قرارات مالية- أمنية متناقضة في سوريا تربك المواطنين

أوراق نقدية من فئة 100 دولار أمريكي (عنب بلدي/ زينب مصري)

camera iconأوراق نقدية من فئة 100 دولار أمريكي (عنب بلدي/ زينب مصري)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – زينب مصري

بينما يطبّق النظام سياسة تجفيف السيولة النقدية من الأسواق وحصرها بالمصارف لضبط سعر الليرة السورية، يرفع سقف السحوبات المصرفية اليومية، ومع وجود قوانين تمنع التعامل بالعملات الأجنبية، يسمح للمواطنين بسحب حوالاتهم بالعملة الأجنبية، وفق شروط معيّنة، في سياسة مالية متناقضة تربك المواطنين وتمكّنه من إحكام قبضته الأمنية عليهم.

على الرغم من وجود مرسومين رئاسيين يجرّمان التعامل بغير الليرة السورية، كشف موقع “الاقتصادي” السوري، نقلًا عن مصادر في مصرف سوريا المركزي، عن قرار يقضي بالسماح للمواطنين والتجار والصناعيين بسحب حوالاتهم المالية بالدولار الأمريكي، إذا أرادوا، بشرط أن يتجاوز المبلغ 5000 دولار أمريكي.

يأتي الحديث عن هذا القرار دون إعلان رسمي، كما تحدثت وسائل إعلام موالية سابقًا عن قرارات مشابهة للسماح بالتعامل بالقطع الأجنبي تخص التجار والصناعيين، بهدف توفير القطع الأجنبي في السوق المحلية وخاصة لدى التجار والصناعيين، والاستغناء عن التوجه إلى السوق الموازية لتأمين احتياجاتهم، وعدم حدوث ضغط وزيادة في الطلب على القطع الأجنبي.

السماح بسحب الحوالات بالدولار

وقال المركزي لموقع “الاقتصادي“، بتقرير نُشر في 24 من شباط الحالي، إن الحوالة التي تتجاوز قيمتها 5000 دولار أمريكي، أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية المقبولة، يتم قبض قيمتها حسب رغبة المستفيد، إما بذات العملة التي وردت بها، وإما بما يعادلها بالليرة السورية، بسعر تسليم الحوالات.

ويشترط المركزي لتسليم الحوالات الشخصية للمواطنين فوق 5000 دولار بالعملة الأجنبية، إبراز الهوية الشخصية فقط، بينما الحوالات التجارية تحتاج إلى إبراز سجل تجاري أو صناعي.

وأضاف المركزي أن إمكانية قبض الحوالة تكون وفقًا لخيارين، الأول تسلّم المبلغ نقدًا بالليرة السورية أو بالعملات الأجنبية، والثاني إيداع المبلغ بالليرة السورية أو بالعملات الأجنبية في حسابه لدى أي مصرف عامل.

وفيما يتعلق بتسليم الحوالات الواردة التي تبلغ قيمتها 5000 دولار وما دون، أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية الأخرى، فيكون بالليرة السورية حصرًا، وبسعر تسليم الحوالات الوارد في نشرة المصارف والصرافة الصادرة عن المصرف بتاريخ ورود الحوالة.

وكانت حكومة النظام سمحت، في نيسان 2021، دون إعلان رسمي، لشركات الصرافة المرخصة بتسليم حوالات التجار والصناعيين بالدولار، كما سمحت للمواطنين بتسلّم حوالاتهم بسعر 2825 ليرة سورية، وهو سعر أعلى من سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل الحكومة.

الخبير والباحث الاقتصادي خالد تركاوي قال في حديث إلى عنب بلدي، إن المصرف المركزي والجهات الحكومية المختلفة “تُتحف” المواطنين بقرارات يصعب تحليلها، والمرسومان “3” و”4″ منذ صدورهما، يتناقضان مع مراسيم أخرى، إذ يُلزم النظام المواطنين بدفع بدل الخدمة العسكرية بالعملة الأجنبية بينما يجرّم التعامل بغير الليرة السورية.

ما المرسومان “3” و”4″ لعام 2020؟

في 18 من كانون الثاني 2020، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرسومين “3” و”4″، ويقضيان بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة.

وينص المرسوم رقم “3” على فرض عقوبة السجن ودفع غرامة مالية للمتعاملين بغير الليرة السورية، وجاء المرسوم تعديلًا للمادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم “54” لعام 2013، الذي كان يعاقب المتعامل بغير الليرة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.

ويفرض المرسوم رقم “4” عقوبة الاعتقال المؤقت، وغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة سورية، “لكل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية بإحدى الوسائل، لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية، ولزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها”.

وقال تركاوي، إن حمل المواطن نقودًا بالعملة الأجنبية لدفعها لشعبة التجنيد في أحد المصارف يتعارض مع مرسومي التعامل بالعملات الأجنبية، معتبرًا أن النظام لم يضبط منذ البداية هذه المسائل بشكل جيد من ناحية قانونية على أقل تقدير، لأن الممارسات على أرض الواقع مختلفة تمامًا.

ويرى الباحث أن حكومة النظام تصدر هذه القرارات لأنها وجدت أن لدى المواطنين قدرة على التهرب من عمليات قبض الحوالات والدفع عن طريق مؤسساتها، التي تدّعي ضبطها، والتجار يؤمّنون القطع الأجنبي بطرق لا تعرفها الحكومة، ما يدفعها لإصدار هذا الاستثناءات لتعرف مقدار القطع الأجنبي الذي يدخل إلى البلد.

وهذه سياسة النظام منذ نحو سنة ونصف، بحسب تركاوي، إذ يحاول قدر الإمكان ضبط الكتلة النقدية سواء المحلية (الليرة السورية) أو الأجنبية التي تدخل إلى مناطق سيطرته.

ويرى تركاوي أن النظام نجح إلى حد ما بضبط العملة المحلية، وضبط العملات الأجنبية (الدولار واليورو) للحوالات الصغيرة، لكنه لم يستطع ضبط الحوالات الكبيرة، بسبب أن التجار غالبًا مدعومون من جهات متعددة، سواء “شبيحة” أو أفرع أمن أو أنهم يعملون بطريقة وخبرات أكبر من خبرات المواطن العادي.

وأشار تركاوي إلى أن المواطن لن يخاطر من أجل 100 أو 200 دولار، ولن يبتكر طرقًا للاستفادة من فروقات الصرف، أما من يمتلكون 500 ألف دولار، على سبيل المثال، فسيبتكرون طرقًا لأن هامش الفروقات كبير جدًا، لذلك يلجؤون إلى المخاطرة قليلًا من أجل أرباح كبيرة.

سياسة ضبط الكتلة النقدية

إلى جانب قرار إمكانية سحب الحوالات (أكثر من 5000 دولار) بالدولار الأمريكي، أعلن مصرف سوريا المركزي، في 22 من شباط الحالي، رفع سقف السحب اليومي من الحسابات المصرفية إلى خمسة ملايين ليرة سورية بعد أن كان مليوني ليرة.

يأتي هذا القرار وسط تطبيق حكومة النظام سياسة تجفيف السيولة النقدية ومصادرة الكتل النقدية بالليرة السورية من السوق، التي واجهت انتقادات لأنها تحدّ من قدرة المواطنين على التصرف بأموالهم بحرية، وبررتها حكومة النظام، على لسان المسؤولة في مديرية المفوضية الحكومية بالمصارف، حنان عيلبوني، بأنها لا تصدر قرارًا بهدف وضع العراقيل وإنما بهدف استمرارية العمل والحياة.

تحديد سقوف السحب اليومي أثّر على حركة الأسواق بشكل عام، وعاق عمليات البيع والشراء لعدم قدرة المودعين على سحب ودائعهم، ورفض الباعة تحويل المبالغ إلى حسابات بنكية.

وقالت عيلبوني في تصريحات لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في 20 من شباط الحالي، إن المركزي معنيّ بإدارة السيولة وحجم الأوراق النقدية المتداولة في السوق، وليس فقط إدارة سيولة المصارف بما لها من انعكاسات على طباعة مزيد من النقد من جهة، وتداول الأموال والأوراق النقدية من جهة أخرى، وعدم توظيف معيّن للسيولة يعود لعدة عوامل، منها تقييد التسهيلات أو عدم وجود مشاريع تستدعي ذلك.

وأوضحت أنه ليس ممنوعًا التحويل لأي غاية يرغبها الشخص أو المواطن صاحب الأموال عن طريق المصرف ذاته، بمعنى أنه غير ممنوع إجراء حوالة أو تحرير شيك أو غير ذلك بأي مبلغ يرغبه ضمن سقف الحساب الموجود، علمًا أن ما تم تقييده فقط هو السحب النقدي.

من جانبه، علّق الباحث الاقتصادي خالد تركاوي على قرار رفع سقف السحوبات المصرفية اليومية، بأن مبلغ مليون ليرة أو مليونين مبلغ قليل، في ظل ازدياد الأسعار، لذلك رفع المركزي سقف السحوبات إلى خمسة ملايين ليرة.

و”الناس لا يعدمون حيلة، وكل شيء يمكن أن يحدث في سوريا”، والحديث هنا عن الحيل القانونية، وفق تركاوي، إلى جانب الحيل غير القانونية الكثيرة والمتنوعة التي يلجأ إليها المواطنون لسحب أموالهم، والنظام يحاول أن يُثبت للمواطنين أنه يعرف بحيلهم، لذلك يصدر قرارات بهدف أن تتم تحركاتهم بعلمه.

وتساءل تركاوي إلى أي حد يسمح النظام بحرية اقتصادية للمواطنين من خلال القرارات الأخيرة، مشيرًا إلى أن هذه الحرية لن تكون متاحة إلى حد كبير، ولا أحد يضمن ألا يعتقل النظام لاحقًا الأشخاص الذين تسلّموا أموالًا ويحاسبهم وفق المرسومين “3” و”4″ أو حتى من دونهما.

تأثير محدود على سعر الصرف

أوضح الباحث أن المواطن الذي يدخل العملات الأجنبية (المبالغ الكبيرة) إلى سوريا يكون أمام احتمالات، منها أن يصرّف الدولار إلى ليرة سورية، ما يخلق طلبًا على الليرة ويؤدي إلى تحسنها.

والاحتمال الثاني، وهو المرجح بحسب تركاوي، أن يكون التداول أو المعاملات التجارية بالعملة الأجنبية، كأن يشتري المواطن عقارًا أو ذهبًا أو يوظف المبلغ الذي وصله في الاستيراد.

وأشار تركاوي إلى أن المواطن الذي تسلّم مبلغ عشرة آلاف دولار أمريكي، على سبيل المثال، لن يصرّفه إلى الليرة السورية وسيوظفه في معاملة تجارية، وبالتالي انعكاس هذا الأمر على سعر الصرف سيكون أقل من توقعات النظام.

ويسعى النظام السوري منذ أشهر إلى ضبط الأسواق عبر تجفيف السيولة النقدية، ومصادرة كتل نقدية كبيرة بالليرة السورية، ما أدى إلى خروج عدد من صغار المستثمرين والتجار من الأسواق نتيجة ضعف النشاط التجاري والصناعي.

وتحافظ الليرة السورية على نوع من الاستقرار في قيمتها أمام العملات الأجنبية منذ عدة أشهر، ويساوي الدولار الأمريكي نحو 3650 ليرة سورية في السوق السوداء، بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 2512 ليرة للدولار الواحد.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة