لون البشرة والديانة.. التمييز بين اللاجئين يكشف خللًا قيميًا في صحافة الغرب

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

تعتبر قضية اللاجئين خلال السنوات العشر الأخيرة، واحدة من أكثر القضايا حضورًا في c العالمي، أمام تصاعد أعداد اللاجئين بشكل متواصل في ظل غياب حالة الاستقرار في البلدان المصدّرة لهم.

وأمام “الغزو” الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 من شباط الماضي، بقرار من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دخلت أوكرانيا على خط تصدير اللاجئين بكثافة عالية.

وإذا كانت وسائل الإعلام في السابق حاضرة بقضايا اللاجئين لتغطيتها، وتغطية الخطاب التمييزي والعنصري الذي قد يتعرض له اللاجئون ومكافحته، فهي اليوم تسهم عبر إعلامييها في صنع الخطاب نفسه.

ولجذب انتباه أكبر من قبل المجتمع الأوروبي للاجئين الأوكرانيين، وضرورة احتضانهم، أجرى بعض الإعلاميين مقارنات تمييزية بين اللاجئين الأوكرانيين، واللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان، وذلك على أساس اختلاف العرق والثقافة وعوامل أخرى.

أصوات تنادي بالتمييز

حجّم الخطاب التمييزي الدور الرئيس للإعلام، القائم على الإخبار، ونقل المعلومة، وحوّله في أماكن معيّنة إلى شريك في صنع خطاب موجه لا يفضي إلى نتائج إيجابية بالضرورة.

وتجلى ذلك من خلال مداخلات مراسلين وصحفيين حول لجوء الأوكرانيين، بُثت عبر وسائل إعلام واسعة الانتشار.

في 4 من آذار الحالي، قدّم الصحفي فيليب كوربيه، عبر قناة “بي إف إم” الفرنسية، تحليلًا إخباريًا قال خلاله، “لا نتحدث عن فرار سوريين من قصف، نحن نتحدث عن أوروبيين يغادرون (…) لإنقاذ حياتهم”، قبل أن تنشر قناة “فرانس 24” في وقت لاحق توضيحًا يتضمّن اعتذار الصحفي.

كما قارنت مراسلة قناة “إن بي سي” الأمريكية كيلي كوبيلا بين ديانات اللاجئين وألوانهم، حين قالت، في 28 من شباط الماضي، خلال تغطية إخبارية حول اللاجئين الأوكرانيين، إن “هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا، هؤلاء مسيحيون بيض”.

وفي 27 من شباط الماضي، وصف مذيع قناة “الجزيرة” الإنجليزية بيتر دوبي الأوكرانيين الفارين من الحرب بأنهم “شعب مزدهر من الطبقة الوسطى”، و”ليسوا لاجئين يحاولون الهروب من مناطق في الشرق الأوسط لا تزال في حالة حرب كبيرة”.

وأضاف دوبي أن “هؤلاء ليسوا أشخاصًا يحاولون الابتعاد عن مناطق في شمال إفريقيا، إنهم (أي الأوكرانيون) يبدون مثل أي عائلة أوروبية قد تعيش بجوارها”.

وقدّمت شبكة “الجزيرة” في وقت لاحق اعتذارًا، أوضحت خلاله أن تصريحات مذيعها “كانت غير لائقة وغير حساسة وغير مسؤولة”.

وفي 26 من شباط الماضي، قال موفد شبكة “سي بي إس” الأمريكية، إن هذه مدينة حضارية وأوروبية، وهي ليست، “مع احترامه”، مكانًا مثل العراق أو أفغانستان، قبل أن يعتذر عن تصريحه في وقت لاحق.

تضارب مواقف

عضو مجلس النواب الهولندي، وزعيم حزب “الحرية” اليميني، خيرت فيلدرز، وصف، في 8 من آذار الحالي، اللاجئين السوريين في بلده بـ”المستغلين”، ودعا إلى “طردهم”.

وقال فيلدرز عبر “تويتر”، إن النساء والأطفال الأوكرانيين لاجئون حقيقيون، ودعا إلى توفير مساحة مؤقتة ومحدودة لهم عبر “طرد مستغلي اللجوء واللاجئين المزيفين، مثل اللاجئين السوريين في هولندا”.

وكانت هيئة البث الإذاعي البريطاني (بي بي سي) استضافت، في 27 من شباط الماضي، نائب المدعي العام الأوكراني السابق، ديفيد ساكفاريليدزي، الذي عبّر عن أسفه لرؤية “أوروبيين ذوي شعر أشقر وعيونهم زرقاء يُقتلون كل يوم بصواريخ بوتين وطائراته الهليكوبتر وصواريخه”، ليرد عليه المذيع بأنه يتفهم مشاعره ويحترمها.

من جانبها، انتقدت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، شابيا مانتو، ما وصفتها بـ”المعايير المزدوجة” التي تطبّقها بعض الدول الغربية ضد اللاجئين.

وأوضحت في بيان صحفي، أن التصريحات العلنية لبعض السياسيين والصحفيين الغربيين تسبّبت بالتمييز ضد اللاجئين، موضحة أن استخدام مصطلح مثل “البيض والأوروبيين”، والعبارات المسيئة فيما يتعلق باللاجئين السوريين والأفغان، تسبّبت بموجة انتقادات على نطاق واسع.

كما دعت إلى تجاهل هوية اللاجئين أو من أين أتوا، “فلنكن أكثر إنسانية ورحمة”.

وتعرّف الأمم المتحدة اللاجئ وفقًا لأحكام المادة “43” من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، والصادرة عام 1954، أنه كل شخص يوجد خارج بلد جنسيته، نتيجة أحداث، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة أو آرائه السياسية، ولا يستطيع أو لا يريد بسبب الخوف أن يحتمي بذلك البلد (بلد جنسيته).

ويمكن أن يكون اللاجئ شخصًا لا يملك جنسية، ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة، ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، العودة إلى ذلك البلد.

وتأتي حالة الاهتمام الأوروبي باللاجئين الأوكرانيين، بعد أربعة أشهر فقط من مطالبة 12 دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية، بتمويل بناء حواجز على حدودها لمنع دخول المهاجرين، وفق رسالة اطلعت عليها وكالة “فرانس برس”، في 9 من تشرين الأول 2021.

وبالنظر إلى الظروف التي عاشها كل من العراق خلال حربه ضد تنظيم “الدولة الإٍسلامية”، وأفغانستان التي تغيّر وجه الحكم السياسي فيها منذ آب 2021، وسوريا التي تعايش ثورة ضد نظام بشار الأسد منذ آذار 2011، شكّل مواطنو تلك الدول الحصة الكبرى من اللاجئين في أوروبا خلال الفترة نفسها.

الحكومات ملامة أيضًا

عنب بلدي سألت عضو مجلس إدارة جمعية “سونراكي باهار” المعنية بشؤون المهاجرين ومكافحة خطاب الكراهية والتمييز ضدهم، عماد الطواشي، حول هذا الموضوع، إذ نبّه إلى تفاعل الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع خطاب التمييز والكراهية، بطريقة دفعت بعض المراسلين والصحفيين للاعتذار والعودة عن آرائهم، معتبرًا في الوقت نفسه أن هذا ما يجب فعله، لمواجهة هذا الخطاب الذي يتوسع بوجود اليمين المتطرف.

كما حمّل الطواشي الحكومات الغربية مسؤولية زيادة خطاب الكراهية والتمييز الحاصل عبر تحويل اللاجئين، لا سيما من خارج دول الاتحاد الأوروبي، إلى ورقة انتخابية، موضحًا أن إنهاء التمييز يبدأ بتعايش المجتمع المضيف مع اللاجئين، إضافة إلى دور الإعلام ومواثيق الشرف الإعلامية والجمعيات المعنية بالمهاجرين واللاجئين، ومنحها دورها في زيادة الوعي وتدريب الصحفيين لإيقاف خطاب الكراهية.

وشدد الطواشي على ضرورة مكافحة خطاب الكراهية للغرب، الذي يتنامى برأيه لدى المناطق التي تعتبر مصدرًا للمهاجرين واللاجئين، مبينًا أن خطر خطابها لا يقل تأثيرًا عمّا لدى الغرب، وهو سبب أساسي في زيادة حدة خطاب اليمين المتطرف، وفق رأيه.

وحول سبل علاج نوعية الخطاب التمييزي المناهض للاجئين، لفت الطواشي إلى ضرورة إطلاق حملة أممية ضد خطاب التمييز تجاه اللاجئين، الذين يسمون أحيانًا بغير مسماهم الحقوقي والقانوني، مشيرًا إلى أهمية بدء حملات توعية دولية ومحلية في ظل حالة الخلط بين اللاجئين والمهاجرين واعتبار اللاجئين فرعًا عن المهاجرين، ما ينعكس سلبًا على حياة وسلامة الفارين من الصراع والاضطهاد، كما دعا إلى الضغط على الدول لتمكين اللاجئين من حقوقهم الإنسانية.

تجارب.. تقييد حرية؟

خلال السنوات السابقة، لم تسلم بعض وسائل الإعلام العربية من فخ الخطاب التمييزي القائم على ترسيخ الكراهية تجاه اللاجئين، إذ عزت قناة “إم تي في” اللبنانية، في 5 من أيلول 2018، زيادة الالتهابات إلى “تكاثر اللاجئين السوريين في لبنان”، ما تسبّب وفق ما نشرته القناة عبر موقعها الرسمي، بمرض السرطان، باعتبار أن “هؤلاء بسبب ظروف سيئة عانوا منها مرغمين، يأتون ببكتيريا خطيرة قد تخلق الأمراض لدى الإنسان”.

وفي 14 من تشرين الأول 2018، نشرت صحيفة “الرأي” الأردنية، مادة أرجعت خلالها فيضان مياه الصرف الصحي إلى اللجوء السوري، قبل أن تعدّل العنوان لتحمّل الضغط السكاني وسوء الاستخدام المسؤولية.

وأمام سبل حظر الخطاب التمييزي، يرى الصحفي والخبير في قوانين الإعلام يحيى شقير، وفق ما ورد في دليل “تجنب التمييز وخطاب الكراهية في الإعلام”، الصادر عن معهد “الجزيرة”، أن تقييد حرية التعبير يتحول إلى إلزامي وليس اختياريًا، في سبيل حماية هدف مشروع جدير بالرعاية، وليس استعراضًا للقوة كتجريم نقد الحكومة، وتحصين مسؤولين فاسدين.

ويرى شقير أن المصلحة العامة تعلو، وفي حال تنازعها مع مصلحة فرد أو جماعة فتفضّل المصلحة العامة، وفق المادة “19” من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

العنصرية ليست جديدة

الدكتور في الإعلام والعلاقات العامة علاء رجب تباب، تحدث إلى عنب بلدي حول تكريس “العنصرية السياسية” تجاه اللاجئ السوري، موضحًا أنها لم تبدأ بمقارنته باللاجئ الأوكراني، مشيرًا إلى محاولات تقزيم للقضية السورية، في سبيل تصوير المهجّر السوري على أن عالمه الفقر والخبز والسلال الإغاثية، على خلاف الأوكراني، وفق ما يجري ترويجه.

وعزا تباب الحالة إلى طغيان المصالح السياسية على الحالة الإنسانية، موضحًا أن الدول الغربية تسعى لإنصاف الأوكرانيين لاستخدامهم كأداة ضمن حرب إعلامية قائمة على المصالح، باعتبار أن الواقع السياسي الدولي قائم على التمييز الإنساني الطبقي في أساسه، وفق رأيه.

واستبعد تباب أن يكون الحديث عن العنصرية في وسائل إعلام غربية عفويًا، وذلك بغرض تكريس هذه الأفكار في اللاوعي الاجتماعي، وعقل الإنسان والرأي العام الدولي، عبر قنوات اجتماعية غير رسمية، بما يعفي الدول التي تتبنى هذه الأفكار من المسؤولية القانونية، كون أساس حكمها قائمًا على سردية المساواة ومحاربة العنصرية.

كما دعا إلى التأسيس لحراك قانوني واجتماعي وسياسي، يسعى إلى بناء الذات حضاريًا، مع تجريم كلّ من يشوّه صورة الإنسان السوري إعلاميًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة