تعا تفرج

الطفل فواز قطيفان والحثالات

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

أخبار الأسبوع الماضي ليست قوية بحد ذاتها، ولكن ما جرى حولها، أو بخصوصها، أو بالتزامن معها، يُفرح القلب الحزين، ويرفع معنويات الإنسان اليائس.

موضوع الطفل فواز قطيفان، مثلًا، برأيي المتواضع، أقل من عادي، مع أن بعض الأصدقاء اعتبروه استثنائيًا. لماذا تعتبرونه استثنائيًا “يا خاي”؟ ألأن المخطوف طفل؟ طيب، وليكن، أليس لدى حضراتكم فكرة عن عدد الأطفال الذين تعاونت تشكيلة رائعة من الحثالات البشرية على قتلهم خلال السنوات الـ11 الأخيرة، إنْ بالكيماوي، أو بالبراميل، أو بالكلاشينكوفات، أو بالسكاكين؟ نعم؟ لأنهم خطفوه؟ كه كه كه، يا سيدي مرحبا خطفوه، ظني أن حضراتكم لا تمتلكون فكرة وافية عن عمليات الخطف التي قام بها الحثاليون في سوريا منذ 2011.

اختلفنا بالرأي والتوجه، المهندس راغب دخان وأنا، خلال السنوات الماضية، كثيرًا، ولكنني أحتفظ له، حقيقة، بذكريات جميلة، تتعلق بالمخطوفين خلال السنة الأولى من عمر الثورة. ما إن يفتح راغب باب مكتبه الهندسي القريب من مبنى المصرف الزراعي القديم بإدلب، حتى يراني متعومدًا أمامه، طالبًا منه مساعدتي في تخليص عسكري من قرية كفتين الدرزية، خُطف وهو ذاهب للالتحاق بقطعته، فيهب للمساعدة بالفعل، وبعد ثلاثة أيام من بحثنا وتقصينا، يأتينا خبر العثور على جثته مرمية على أحد الطرقات. آتي إليه، كذلك، لاستعادة طالب علوي كان ذاهبًا إلى حلب، حيث يدرس في جامعتها، ونتمكن من تخليصه. لا تمر سوى أيام حتى تخطف حثالةٌ أخرى ابنَ عمي فراس بدلة، بذريعة أنه يتعامل مع الأمن السياسي، ويُقتل، وتُرمى جثته بالقرب من قرية منطف. يُخْتَطَف شيخ من آل جحجاح من قرية كفرية، ويُقتل ببساطة، ودون أي مبرر. عمال من “الفوعة” أخذوهم وهم ذاهبون إلى عملهم في معمل “الكونسروة”. مهندس يعمل في مؤسسة الهاتف، اختطفوه، وصادروا سيارته. وفي نهاية المطاف تؤول جهودنا إلى الفشل، وتتعاون حثالات بشار الأسد وتنظيم “القاعدة” على إخراجنا من بلادنا، ويستطيع راغب أن يعود، وأما أنا فمستحيل.

تذكرت شيئًا. أنتم تعطون لخطف الطفل فواز أهمية كبرى، لأن الخاطفين أخذوا فدية 140 ألف دولار مقابل إطلاق سراحه. صح؟ حقيقة إن هذا المبلغ كبير جدًا، ولكن يبدو أنكم نسيتم أن أول عملية اختطاف (تجويل) في معرتمصرين، للمهندس سمير، انتهت بدفع المال. و”جَوَّلت” إحدى العصابات العاملة في مدينة إدلب الأستاذ عبد الرحمن، وأعادته إلى بيته لكي يتمكّن من دفع المبلغ المطلوب. ومن قرية الصواغية خطفوا مزارعًا من آل النايف، وبيع لعصابة أخرى، وثالثة، ورابعة، حتى أُعيد إلى داره بمبلغ كبير، ولأجل الذكرى ضربوه فشكة في قدمه. ومن معرتمصرين خطفوا مدرّس الفيزياء والكيمياء الأستاذ فيصل. ومن إدلب خطفوا صائغ ذهب من آل نعسان آغا. ولم يكن لكل تلك الاختطافات هدف آخر غير المال.

الشيء الوحيد المفاجئ، الجميل، الرائع، هو تلك الصورة التذكارية التي أُخذت لضابط من الشرطة السورية، وقد وضع الطفل المحرر في حضنه، لا نعرف إن كان بحنان، أو دون حنان، لأن عيني الضابط العتليت كانتا متعلقتين بالكاميرا!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة