بسبب تعدد الحملات والجهات التي تطلقها. ففي قرية صور باهر، جنوبي القدس المحتلة، أطلق الفلسطينيون حملة “إنسان”، التي جمعت نحو 315 ألف دولار، إلى جانب كميات من الذهب.

وجمعت حملة “فاعل خير”، التي أشرفت عليها جمعية “الإغاثة 48″، في الداخل الفلسطيني المحتل، 328 ألف دولار، إلى جانب مليون دولار جمعتها حملة “بيت بدل خيمة”، التي أطلقها الشاب الفلسطيني إبراهيم خليل، في كانون الثاني الماضي.

كما أطلق “اليوتيوبر” والناشط المقدسي صالح زغاري، حملة “عطاؤك دفؤهم”، في كانون الأول 2021، وحققت غرضها بتأمين 350 ألف دولار، لدعم اللاجئين على الحدود السورية- التركية، وفي لبنان، وقطاع غزة، وفق ما قاله زغاري في حديث إلى عنب بلدي.

وخلال كانون الثاني الماضي، شهد الشمال السوري هطولات ثلجية كثيفة سببت كثافتها تهاوي أكثر من 467 خيمة بشكل كامل، وتسرّب المياه إلى 411 خيمة، إلى جانب أضرار جزئية لحقت بـ982 خيمة أخرى.

وتوزعت تلك الأضرار على أكثر من 176 مخيمًا، وفق ما ذكره بيان صادر عن فريق “منسقو استجابة سوريا”، في 24 من كانون الثاني الماضي.

وخلال إحاطة قدمها للصحفيين، في 24 من كانون الثاني الماضي، وصف نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، مارك كاتس، الأوضاع الإنسانية في مخيمات الشمال السوري بـ”المروّعة”، موضحًا أن ربع مليون شخص يعيشون في الخيام تضرروا، نتيجة برودة الطقس الشديدة وتراكم الثلوج.

حديث كارتس تزامن مع تقرير “منسقو استجابة سوريا”، الذي لفت إلى انتهاء العمر الافتراضي لأكثر من 90% من مخيمات الشمال السوري، ما يزيد حجم الكوارث والأضرار الناجمة عن العوامل الطبيعية في المنطقة، إضافة إلى ارتفاع سقف المخاطر بسبب الإقامة ضمن خيام بهذه الحالة.

التبرعات بوابة انقسام؟

مع قسوة الظروف المناخية واشتداد العاصفة الثلجية التي ضربت الشمال السوري، خرجت حملات متزامنة لتلبية الاحتياجات العاجلة التي ولّدتها حالة الطقس.

ومن الشمال إلى مناطق سيطرة النظام، تحول جمع التبرعات والحديث عنها إلى أولوية تسقط الاعتبارات السياسية، طالما أن الحملات لا تستهدف أفكار الناس قبل خيامهم المتهالكة.

الباحث الاجتماعي سلطان جلبي استبعد، في حديث إلى عنب بلدي، وجود حالة انقسام في آلية جمع التبرعات لمصلحة مختلف مخيمات اللاجئين والنازحين السوريين، مع الإشارة إلى مشاركة فنانين قريبين من تيار النظام في دعم حملة فريق “ملهم” ودعوة الناس إلى التبرع لمصلحتها، بمستوى إنساني غير مسيّس.

ويرى جلبي أن المقارنة بين حملة فريق “ملهم” والحملة التي انطلقت في لبنان من قبل مغني “راب” سوري ربما لا تكون محقة، لاختلاف شاسع في حجم الحملتين أصلًا.

وأشار الباحث الاجتماعي إلى دور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، في التوصل إلى تفاهمات مع مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وإطلاق حملات من خلالهم.

ووحّدت حملة فريق “ملهم” المتواصلة آراء فنانين سوريين ومؤثرين، ذوي اتجاهات سياسية مختلفة ومتضاربة، إذا دعا فنانون غير معارضين إلى دعم حملة فريق “ملهم”، ومنهم مغني “الراب” إسماعيل تمر، الذي عبّر بفيديو مصوّر عن ثقته بفريق “ملهم”، ودعا متابعيه إلى نشر الحملة، في سبيل تعجيل الاستجابة لمعاناة النازحين في مخيمات الشمال السوري المتضررة.

الباحث الاجتماعي طلال مصطفى يرى أن جمع التبرعات لمصلحة السوريين في المخيمات مسألة إيجابية، بصرف النظر عن مكان المخيم، أو مصدر التبرعات.

وأوضح مصطفى لعنب بلدي أن قيادة فنانين أو مؤثرين لحملة تبرعات أمر طبيعي، كونهم ذوي مكانة وصورة اجتماعية، كما لفت إلى عدم قدرة الفنانين ضمن مناطق سيطرة النظام على تقديم المساعدة بشكل واضح للسوريين الموجودين ضمن مخيمات الشمال، ما يعني أن المتاح أمنيًا لهم هو المخيمات ضمن الأراضي اللبنانية، كونها بشكل أو بآخر تحت الوصاية الأمنية السورية، وفق الباحث.

ومن الطبيعي، برأي مصطفى، أن يجري جمع تبرعات لمصلحة المخيمات بأي مكان، طالما أن كثيرًا من المساعدات التي تدخل عبر تركيا تستهدف نازحي الشمال السوري.

والأولوية لانتقال الناس من الخيام إلى منازل، وإيصال التبرعات للمستحقين، بمعزل عن التشكيك بمدى وجود خلفيات سياسية للتبرعات أو آلية جمعها والجهات التي تتولى عمليات من هذا النوع، بحسب الباحث.

ودعا مصطفى لتوجيه الأنظار نحو الجانب الإنساني لهذه التبرعات وجدواها، مبينًا أن تأخر تلك الحملات قياسًا بعمر المأساة الإنسانية في سوريا، ربما يكون مرتبطًا بتعويل الناس على انتهاء الأزمة الإنسانية خلال فترة قصيرة، إلى جانب الدور الأممي في المسألة.

سكان المخيمات يزيلون الثلوج المتراكمة فوق خيامهم جراء كثافة الهطولات في مخيم الشيخ بلال بمنطقة راجو التابعة لمدينة عفرين شمالي حلب – 20 كانون الثاني 2022 (عنب بلدي / مالك الهبل)

هل تصل المساعدات إلى مستحقيها؟

لطالما رافق حملات الإغاثة والتبرعات التي تجريها منظمات وجمعيات سواء عالمية أو محلية تشكيك بوصول المساعدات إلى مستحقيها من اللاجئين والنازحين السوريين، واتهامات باختلاس إدارات هذه المنظمات الأموال تحت مسمى “مصاريف إدارية أو تشغيلية”.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، تصدّرت هذه الانتقادات مواقع التواصل الاجتماعي إثر إطلاق “اليوتيوبر” “أبو فلة” حملة “أجمل شتاء في العالم”، إذ رافقت انتقادات رواد مواقع التواصل الاجتماعي الحملة، مع اتهامات بعدم وصول تبرعات الحملة الأولى التي أطلقها “أبو فلة” بالتعاون مع المفوضية في تشرين الأول 2021، تحت مسمى “دفي قلوبهم”، وانتهت بجمع مليون دولار لدعم اللاجئين في الشرق الأوسط خلال فصل الشتاء.

كما أثار منشور للمفوضية يتحدث عن قرارها توزيع نصف التبرعات التي جُمعت من الحملة الأخيرة، حفيظة المتابعين، حتى أوضحت المفوضية في مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي أن أموال التبرعات كاملة ستذهب لدعم العائلات المحتاجة.

يأتي هذا في ظل تغطية إعلامية مكثفة مؤخرًا، بشأن تعامل وكالات الأمم المتحدة مع شركات ومنظمات تابعة للنظام، ومتهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا، ومحاولات النظام إغلاق معبر “باب الهوى” الذي تديره المعارضة في الشمال، وحصر إدخال الدعم الأممي “عبر الخطوط”، أي إيصاله إلى مناطق سيطرة المعارضة عبر الأراضي الخاضعة لنفوذ النظام.

وللوقوف على مقدار المبالغ التي تخصمها وكالات الأمم المتحدة من حملات التبرعات التي تطلقها سواء بالتعامل مع مؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلالها مواقعها الرسمية، للمصاريف الإدارية والتشغيلية، وآلية إيصال التبرعات إلى مستحقيها من السوريين، تواصلت عنب بلدي مع المركز الإعلامي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين عبر مراسلة إلكترونية لكنها لم تلقَ ردًا حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

“ملهم التطوعي” نموذج محلي

بُعيد إطلاق “أبو فلة” حملتي جمع التبرعات للاجئين في الشرق الأوسط بالتعاون مع الأمم المتحدة، ومع تصاعد الحديث عن حاجة النازحين في الشمال السوري إلى شقق سكنية تؤويهم بعد الهطولات الثلجية التي شهدتها المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية، أطلق فريق “ملهم التطوعي” حملة لجمع تبرعات لنقل عائلات من خيمهم إلى منازل، كأحد الحلول المستدامة لإنهاء معاناتهم.

حملة “حتى آخر خيمة” التي أطلقها الفريق أعادت النقاش والتعليقات حول استفادة السوريين منها، وأسس اختيار المستحقين للتبرعات، خاصة بعدما أعلن الفريق أن الحملة تهدف إلى بناء منازل جديدة، بينما أظهرت مقاطع مصوّرة أن الفريق ينقل عائلات إلى شقق مبنية مسبقًا.

كما أثارت الحملة تساؤلات حول عمل الفريق تحت شعار “فريق تطوعي”، واقتطاعه مبالغ للمصاريف الإدارية والتشغيلية من التبرعات الواردة إليه.

التطوع لا يعني المجانية

المدير التنفيذي لفريق “ملهم”، عاطف نعنوع، أوضح لعنب بلدي أن الفريق يقتطع 3% من التبرعات لتغطية المصاريف الإدارية لعام 2021، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 4% أو 5% في 2022.

وقال نعنوع، إن الفريق يحمل اسم “التطوعي” لأنه أُسّس كذلك واستمر نحو ثلاث سنوات حتى حصل على الترخيص، ويضم حاليًا 100 موظف وأكثر من 300 متطوع، لذلك صفة “التطوع” هي الغالبة.

وأضاف أن حاجة إلى توظيف عدد من الأشخاص المتفرغين بشكل كامل ظهرت بعد الحصول على ترخيص، ولذلك بدأ الفريق يصرف رواتب لهم، وأعلن عن ذلك لكل المتبرعين على صفحات التواصل الاجتماعي.

واعتبر نعنوع أن هذا الاقتطاع أمر “شرعي”، ولا ينفي صفة التطوع، مشيرًا إلى أن “الهلال الأحمر” أو “الدفاع المدني” في كل دول العالم يضمان متطوعين، لذلك فإن صفة “متطوع” ليست شرطًا لكي يكون العمل غير مأجور.

ويعتمد الفريق على أي نماذج عملية من فرق الإغاثة في إيصال المساعدات، كما يعتمد النموذج المعياري (أي العادي)، وهو أن يجمع التبرعات ويوصلها بنفسه بشكل مباشر للمستفيدين دون أي وسيط، وبالتالي المستفيد يعرف بالضبط التبرعات التي جمعها الفريق من أجله.

وفي إجابة عن الأسئلة المتكررة حول ضمان وصول التبرعات إلى مستحقيها، يبيّن الفريق عبر موقعه الرسمي، أنه منظمة مرخصة في عدة دول هي: تركيا وألمانيا والسويد والأردن وكندا، ويخضع لمراقبة السلطات المختصة في هذه الدول.

كما يبيّن أن موقع الفريق يعرض جميع التبرعات الواردة والمصروفة في “ملف الشفافية”، ويعرض أخبار الحالات والحملات والبرامج الأخرى التي تم العمل عليها من خلال صفحة “آخر الأخبار” على الموقع الإلكتروني، بالإضافة إلى عرض مواد إعلامية عن أعمال الفريق على الأرض من خلال حسابات مواقع التواصل الاجتماعي بشكل دوري.

ويظهر “ملف الشفافية” على الموقع الإلكتروني أن مجموع التبرعات الواردة 40 مليونًا و465 ألفًا و758 دولارًا أمريكيًا، بينما يبلغ مجموع التبرعات المصروفة 34 مليونًا و76 ألفًا و248 دولارًا.

وسبب الفرق بين المبلغ المقبوض والمصروف هو المبالغ المخصصة للأيتام المكفولين لمدة سنة، ومبالغ المشاريع التعليمية، ومبالغ الحملات الجارية التي لا تزال قيد التنفيذ، بحسب الموقع.

سكان المخيمات يزيلون الثلوج المتراكمة فوق خيامهم جراء كثافة الهطولات في مخيم الشيخ بلال بمنطقة راجو التابعة لمدينة عفرين شمالي حلب – 20 كانون الثاني 2022 (عنب بلدي / مالك الهبل)

اختيار المستفيدين

يوضح الفريق عبر موقعه آلية اختيار المستفيدين من الحالات الطبية والإنسانية والمستفيدين من حملات الاستجابة، كما يؤكد أنه يمكن لأي شخص تبرع لأي حالة طبية أو إنسانية على الموقع طلب التواصل المباشر معها.

ويستقبل قسم الحالات الطبية طلبات المساعدة الطبية بشكل شهري وذلك في مناطق عمل الفريق، وفي حال الموافقة المبدئية عليها، تجري زيارتها من قبل المتطوع الميداني، وبعد ذلك تحال إلى اللجنة الطبية التي بدورها تقيّم الحالة بناء على عدة معايير.

ومن ضمن المعايير، نوع الحالة الطبية وتوفر العلاج في المنطقة ونسبة نجاحه وتكلفة المساعدة المطلوبة، وفي حال تمت الموافقة على الحالة، يُفتح صندوق خاص بها على الموقع، وتُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي لتأمينها ومن ثم ترتيب إجراءات المساعدة من حجز موعد عملية أو شراء دواء أو غيرها.

ويستقبل قسم الحالات الإنسانية طلبات المساعدة الإنسانية بشكل شهري وذلك في مناطق عمل الفريق، وفي حال الموافقة المبدئية عليها، تتم زيارتها من قبل المتطوع الميداني، ثم تقييمها بناء على شدة الحاجة مع إعطاء الأولوية للنازحين حديثًا وللحالات التي ليس لديها معيل.

وفي حال تمت الموافقة على الحالة، يُفتح صندوق خاص بها على الموقع، وتُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي لتأمينها ومن ثم ترتيب إجراءات المساعدة من دفع إيجار أو شراء احتياجات أو تسليم مبلغ مالي.

وأما حملات الاستجابة، فتنظم الفرق الميدانية جولات مسح احتياجات في المخيمات والتجمعات المحتاجة بناء على طلب إدارة المخيم أو المجلس المحلي أو أي طرف ثالث، فيجري وضع تقييم للمخيم أو التجمع، واحتياجات العائلات وأعداد المستفيدين، ورفع تقرير لمسؤول الحملات الذي يقوم بدوره بمباشرة إجراءات التنفيذ.

لماذا التشكيك؟

لا يُعد ميل الشعب السوري إلى عدم الثقة في المساعدات الإنسانية عرضيًا، بالنظر إلى الطرق التي استخدم بها النظام السوري أموال ومنظمات ووكالات المساعدات، في الماضي والحاضر، لخدمة مصالحه السياسية وخططه، بحسب الباحثة في المجال الإنساني والمهتمة بعمل المنظمات الإنسانية في سوريا آشلي جوردان.

واعتبرت جوردان في حديث إلى عنب بلدي، أن هناك حالة قلة ثقة بين السوريين، وهو أمر طبيعي يصعب التغلب عليه، أو استعادة الثقة دون حل هذه المشكلة بشكل مباشر، التي تظل على مستوى قيادة الأمم المتحدة والوكالات.

وقالت الباحثة، إن هناك خللًا داخل النظام الإنساني نفسه يجعل من الصعب على الأشخاص المتضررين الشعور بالكرامة عند تلقي المساعدة، لأنها لا تحسّن وضعهم على المدى الطويل.

وبعد كل هذا الاستثمار، فإن الاحتياجات في سوريا تزداد أكثر فأكثر بمرور الوقت، وبشكل عام، قد ينظر السكان المتضررون إلى المساعدة بشكل سلبي كما لو كانت نشاطًا تجاريًا، وليست مؤسسة تركز على مساعدة الأشخاص حقًا.

وذلك لأن عقلية الأعمال تهيمن على النظام الإنساني نفسه، فعلى سبيل المثال، هناك تركيز على الكم دون الكيف، والمنافسة بين الوكالات والمنظمات بدلًا من التعاون.

وأضافت الباحثة أن العديد من السوريين ينظرون إلى العمل الإنساني على أنه وسيلة لدفع الفواتير، وليس دعوة أعمق تؤثر على التغيير.

ومن أسباب فقدان الثقة، بحسب جوردان، عدم استثمار الجهات الفاعلة الدولية جهودها في بناء الثقة المحلية.

وفي سياق الشمال السوري، تأثر بناء الثقة سلبًا بسبب القيود الشديدة على الأرض، فدون وصول مباشر، لن يكون المانحون والمنظمات غير الحكومية الدولية على استعداد لتحمل المخاطر، ما يعرقل بناء الثقة مع شركائهم السوريين المحليين.

سكان المخيمات يزيلون الثلوج المتراكمة فوق خيامهم جراء كثافة الهطولات في مخيم الشيخ بلال بمنطقة راجو التابعة لمدينة عفرين شمالي حلب – 20 كانون الثاني 2022 (عنب بلدي / مالك الهبل)

فقدان الثقة بالمانحين الدوليين

في الاتجاه المعاكس، تواجه منظمات المجتمع المدني السورية والمجتمعات السورية المتضررة صعوبة في الوثوق بالمانحين والمنظمات الدولية غير الحكومية، بسبب أجندات المانحين وديناميكيات القوة غير المتكافئة من أعلى المستويات إلى أدناها.

تتدفق القوة من أعلى إلى أسفل وليس من أسفل إلى أعلى، وبالتالي فإن الجهات الفاعلة الخارجية هي في أغلب الأحيان من تحدد أولويات نوع المساعدة التي يجري توزيعها، وأين، ولمن، ولماذا، مع الحد الأدنى من التشاور مع السكان المتضررين في سوريا مسبقًا، وفقًا للباحثة.

ونتيجة لذلك، غالبًا ما تكون أولويات المساعدة مبسطة أو لا تمثل المصالح المتنوعة للشعب السوري والمجتمع المدني السوري، فكيف يثق بها الشعب السوري؟ قد تصبح منظمات المجتمع المدني السورية معتمدة على تمويل المانحين، وبالتالي تشعر بأنها مقيّدة بما يمكنها فعله بالموارد القليلة التي تمتلكها.

على جميع المستويات، هناك نقص في المشاركة المحلية وجهود المساءلة، وليست هناك مساحة كافية للمناصرة بين السكان المحليين.

لذلك، فإن منظمات المجتمع المدني السورية مقيّدة بما يمكنها فعله، وقد يُنظر إليها على أنها مزود خدمات ينفّذ طلبات المانحين بدلًا من الجهات الفاعلة المستقلة والمسؤولة محليًا في حد ذاتها، والتي تسعى جاهدة لتحقيقها.

هل يمكن إعادة الثقة بالمنظمات الإنسانية؟

تشغل آلية توزيع المساعدات وضمان وصولها إلى مستحقيها الكثير من المهتمين بتغطية الاحتياجات الإنسانية في سوريا، بدءًا من المحتاجين لهذه المساعدات مرورًا بعدد من المنظمات الإنسانية العاملة على الأرض، وليس انتهاء بالناشطين أو الباحثين أو وسائل الإعلام التي تعمل على تسليط الضوء على ضرورة الشفافية المُطلَقة في هذا الملف.

وفي ظل التشكيك المستمر الذي يواجه عمل المنظمات الإنسانية، وصعوبة الوثوق بها من قبل الناس أولًا، تبدو جهود المساءلة التي تمارَس عليها “غير كافية” لضمان إعادة الثقة بعملها، بحسب ما يراه باحثون، بينما تكاد تغيب جهود الجهات الدولية الفاعلة التي قد تحقق الدعم الكافي لمجال عملها لضمان ثقة الناس به.

تمكين ودعم دولي

وفي محاولة للبحث عن حلول أو توصيات تدعم عمل المنظمات في ملف الشفافية تجاه الناس المستفيدين بهدف إعادة جزء من ثقتهم بها، قالت الباحثة في المجال الإنساني والمهتمة بعمل المنظمات الإنسانية في سوريا آشلي جوردان، إن أهم ما قد يعيد تلك الثقة، إدراك المنظمات ما تملكه من قوة وفاعلية اليوم في الملف السوري.

وأوضحت جوردان، في حديثها إلى عنب بلدي، أن حقيقة إمكانية وصول المنظمات إلى الناس، ومعرفتها وقربها من قضايا الناس وتعاطفها العميق مع معاناتهم، جزء من الحل لا غنى عنه.

وأضافت أنه يجب على الجهات الدولية الفاعلة في مجال المساعدات الإنسانية، إدراك أن المنظمات السورية العاملة اليوم تتمتع بالكفاءة والقيمة لأكثر من مجرد الوصول الذي توفره، إذ أثبتت بعض المنظمات أنها قادرة على قيادة الاستجابة الإنسانية في سوريا منذ اليوم الأول لبدء الثورة، رغم عملها دون موارد وهيكل داعم وفي ظل صعوبات واجهتها بدت مستعصية على الحل، منها تحملها الانتهاكات الإنسانية التي كانت تمارَس بحقها.

ومن المهم أيضًا، بحسب الباحثة، إدراك حقيقة أن الجهات الفاعلة الإنسانية التقليدية ومنظمات المجتمع المدني يكملان بعضهما بشكل جيد، ولكن هذا قد يحدث الفرق فقط إذا ظل التركيز على التعاون والاحترام المتبادل لنقاط القوة لكل منهما لدى الآخر.

تعزيز لخدمة السوريين أنفسهم

الباحثة في المجال الإنساني والمهتمة بعمل المنظمات الإنسانية في سوريا آشلي جوردان، نبّهت أيضًا إلى أن حل مشكلة تشكيك الأهالي المستفيدين بشكل مباشر من المساعدات الإنسانية في مدى وصولها فعلًا إليهم، يحتاج إلى تكاتف الجهود المختلفة لتغيير هذه النظرة لدى الناس.

وتتمثل تلك الجهود، بحسب حديث جوردان، بضرورة شعور الناس بأن المنظمات الإنسانية موجودة فعلًا لمساعدتهم، وليس لخدمة مصالح خارجية ما أو لدعم أجندة المانحين، عبر تعزيز الجهود المحلية من خلال الاستثمار المستمر في آليات المساءلة، وبناء الثقة، والشراكات، والقدرات.

كما يجب على الشركاء الدوليين النظر إلى ما هو أبعد من حقيقة أن المنظمات الإنسانية السورية قد تفتقر إلى القدرة التنظيمية، وأن يدركوا حاجتهم إلى بناء القدرات الثقافية التي تمكّن وتدعم مشاركة وحوارًا أعمق مع المجتمعات السورية (الأهالي) قبل وفي أثناء وبعد تنفيذ المشروع، إذ يمكن لعدد من المنظمات غير الحكومية الدولية مثلًا تعيين موظفين سوريين متخصصين، يتمثل دورهم الرئيس بإخبار الناس بالمعايير العامة للاحتياجات التي يعملون على تغطيتها، والقيام بجلسات توعية حوارية منتظمة بين المستفيدين ومنظمات المجتمع المدني العاملة على الأرض.

ولبناء المساءلة المحلية، يجب على الشركاء الدوليين التركيز على إنشاء آليات تسمح لشركائهم السوريين بالتحدث عن مخاوفهم التي ترافقهم في مجال العمل الإنساني، دون الخوف من اللوم أو فقدانهم للتمويل، وبدورها، يجب ألا تخجل المنظمات السورية من إبلاغ شركائها عن حالة انعدام ثقة الناس فيها، وتحقيق ضغط أكبر للحصول على المزيد من الاستقلالية في عملها.

سكان المخيمات يزيلون الثلوج المتراكمة فوق خيامهم جراء كثافة الهطولات في مخيم الشيخ بلال بمنطقة راجو التابعة لمدينة عفرين شمالي حلب – 20 كانون الثاني 2022 (عنب بلدي / مالك الهبل)

“الأحق” ليس صاحب السلطة

وحول المساعدات الأممية التي ترعاها الأمم المتحدة، ترى الباحثة آشلي جوردان أن على الوكالات الأممية إدراك التنوع الموجود لدى المنظمات الإنسانية العاملة في سوريا، خاصة “الشعبية” منها.

وانطلاقًا من ذلك، يجب أن تعمل تلك الوكالات على ضمان مشاركة المنظمات “المتنوعة” في المؤتمرات العالمية ومجموعات العمل التي تقوم بها، فضلًا عن حصرها التعامل مع منظمات محددة كتلك التي تتمتع بأكبر قدر من السلطة، بحسب الباحثة.

وقد ينظر السوريون إلى تعامل الأمم المتحدة مع المنظمات المتمتعة بالسلطة على أنها “غير شرعية”، في حين قد تخلق مشاركة المنظمات “المتنوعة” شعورًا لدى الناس بأن هذه المشاركة “قيّمة” وذات فائدة أكبر عليهم.

التعاون بين المنظمات

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على بدء الثورة السورية، تضاعفت الاحتياجات الإنسانية للمقيمين في سوريا، على اختلاف مناطق سيطرتهم، إلا أن تضاعف هذه الحاجات الماسّة صار يترافق اليوم مع حالة من نقص واردات وتمويل، قد تكون سببًا في عدم وصول المساعدات إلى بعض مستحقيها.

وحول تضاعف الاحتياجات، قالت الباحثة آشلي جوردان، إن ذلك قد يخلق الحاجة لدى المنظمات العاملة في سوريا للعمل على تنويع مواردها وعدم اعتمادها بشكل مفرط على تمويل المانحين فقط.

وترى أنه يمكن لمبادرات بسيطة تجمع عددًا من المنظمات الموجودة اليوم مع بعضها، أن تجدد الشعور بالملكية المحلية لمشاريع هذه المنظمات، ما قد يسهم في إعادة ثقة الناس بها، عبر فتح فرص تطوعية يمكن للناس العاديين المشاركة بها من خلال ابتكار أفكار خاصة بهم.

ورغم بعض الاختلافات في الوسائل والأدوات بين المنظمات، أوضحت جوردان أن تلك المنظمات يجب أن تبقى حريصة على عدم استيعاب المنطق التنافسي المتأصل في الهياكل الإنسانية التقليدية، وأن تتشجع بدلًا من ذلك على التعاون والعمل على نقاط مشتركة، بهدف توحيد رسالتها من خلال الالتزام بالإنسانية.

الشفافية الحل “الأمثل”

ترى الباحثة في مركز “السياسات وبحوث العمليات” نسرين الزرعي، المهتمة بالديناميات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للصراع في سوريا، أن الشفافية بشأن التناقص المستمر لأموال المساعدات المخصصة لسوريا أمر مهم جدًا، من الممكن أن يجعل الناس بصورة أسباب حالة نقص المساعدات التي يشتكون منها اليوم.

وأوضحت الزرعي، في حديث إلى عنب بلدي، أنه في ظل “فساد وعنصرية” وكالات الأمم المتحدة الواضح والمثبت للجميع، فإن حل مسألة التشكيك المستمر بوصول المساعدات إلى مستحقيها، يقع اليوم في ملعب منظمات المجتمع المدني العاملة في سوريا.

وأضافت الزرعي أنه يجب على تلك المنظمات إعادة بناء المجتمع بعيدًا عن الأوهام، بما ينسجم مع المعطيات الحالية الموجودة التي تشير إلى أن المساعدات الإنسانية أقل من تلك المُقدمة خلال السنة الماضية، لافتة إلى أنها ستكون أقل أيضًا خلال السنة المقبلة، أو من الممكن أن تتوقف تمامًا.

ويمكن للشفافية الكاملة في موضوع المساعدات الإنسانية حلّ معظم مشكلات الثقة بين المنظمة والمجتمع، إذ تفرض على المنظمة والمانحين معًا أن يعملا بنهج واحد واضح يأخذ احتياجات المجتمع أولوية لتطبيق آلية عملهما، من ناحية توزيع المساعدات بحسب حاجة الناس إليها لا بحسب برمجة المانحين.

English version of the article