رسالة لاجئ سوري إلى لاجئ أوكراني محتمل

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

نتمنى ألا تكون الطائرات الروسية قد بدأت قصفها على بيوتكم ومدنكم، في أثناء قراءة هذا المقال. فالطائرات الروسية لا تزال مستمرة بتدمير سوريا منذ 2015، ولعل قصف محطة مياه العرشاني التي تغذي نحو ربع مليون لاجئ في الشمال السوري، الثلاثاء الماضي، يعتبر آخر محاولة منها لإثبات بطولة بوتين، أو هتلر الجديد، بعد احتلاله جزيرة القرم الأوكرانية.

يرتدي بوتين معطف الاتحاد السوفييتي الكبير على مقاسه، والذي يسحل الثلج خلفه، ويحمل الصواريخ النووية مهددًا السلم العالمي ما لم يعيدوا إليه أمجاد الاتحاد السوفييتي السابق، وما لم تعد أوروبا الشرقية إلى أحضانه، التي تربي الدكتاتوريين أمثال لوكاشينكو ونزارباييف وقديروف وخامنئي والأسد، الذين لم ينتجوا إلا الفساد والفشل.

لا تصدقوا إلا شعبكم وأبناءكم المخلصين، فالغرب يلعب الشطرنج بدمائنا كما يفعل بوتين ذلك، وإن كان الأمر أكثر نعومة، وأكثر مراوغة من قبل الدول الغربية التي تركت سوريا وشعبها تحت القصف الروسي حتى اليوم، وتحت غطاء من التصريحات الخجولة التي تطالب باحترام إرادة الشعب السوري.

المزاعم القومية التي أعلن عنها بوتين في مقاله الطويل الذي أصدره قبل سنة ويزعم فيه أنكم جزء من أملاكه الروسية، كانت المبرر الشكلي للشهية الروسية المفتوحة للاحتلال والتنكيل بالشعوب، فروسيا التي ارتكبت المجازر في الشيشان وفي سوريا توشك أن تستأنف الحرب ضد بلادكم، لأنها متأكدة من عدم رغبة الآخرين في محاسبة نظامها على الجرائم التي يرتكبها.

ولعل أهم مطلب لنا جميعًا هو محاسبة بوتين على الجرائم التي ارتكبها، وخاصة في القرم، وفي سوريا وفي الشيشان، لأنها جرائم حرب وثقتها المنظمات الدولية، ومجرد إقامة محكمة دولية، خارج إطار “الفيتو” الروسي، سيكون ذلك أهم رد فعل يكبح النازية الروسية، فلو بدأتم بإنشاء محكمة أوكرانية للنظر في جرائم الحرب التي ارتكبها بوتين في جزيرة القرم وخرقه للقانون الدولي، والجرائم التي ارتكبها في الحرب السورية والشيشانية، فإن الطائرات الروسية ستتمهل قبل أن تبدأ القصف على بلادكم، وسيفكر القادة الروس ولو قليلًا قبل أن يبدؤوا الحرب ضدكم. فالطغاة غالبًا ما يعتمدون على النسيان في تسويغ جرائمهم، وتثير أعصابهم أي إعلانات أو محاكم مهما كانت صغيرة إذا بدأت النظر بسجلاتهم السوداء!

وليعلم مؤيدو الحرب الروسية ضدكم أن الطائرات الروسية لن تجلب إلا الدمار والوحشية، وهي لن تجلب الازدهار لبلادكم كما روّج شبيحة الأسد عندما استقدموا الاحتلال الروسي لسوريا، وبشّروا أنفسهم بالرفاهية والاعتراف الدولي، ولكنهم اليوم لم يحصلوا على ربطة خبز واحدة من القوات الروسية، فالمجاعة التي تحل بالشعب السوري اليوم، تذكرنا بمجاعة أوكرانيا في 1932 أيام دكتاتورية ستالين التي بلغ عدد ضحاياها حوالي أربعة ملايين من أجدادكم!

كل الأكاذيب التي يدلي بها لافروف وشويغو هي مجرد دعايات مدعومة بالطائرات وبـ”الفيتو”، ومعدة للاستخدام الإعلامي الذي تكرره القنوات الروسية الدولية، التي صارت أقرب للدعاية “الغوبلزية” بكل جدارة، ولعل الكاتب نيقولاي غوغول لخّص المشهد السياسي في روسيا بروايته “النفوس الميتة”، إذ إن الشعب بالنسبة إلى الحكام الروس مجرد عبيد يحتلون السجلات، ولا أثر لهم في الواقع السياسي.

أما الوعود الروسية والضمانات التي يقدمها بوتين، فهي مجرد صفحات يتم طيها بعد أيام، وأحيانًا بعد ساعات، وربما قبل أن يجف حبرها، وكل المفاوضات التي رعاها الروس في سوريا انقلبت إلى أكوام من الأكاذيب المشوبة بالسخرية من السوريين ومن طموحهم كبشر يحلمون بالحرية.

يبحث بوتين في بلادكم عن شخصية تشبه بشار الأسد يتم استهلاكها والترويج لها كمبرر شرعي للتدمير والتخريب، وهذه لعبة روسية قديمة منذ ربيع براغ 1968 الذي تم وأده باللعب على حافة الهاوية، وفي سيناريو مشابه لما أعدوه اليوم لبلادكم بكل أسف.

جزيرة القرم التي سلبوها من بلادكم تشبه ميناء “طرطوس” الذي صار من الأملاك الروسية في بلادنا، وكان ذلك الميناء فاتحًا للشهية الروسية والتوسع من حميميم إلى دمشق، وحلب، وصولًا إلى الحسكة. وها هم يوشكون أن يعيدوا نفس السيناريو السوري عبر الإعداد لاحتلال شرق أوكرانيا، وربما احتلال العاصمة الأوكرانية نفسها. وهذا قدر المحتلين الذين لا يكتفون إلا بابتلاع كل شيء، ليلاقوا قدرهم المحتوم، كما لاقته كل الدول المستعمرة، ومنها روسيا نفسها التي خسرت شعوب أوروبا الشرقية، وأفغانستان، وخسرت الشعب السوري الذي تصفه دائمًا بالإرهاب!

ومثل كل الدول الاستعمارية، تم تعيين مندوب سامٍ روسي في سوريا هو يفغيني بريغوجين، المعروف بـ”طباخ بوتين”، لذا عليكم الاهتمام بالشخصيات الفاسدة حول الرئيس الروسي، فهو سيختار منها مندوبًا ساميًا له في بلادكم، ولعل قوات “فاغنر” وصلت إلى بلادكم قبل وصولها إلى سوريا، وهي امتداد لمؤسسات الفساد البوتينية، وتُعدّ المخلب المسموم لقوته الضاربة!

أثارتنا كسوريين دروسكم للأطفال حول الحرب، وطمأنتهم، وعدم نشر الذعر بينهم، وهذا ما لم ننتبه إليه كسوريين، ولم نُعد أنفسنا له، وسقط الكثير من أطفالنا ضحايا الذعر والأمراض النفسية التي تسببت بها قوات بشار الأسد والصواريخ الروسية.

نتمنى ألا تقع الحرب في بلادكم، بقدر تمنياتنا لوقف الحرب في بلادنا، وبخروج الروسي وغير الروسي منها. نعرف أن الشعوب ستنتصر أخيرًا، لكنّ الدكتاتوريين يعرفون أيضًا أنهم قادرون على تعذيب الشعوب وتدمير مقدراتها قبل وصولها إلى حقوقها، وهذا ما يفعله بشار الأسد وبوتين وغيره في بلادنا.

نتمنى وقف التهديدات الروسية ضد بلادكم، وألا يضطر أي منكم لمرارة اللجوء وسلوك الطرق القاتلة للوصول إلى مكان آمن!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة