حظر الدراجات النارية يحرم الحسكة وسيلة نقل رخيصة

camera iconأفراد عائلة سورية يستخدمون دراجة نارية للفرار من رأس العين باتجاه تل تمر في الحسكة- 19 من تشرين الأول 2019 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – الحسكة

لا يقتصر ما يواجهه سائق الدراجة النارية على كيفية التعامل مع مركبة كثيرة المتطلبات، يكون السائق على متنها دون أي حماية جسدية، بل يتعرض أيضًا لعدة أخطار إلى جانب اضطراره لتحمّل تبعات مسؤولية أخطاء مستخدمي الطرق الآخرين.

تمثّل الإصابات الناجمة عن حوادث المرور تاسع سبب رئيس يقف وراء الوفيات على مستوى العالم، وفق إحصائيات الأمم المتحدة، وهي سبب الوفاة الأساسي لشريحة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا، ويلحق نصف إجمالي الوفيات التي تحدث على الطرق في العالم بالأفراد المزوّدين بأدنى مستوى من الحماية، وهم راكبو الدراجات النارية.

هذه المخاطر لم تكن خارج حدود مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، حيث تعتمد أغلبية العائلات ذات الدخل المحدود على استخدام الدراجة النارية، كوسيلة نقل مأجورة للتنقل من أجل تأمين احتياجاتهم، وقضاء معاملاتهم اليومية.

وبينما تعتبر الدراجات النارية خطرًا حقيقيًا من الممكن أن يودي بحياة الأفراد، تعد الدراجة بمنزلة مصدر رزق وحيد بالنسبة لعائلات في الحسكة.

مصدر رزق وحيد

صالح العبد الله (40 عامًا)، من حي النشوة في الحسكة، قال لعنب بلدي، إن العمل على الدراجة النارية هو مصدر دخله الوحيد، لتأمين نفقات عائلته المكونة من ثلاثة أفراد، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المنطقة.

ومن أجل الحد من المخاطر الجسدية التي تسببها الدراجات النارية في المدينة، حظرت “الإدارة الذاتية”، في شباط الماضي، استخدام الدراجات كوسيلة نقل داخل شوارع المدينة.

وأصدرت هيئة الداخلية في المجلس التنفيذي، التابع لـ”الإدارة الذاتية” العاملة في المدينة، قرارًا يقضي بمنع دخول وخروج وتجول الدراجات النارية في مدينة الحسكة.

نص القرار الصادر في مطلع شباط الماضي، على منع تجول ودخول وخروج الدراجات النارية ضمن مدينة الحسكة، بجميع أشكالها المدنية والعسكرية.

وذكر إعلان هيئة الداخلية، أن القرار جاء بناء على المقتضيات والضرورات الأمنية، واستكمالًا للإجراءات الاحترازية لقوى الأمن، لحفظ الاستقرار في عموم مدن إقليم الجزيرة بشكل عام، ومدينة الحسكة بشكل خاص.

أدى الحظر إلى تهديد مئات العائلات في لقمة عيشهم، وفق ما قاله صالح العبد الله، “منذ شباط لم أستطع توفير ليرة واحدة لأطفالي، ما جعلني أضطر إلى بيع قطعة أثاث من منزلي لتأمين مصروف العائلة”، على أمل أن يُرفع الحظر ويتمكّن من العمل مرة أخرى.

من جانبه، قال سعود الوادي (29 عامًا)، إنه يتخذ من العمل على دراجته النارية وسيلة لمساعدة والده في تأمين متطلبات العائلة، وتخفيف العبء الكبير عن كاهله، ويجني يوميًا من عمليات توصيل الأفراد عبر الدراجة ونقل الركاب بين مختلف أحياء المدينة، حوالي ثمانية آلاف ليرة سورية (حوالي دولارين).

وسيلة رخيصة وسريعة

يفضّل معظم سكان الحسكة التنقل بالدراجات النارية، كون أجرة التنقل بها أقل من سيارات الأجرة الخاصة الصفراء (التاكسي) بكثير، فضلًا عن أن سرعتها بالتنقل تفوق أي وسيلة نقل داخلي أخرى، مثل “السرافيس” وحافلات النقل الداخلي.

ويعتمد عليها في التنقل أيضًا الكثير من الأفراد، ممن يأتون من خارج المدينة بشكل يومي، وهم بالآلاف بين طلبة جامعة، ومراجعين للدوائر الرسمية من بقية المدن، وموظفي الجهات الحكومية والخاصة.

عبد الملك الحسن (26 عامًا)، وهو طالب جامعي في كلية الهندسة الزراعية من مدينة رميلان، قال لعنب بلدي، إنه عندما يذهب إلى الكلية في الحسكة يعتمد بشكل أساسي على الدراجات النارية في التنقل، فتكلفة التوصيل من نقطة تجمع سيارات النقل (الكراجات) إلى الكلية، أو أي مكان في المدينة، هي 500 ليرة سورية (15 سنتًا) فقط، في حين أن أصحاب سيارات الأجرة (التاكسي)، يطلبون 2500 ليرة (70 سنتًا) كحد أدنى، وأحيانًا 3500 ليرة (دولار واحد تقريبًا) عند حدوث أزمة مواصلات.

وأضاف الطالب الجامعي، أنه لا يستطيع أن يدفع يوميًا 3500 ليرة أجرة الطريق من القامشلي إلى الحسكة، ثم يدفع مثلها لسيارات الأجرة ضمن المدينة، فالدراجات النارية وسيلة لا غنى عنها لطلبة الجامعة.

الضرر يطال ورشات الإصلاح

يمتد الأثر السلبي للحظر المفروض على استعمال الدراجات النارية، ليطال فئات أخرى كأصحاب ورشات التصليح في الصناعة، ومحال بيع قطع الغيار وتبديل الزيوت، وكذلك المحال المختصة ببيع الدراجات النارية.

عدنان العايد (48 عامًا)، وهو من حي النشوة ويملك ورشة لصيانة وإصلاح الدراجات النارية بمختلف أنواعها منذ أربعة أعوام، قال لعنب بلدي، إن عمله كان جيدًا قبل الحظر، فهو يستطيع أن يؤمّن مدخوله الشهري ومبلغًا يدّخره من هذه المهنة، لكثرة الدراجات النارية في المدينة، واعتماد السكان عليها بشكل كبير، وبالتالي كثرة أعطالها والحاجة إلى العديد من ورشات الصيانة والإصلاح، لكن مع بدء الحظر، نقص عدد الزبائن بشكل كبير، وأحيانًا “صار يمضي يومان وثلاثة أيام دون أن يراجعنا أحد لإصلاح دراجته”.

تنتشر العشرات من ورشات الصيانة والإصلاح المرتبطة بعمل الدراجات النارية في الحسكة، وإلى جانب الدخل الذي تضمنه لصاحب الورشة، فهناك مئات الشبان الذين يعتمدون على ما يجنونه من الأجر اليومي من العمل في هذه الورشات، وبالتالي تسدّ جزءًا من مشكلة البطالة في المدينة، حيث تتراوح أجرة العامل بين ستة آلاف وثمانية آلاف ليرة (بين دولارين وثلاثة دولارات تقريبًا) يوميًا، بحسب ما رصدته عنب بلدي.

وتوجد في الحسكة عدة أسواق يلتقي فيها من يرغب في بيع أو شراء الدراجات النارية، سواء كانت مستعملة أو جديدة، أشهرها سوقا “الحدادية” و”الحريري”، في الريف الجنوبي للمدينة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة