“مافيات الفصائل”.. مظاهر تحاكي “الشبيحة” والقانون غائب

camera iconوليد العزة، وقيادات في "لواء العزة"(اللواء 211)، التابع لـ"الجيش الوطني" (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

أثار ظهور بعض قادة فصائل المعارضة أو أبنائهم أو أصحاب السلطات النافذة منهم، بمظاهر البذخ والترف والرفاهية جدلًا واسعًا، وسط ما يعانيه الشمال السوري من سوء أوضاع معيشية، وما تخلفه هذه المظاهر من آثار اجتماعية على المجتمع والأهالي في تلك المناطق.

وخلقت هذه المظاهر غضبًا كبيرًا وانتقادات عديدة، منها أنها محاكاة سلطات النظام السوري وقياداته، في حين رآها البعض أنها تضعف معنويات بقية العناصر والمقاتلين، وتشغل العناصر وقاداتها بتوسعة النفوذ، رافقها مطالبات بالمحاسبة.

“مافيات” ومظاهر بذخ

تداولت مواقع وصفحات على التواصل الاجتماعي، مؤخرًا تسجيلات مصورة تُظهر نجل قيادي في “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا، وهو يستعرض ركوبه الخيل في ريف حلب، برفقة سيارات فارهة ومرافقة شخصية مسلحة، مستعرضًا مهاراته في استخدام الأسلحة المتنوعة، وإطلاق الرصاص بالأسلحة الخفيفة والثقيلة.

وظهر في التسجيلات المتداولة، وليد الخويلد، ابن قائد “لواء العزة” (اللواء 211)، المنضوي ضمن صفوف “فرقة السلطان مراد” تحت مظلة “الجيش الوطني”، عدنان الخويلد، الملقب بـ”أبو وليد العزة”.

وبحسب ما رصدته عنب بلدي في تعليقات على التسجيلات المصورة، لاقت غضبًا واستنكارًا واسعًا، فالمعلقون شبهوا الشاب وليد بالابن الأكبر لحافظ الأسد، باسل الأسد، الذي كان يشتهر بلقب “الفارس”، الذي عُرف بحبه للاستعراض والخيول وتنظيم السباقات.

أستاذ علم الاجتماع في جامعة “دمشق” سابقًا، والباحث في مركز “حرمون للدراسات”، الدكتور طلال مصطفى، تحدث لعنب بلدي عن الظاهرة، بغض النظر عن تسمية أي فصيل، وقال إن إطلاق النار من الأسلحة بطريقة بهلوانية يدل على أن الشخص تربى في بيئة “المافيات والعصابات”.

واعتبر أن ذلك مظهر لا علاقة له بالثورة أو تنشئة الأسرة السورية، مضيفًا أنه “وإذا استمرت هذه الممارسات سيصل الناس إلى قناعة بأن ما قدمه النظام أفضل مما جاءت به الثورة فيما بعد من قوى، وربما أسوأ من هذا النظام بهكذا ممارسات”.

https://www.youtube.com/watch?v=4jqwKjwoFSA

ثقافة النظام موجودة

وعن مدى محاكاة هذه المظاهر لسياسات النظام وقياداته، قال الدكتور طلال مصطفى إن هناك دلالات واضحة على أن هذه القوى والفصائل (قوى الأمر الواقع) التي سيطرت بالقوة على مناطق شمال غربي سوريا، كما سيطرت قوات النظام على مناطق سورية أخرى، “وجهان لعملة واحدة وربما ممارسات هذه القوى دون تخصيص، هي الوجه الآخر للنظام بكل شيء”.

الأمر لا يقتصر على استعراض النفوذ والسلطة والاستعراض فيهما، إذ أوضح الباحث أن هناك تشابهًا في طريقة الحكم وفي طريقة التعامل مع المواطنين، أي أن قوى وحكومات الأمر الواقع لم تتخلص أو تقطع الارتباط مع “الثقافة الأسدية”، فهي لا تزال مكرسة في أذهانها وأعمالها وثقافتها وطريقة التعامل مع الآخرين.

حكومات الأمر الواقع تتماهى وتقلد النظام في كل شيء حتى في الاحتفالات الجامعية، بحسب الدكتور طلال، الذي بيّن وجود اختلاف وتغيير بعض الشعارات والشتائم للنظام ليس أكثر، أما المضمون فهو نفسه، حتى في الاستعراضات العسكرية، وطريقة وضع حجر الأساس لبعض المشاريع أو التدشين، معتبرًا أنهم “لم يستطيعوا حتى في هذه القشور والشكليات التخلص من ثقافة حافظ الأسد وابنه بشار”.

سلطات نافذة وتجارب سابقة

ليست المرة التي تظهر فيها حالات مظاهر البذخ والترف والاستخدام “السيء” للسلطة التي رافقت قيادات بعض الفصائل، وفي تشرين الثاني 2020، تعرض المنشد حسام حمادة، الملقب بـ”أبو رعد الحمصي”، للضرب من قبل عناصر الشرطة العسكرية التابعة لـ”الجيش الوطني”، في مدينة عفرين شمال غربي حلب، وجرى توقيفه لعدة ساعات لدى الشرطة، قبل أن يخرج بتدخل من قادة فصائل في “الجيش الوطني”.

وتوجه المنشد حينها للاستفسار عن معتقلين في القسم، لكن قائد قسم الشرطة العسكرية في عفرين، محمد حمادين، تجاهله، ليواجهه حمادة بالسؤال عن سبب سلوكه وحديثه بطريقة متعالية، ليتعرض حمادة للضرب والشتائم من قبل عناصر الشرطة في القسم، بسبب “عدم احترامه للمعلم” أي رئيس القسم.

وفي وقت سابق أثارت تسجيلات مصورة لقائد فرقة “السلطان سليمان شاه” (العمشات) المعزول، محمد الجاسم الملقب بـ”أبو عمشة”، جدلًا واسعًا حول سيارته الفارهة التي يقودها، ومواكب السيارات المسلحة التي ترافقه، حين زار مقاتلين في إحدى النقاط العسكرية التابعة للفصيل.

وفي آذار 2021، وزّع “أبو عمشة” المواد الإغاثية على سكان في الكاميرون، التي تتوسط القارة الإفريقية، وسط ما تعانيه مناطق شمال غربي سوريا من سوء الاقتصاد وتردي الأوضاع المعيشية، وفي تموز 2021 لاقى تسجيل مصور غضبًا واستنكارًا واسعًا، عندما قام أحد المرافقين بتجفيف عرق” أبو عمشة” بمنديل ورقي خلال حفل تخريج دورة عسكرية جديدة تابعة للفصيل في الشمال السوري.

وفي 31 كانون الأول 2021، خرجت مسيرة تأييد لـ”أبو عمشة”، في منطقة عفرين، وتضمّنت رتلًا ضم عشرات السيارات، تخللها تشغيل أغاني مديح للقيادي، أثناء فترة التحقيق في انتهاكاته قبل عزله.

آثار “كارثية” وفهم خاطئ

الدكتور طلال مصطفى أوضح أن الآثار الاجتماعية لهذه المظاهر “كارثية”، والتي تؤدي إلى تغيير قناعات الناس حول مفهوم الثورة، بمعنى “أن الناس سيقولون لم يتغير علينا شيء، والبعض يقول إن الحكومات الحالية والفصائل حاليًا هو أسوأ بممارستها وعلاقتها مع المواطن”.

الآثار لا تقتصر على تغيير المواقف والقناعات، إنما ستشكل حالة من الفهم الخاطئ، فالناس ستكفر بالثورة، بحسب الباحث الذي أوضح أن الناس من خلال هذه المظاهر، “ستقول هذه الثورة لا نريدها إذا كانت كذلك وبهذه المظاهر، هذه ليست ثورة هذه أشكال جديدة ربما لها ألقاب غير ألقاب النظام الأسد وأسماء أخرى”.

وبالتالي سيتولد فهم خاطئ وتتشكل مواقف سلبية لأي دعوة لثورة في المستقبل، أو ربما الاقتناع بدعايات و “بروباغندا” النظام، الذي كان يقول إن ما يحصل ليست بثورة وإنما “فاسدون وإرهابيون”، وربما يقتمع بعض الناس أن ما يحصل خلال هذه التسجيلات يحاكي فساد النظام وطريقة حكمه وبذخه، بحسب الدكتور طلال.

المحاسبة غائبة

ظهرت بعض المنشورات التي حملت لجنة “رد المظالم والحقوق” مسؤولية إيقاف انتهاكات من تصنيع مواد مخدرة وانتهاكات أخرى في قرية النعمان بريف حلب الشرقي، والتي يشرف عليها أبو “وليد العزة”، عقب انتشار تسجيلات فيها مظاهر بذخ ورفاهية لابنه، والتحقيق مع أصحابها.

وبرز اسم لجنة “رد المظالم والحقوق”، التي تُسمى أيضًا بـ”اللجنة المشتركة لرد الحقوق في مدينة عفرين وريفها”، كجهة تهدف لإعادة الحقوق التي سلبتها عدة فصائل عسكرية، وإيجاد حلول مناسبة للمشكلات، وهذه اللجنة أنشئت في أيلول 2020.

الناطق الرسمي باسم “اللجنة المشتركة لرد الحقوق”، وسام القسوم، في حديث إلى عنب بلدي، قال إن عمل اللجنة يقتصر حاليًا في عفرين وريفها، وهذه المظاهر أو المتداولة مؤخرًا (وليد العزة)، مقيم في مدينة الباب.

وبرز أيضًا اسم غرفة القيادة الموحدة “عزم”، كجهة مطالبة بالتحقيق والمتابعة، وهي غرفة شُكلت منتصف تموز 2021، من قبل عدد من فصائل “الجيش الوطني”، كان أبرزها “الجبهة الشامية” و”فرقة الحمزة” و”جيش الإسلام” و”فرقة السلطان مراد” و”لواء السلطان سليمان شاه”.

المتحدث الرسمي باسم “الجيش الوطني” وغرفة العمليات “عزم”، الرائد يوسف حمود، نفى لعنب بلدي، متابعة “عزم” أو تحقيقها في انتهاكات الفصيل المذكور(لواء العزة) عقب انتشار التسجيلات المصورة، موضحًا “أن العمل قائم منذ شهر على محاربة تجارة المخدرات وأدى إلى نتائج جيدة”، بعيدًا عن الفصيل.

القانون تحت البسطار العسكري

من جهته، اعتبر رئيس “تجمع المحامين السوريين الأحرار” المحامي غزوان قرنفل، في حديثه لعنب بلدي، أنه من الطبيعي جدًا أن تظهر للعيان مظاهر الثراء والبذخ والرفاهية على هذه الشخصيات، لأنها بلغت حدًا لم يعد من الممكن مواراته.

وما كان ينطبق على فرقة “السلطان سليمان شاه”، وقائدها “أبو عمشة” ينطبق على بعض الفصائل، إذ أصبحوا بعيدين عن كونهم فصائل مقاتلة لأجل حرية الناس وكرامتهم بل “يمارسون قمع الحريات وانتهاك الحقوق وإهانة الكرامات” في مناطق سطوتهم وسيطرتهم، بحسب قرنفل.

ووُجهت العديد من الاتهامات “أبو عمشة”، في وقت سابق وعناصر من فرقته في منطقة شيخ الحديد بعفرين، قبل عزله ونفيه، تتعلق بجمع إتاوات وزيت الزيتون من المزارعين باسم “أبو عمشة”، ومقاسمة الناس محاصيلهم، والاستيلاء على الأراضي، وانتهاكات متعددة للحقوق من قضايا اغتصاب واتهامات باطلة لأشخاص، لدفع مبالغ مقابل الحصول على البراءة.

وتساءل قرنفل أن من يقوم بهذه الممارسات من حمل السلاح والسطو به على مقدرات الناس وحقوقهم وفرض الإتاوات وممارسة كل أنواع الانتهاكات: هل يمكن بعد ذلك أن يكون بينهم من يسائل أو يحاسب الآخرين؟

وأضاف المحامي أنه “لايستطيع أحد تقديم ادعاء بحق أي قيادي أو فصيل من هؤلاء لأنه ببساطة سيختفي في اليوم التالي لتقديمه الشكوى فلا قيمة للقانون الذي يداس بالبسطار العسكري، ولا استقلالية ولا حماية للقضاء ليستطيع أداء دوره، وكل ذلك يتم ويحصل أمام شاهد زور اسمه حكومات الأمر الواقع”.

وكانت اللجنة “الثلاثية” التي حققت في انتهاكات “العمشات”، أوضحت أن سبب تأخير صدور القرارات هو وجود العراقيل، كامتناع بعض الناس عن الشهادة، خوفًا من قادة الفصيل، إذ بدأت عملها منذ 12 من كانون الأول 2021، واستمرت التحقيقات حوالي شهرين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة