“معركة الكنائس”.. لماذا تبارك الكنيسة الروسية غزو بوتين لأوكرانيا؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر قداسًا في كاتدرائية "البشارة" في الكرملين، 7 من أيار 2012 (الموقع الرسمي للكرملين)

camera iconالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر قداسًا في كاتدرائية "البشارة" في الكرملين، 7 من أيار 2012 (الموقع الرسمي للكرملين)

tag icon ع ع ع

بعيدًا عن ساحات المعارك وقاعات التفاوض، دارت في السنوات الماضية “معركة” بين الكنيستين الروسية والأوكرانية، غذّتها الخلافات القديمة والتوترات السياسية بين البلدين، لتضفي بعدًا آخر على صراعهما المستمر منذ سنين.

طرفان في الحرب

“إن روح الدجال تعمل في زعيم روسيا، وهذا له علاماته في الكتاب المقدس: الكبرياء، الإخلاص للشر، القسوة والنفاق”، هذا ما قاله مطران “الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية”، إيبيفاني، عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في بيان أصدره بعد أيام من الغزو الروسي لبلاده.

قال المطران الذي شبّه بوتين بهتلر، إنه مقتنع بأن العديد من رؤساء “بطريركية موسكو” وكهنتها يسألون أنفسهم بالفعل عن مستقبلهم، وهو ما لا يربطونه بالبطريرك كيريل الذي فقد مصداقيته، حسب تعبيره.

البطريرك كيريل، وهو بطريرك الأرثوذكس الروس، وصف، في ذات اليوم، معارضي موسكو في أوكرانيا بـ”قوى الشر”، وفقًا لما نقلته “وكالة الأنباء الفرنسية”.

ليس الخلاف بين الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية والأوكرانية وليد اليوم، بل له جذور تمتد إلى عشرات السنين، وتصاعد في السنوات الأربع الأخيرة بعد إعلان الأرثوذكس في أوكرانيا تأسيس كنيستهم المستقلة عن الكنيسة الروسية.

جذور الشقاق

قبل ألف عام، في أواخر القرن العاشر، وحَّد الأمير الوثني فلاديمير، أمير كييف، الشعوب الروسية في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا في دولة واحدة.

اعتنق الأمير الملقب بـ”فلاديمير الكبير” المسيحية، وتبعه شعبه لتصبح كييف مدينة مزدهرة في قلب إمبراطورية مسيحية جديدة، معمورة بالكنائس والمحاكم والأديرة والمدارس.

لاحقًا في القرن الـ13، عانت كييف من اعتداءات الأمراء الروس والغزاة المغول، فانتقل العديد من الروس شمالًا وشرقًا إلى المدن الأحدث كفلاديمير وموسكو، ونمت الكنيسة في موسكو لتصبح واحدة من أغنى وأقوى الكنائس في العالم الأرثوذكسي.

أدى هذا إلى خلق توتر بين أوكرانيا وروسيا لعدة قرون، وصل إلى ذروته في الفترة السوفييتية. وبانهيار الاتحاد السوفييتي، كان لأوكرانيا عدة كنائس أرثوذكسية مختلفة، واحدة منها فقط كانت على علاقة وثيقة بموسكو.

في تشرين الثاني عام 2016، وبحضور بوتين، احتفلت روسيا بإنشاء نصب تذكاري ضخم لـ”فلاديمير الكبير”، وكرر التلفزيون الروسي الحكومي أن التمثال “أول نصب تذكاري لفلاديمير العظيم”، متجاهلًا تمثاله الموجود بالفعل في كييف.

لم يأتِ ذكر كلمة “كييف” أبدًا في الحفل، فيما ألمح بطريرك “الكنيسة الأرثوذكسية الروسية” إلى الخلاف بين روسيا وأوكرانيا بالقول، إن أحفاد فلاديمير يعيشون حاليًا في العديد من البلدان، و”من السيئ أن ينسى الأطفال أن لديهم نفس الأب”.

ردت أوكرانيا برد لاذع على الحساب الرسمي للبلاد على “تويتر”، ونشرت صورة لنصب كييف التذكاري، واستخدمت التهجئة الأوكرانية لاسم الأمير، “فولوديمير” بدلًا من “فلاديمير”.

أكبر “انشقاق” مسيحي منذ قرن

رافقت محاولات أوكرانيا للاستقلال السياسي في القرن الماضي، محاولات فاشلة قام بها الأوكرانيون الأرثوذكس لإنشاء كنيسة مستقلة في أعوام 1921 و1942 و1992، وفقًا لمقال كتبه الأستاذ في الدراسات الدينية بجامعة “أريزونا” يوجين كلاي.

وتكللت جهود الأوكرانيين بالنجاح أخيرًا، في كانون الثاني عام 2018، حين انعقد مجلس خاص للأساقفة في كاتدرائية “سانت صوفيا” الأثرية بكييف، وانتخبوا الأسقف إيبيفاني رئيسًا لـ”الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة”.

دعمت “بطريركية القسطنطينية”، وهي السلطة الروحية الأعلى التي يتبعها المسيحيون الأرثوذكس، استقلال الكنيسة الأوكرانية، ووصف الرئيس الأوكراني حينها، بترو بوروشينكو، إعلان الاستقلال بأنه “يوم لن ينساه التاريخ، يوم الانفصال النهائي عن روسيا”.

وستخسر الكنيسة الروسية من 30 إلى 40% من أتباعها نتيجة هذا الانفصال الذي وصفه الكاتب في “نيويورك تايمز” نيل ماكفاركوهار، بأنه أكبر انشقاق مسيحي منذ عام 1054.

من “فلاديمير الكبير” إلى فلاديمير بوتين

خلال سنوات حكمه، قدم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دعمًا للكنيسة الروسية، وسادت بين الطرفين علاقة وثيقة، بعد عقود من الحكم السوفييتي عانت فيها الكنيسة مع صعود الفكر الشيوعي المتضاد معها.

يرى الكاتب ميخائيل خوداركوفسكي، أن “الكرملين” اعتمد على الكنيسة الأرثوذكسية باعتبارها القوة الموحدة الرئيسة في البلاد، وقدم لها دعمًا ماليًا سخيًا، بينما كانت الكنيسة المروّج الرئيس لمفهوم “العالم الروسي” الذي يصور “الكرملين” كمدافع عن الروس خارج روسيا.

وانتهج بوتين خطابًا “محافظًا” يرفض الطلاق، والمثلية الجنسية، وتشجيع قيم الأسرة التقليدية، ليبدو كمدافع عن التقاليد المحافظة وعن مكانة الكنيسة.

في المقابل، دعمت الكنيسة الحملات العسكرية الروسية على مختلف الجبهات في العالم، كسوريا التي وصفت “الكنيسة الأرثوذكسية” التدخل الروسي ضد تنظيم “الدولة” فيها بـ”المعركة المقدسة”.

خسرت “الكنيسة الأرثوذكسية الروسية” معركتها “الناعمة” مع نظيرتها الأوكرانية، لكن معركة “خشنة” تدور بالأسلحة الآن على حدود كييف، قد تعيد للكنيسة هيبتها أو تكتب هزيمتها إلى الأبد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة