الأسد أصدر 17 عفوًا منذ 2011

“العفو العام” في سوريا.. السلطة تنصب فخاخها

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد يزور وحدات عسكرية في محافظة إدلب شمال غربي سوريا- 23 من تشرين الأول 2019 (سانا)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – صالح ملص

تنص المادة رقم “75” من الدستور السوري الصادر عام 2012، على أن مجلس الشعب بوصفه السلطة التشريعية في سوريا، يتولى سلطة إقرار العفو العام. هذا المبدأ الدستوري مستمد من المادة رقم “71” من دستور 1973 السابق، ولا يتوسع الدستور بأكثر من تحديد جهة اختصاص إقرار العفو العام.

وبحسب المادة رقم “108” من الدستور، يُمنح رئيس الجمهورية صلاحية إعطاء العفو الخاص فقط.

تبعًا لذلك، يُقرأ العفو العام في سوريا ضمن هاتين المادتين، ليتبيّن أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، يحتكر تمامًا سلطة العفو العام بواسطة مراسيم تشريعية يصدرها في الوقت الذي يريد، يوصف هذا السلوك بأنه تغوّل السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية.

في 23 من كانون الثاني الماضي، أصدر الأسد عفوًا عامًا عن جرائم الفرار الداخلي والخارجي.

وبموجب المرسوم التشريعي، يُمنح مرتكبو جرائم الفرار الداخلي عفوًا عن كامل العقوبة المنصوص عليها في المادة رقم “100” من قانون العقوبات العسكرية، الصادر في المرسوم التشريعي رقم “61” من عام 1950 وتعديلاته.

كما يُمنح مرتكبو جرائم الفرار الخارجي عفوًا عن كامل العقوبة المنصوص عليها في المادة رقم “101” من قانون العقوبات العسكرية.

وبموجب المرسوم، لا تشمل أحكام المادة الفارين من وجه العدالة والمتوارين عن الأنظار، إلا في حال تسليم أنفسهم خلال فترة، حُددت بثلاثة أشهر للفرار الداخلي، وأربعة أشهر للفرار الخارجي.

يُفهم مبدأ العفو العام على أنه توقيف لآثار قانون العقوبات بالمسائل الواردة في نص العفو، ويزيل الصفة الجرمية عن فعل معيّن يستتبع إسقاط الحق العام، ولذلك، فإنه دستوريًا وقانونيًا، لا يجوز إصداره إلا بقانون عن السلطة التشريعية.

ووفق ما قاله محامٍ مطلع مقيم في دمشق لعنب بلدي، فإن “العفو العام يسمح به الدستور، لا يهدف إلى رفع شعبية من يصدر عنه هذا العفو، ولكن الرئيس (بشار الأسد) يجعله كذلك”.

“رئيس الجمهورية يُخالف الدستور باستئثاره بهذه الصلاحية، حتى يظهر بمظهر من يعفو عن الناس، ويغطي قبح نظامه الأمني”، بحسب ما أوضحه المحامي، وهذا ما يفسر توقيت صدور العفو العام في 2021 قبيل انتخابات رئاسة الجمهورية.

شعبیة رئيس النظام السوري المتدنیة، تعود إلى سلوك السلطة الأمني بتعاملها مع مشكلات وقضايا المجتمع والدولة.

لا یتیح ذلك السلوك أي احترام لكرامة الفرد أو حريته أو حقوقه، وبالتالي فإن شعبية السلطة المتدنية في الشارع غیر مرتبطة بحدث معیّن قد یجلب شعبیة قصیرة الأمد، مثل إصدار عفو عام بمناسبة معيّنة، بل لن یعالج المشكلة الرئیسة في البلد، وهي بقاء السلطة الحالية رغم تراكم أزمات السوريين وانتهاك حقوقهم، وبالتالي لن یتجاوز الارتفاع المنتظر في ھذه الشعبیة نتيجة أي عفو عام عدة أيام.

وباستثناء مرتين أصدر فيهما مجلس الشعب قانون عفو عام في عهد الرئيس الحالي، حمل الأول رقم “17” عام 2000 في مطلع ولايته الأولى، والثاني قانون عفو جزئي عن بعض الجرائم العسكرية رقم “56” في 2002، لم يعد مجلس الشعب بوصفه السلطة التشريعية في الدولة يصدر أي قانون عفو عام، وفق ما قاله المحامي، الذي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لأسباب أمنية.

ضمن هذه المعطيات، تخلّى مجلس الشعب تمامًا عن سلطته الدستورية للرئيس الأسد، الذي صار يحتكر هذه الصلاحية حتى في أثناء انعقاد دورات مجلس الشعب، وإحجام الأخير تمامًا عن ممارسة هذه السلطة التي خوّله إياها الدستور.

القانون والمرسوم التشريعي

القانون: يصدر عن مجلس الشعب في أثناء دورته التشريعية.

المرسوم: يصدر عن رئيس الجمهورية خارج الأدوار التشريعية، ولكلا النوعين أصوله وقوته التشريعية الملزمة ذاتها.

يأتي المرسوم التشريعي في قمة الهرم بين أنواع المراسيم، وهو يماثل القانون في قوته، ولا يختلف عنه سوى من ناحية من يصدره، والمرسوم التشريعي يُصدر في حالات خاصة تتصف بالعجلة، عندما يكون مجلس الشعب خارج دورات انعقاده، ويمكنه تعديل القوانين كما يمكن للقوانين تعديل المراسيم التشريعية.

فخ للفارين والمنشقين

تفتقد مراسيم العفو العام عن جرائم الفرار الداخلي والفرار الخارجي لثقة الأفراد المشمولين في نص هذا العفو.

ووصف المحامي العفو الأخير بأنه فخ للفارين والمنشقين من الخدمة العسكرية، وتشمل أهداف العفو الأخير، حسب رأيه، “التحاق الفارين من الخدمة العسكرية بقطعهم العسكرية، لزيادة عدد الجنود بسبب النقص الذي يعاني منه الجيش. طبعًا يختلف توصيف الفارين عن المنشقين، فالجنود والضباط المنشقون الموجودون في الشمال السوري، إذا التحقوا بالجيش ضمن المدة القانونية المحددة بالعفو، بالتأكيد ستأخذهم المخابرات العسكرية، ولن يعلم مصيرهم إلا الله”.

يعتبر الأسد من أكثر الرؤساء في دول المنطقة إصدارًا لمراسيم عفو بحق المحكومين في السجون، منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 2000، لكن هذه المراسيم في أغلب الأحيان لا تشمل معتقلي الرأي والسياسيين والمشاركين بالنشاط السلمي في بداية الثورة السورية عام 2011، في حين شمل أغلبها مرتكبي الجنح والمخالفات وتهريب المخدرات والسرقة والاحتيال.

والعفو العام يُمنح لأشخاص لم يدرس أحد حالتهم، وهذا ما يسيء إلى قيمة العقوبة كدواء اجتماعي وتأديبي، على خلاف العفو الخاص، المفروض فيه أن يأتي ليخفف من شدة القضاء، أو لينقذ شخصًا ما كان ليقدم على الإجرام لولا ظروف أليمة لم يستطع مقاومتها.

وبالتالي، فإن المشرّع نادرًا ما يصدر العفو العام، بينما يلاحظ على الرئيس الأسد الإفراط كثيرًا في استعمال هذه الصلاحية، إذ أصدر بعد 2011 حوالي 17 عفوًا عامًا ما بين عفو شامل وعفو جزئي عن جرائم عسكرية.

واعتبرت “الرابطة السورية لكرامة المواطن” مرسوم العفو الأخير، محاولة خطيرة لتضليل المهجرين السوريين، خصوصًا الشباب منهم، بالعودة إلى سوريا غير الآمنة، حيث سيواجهون الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والموت.

ووفق تقرير الرابطة، الصادر في كانون الثاني الماضي، فإن كل عائد إلى سوريا هو مشروع معتقل، وهناك خوف كبير بشكل خاص على حياة المنشقين عن الجيش الذين قد يفكرون في العودة.

وفي تشرين الثاني عام 2020، أصدرت محكمة “العدل الأوروبية” حكمها بأن هناك “افتراضًا قويًا” أن رفض أداء الخدمة العسكرية بسياق النزاع المسلح القائم في سوريا حاليًا، مرتبط بأسباب قد تؤدي إلى استحقاق الاعتراف بحق اللجوء، لأنه في حالات كثيرة يكون هذا الرفض تعبيرًا عن آراء سياسية أو معتقدات دينية.

وجدت المحكمة، وهي أعلى هيئة قضائية لدول الاتحاد الأوروبي، أن رفض الشخص أداء الخدمة العسكرية، مرتبط بأحد الأسباب الخمسة التي تؤدي إلى الاعتراف به كلاجئ.

وترى المحكمة أن “جرائم الحرب المرتكبة من قبل الجيش السوري موثقة بشكل جيد، كما أن الفرار من الخدمة العسكرية يصنَّف لدى السلطات السورية على أنه فعل ضد النظام”.

و”من المحتمل جدًا أن تفسر السلطات رفض أداء الخدمة العسكرية على أنه تعبير عن المعارضة السياسية”، وفق “العدل الأوروبية”.

ودعت المحكمة سلطات الدولة الأوروبية التي تدرس طلب اللجوء، إلى فحص سبب رفض أداء الخدمة العسكرية، وما إذا كان سيعرّض ملتمس اللجوء لأحد أشكال الاضطهاد الخمسة القائمة على العرق، أو الدين، أو الجنسية، أو الآراء السياسية، أو العضوية في فئة اجتماعية معيّنة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة