شعلة “نوروز” في الرقة.. اختلاف شكل الاحتفال بتغيّر جهات السيطرة

احتفال كرد سوريون في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا بيوم "النوروز"- 21 من آذار 2022 (صفحة "مركز الإعلام لمكتب الدفاع في الرقة" عبر "فيس بوك")

camera iconاحتفال كرد سوريين في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا بيوم "النوروز"- 21 من آذار 2022 ("مركز الإعلام لمكتب الدفاع في الرقة" -"فيس بوك")

tag icon ع ع ع

اختلفت مظاهر الاحتفالات بيوم “نوروز” في مدينة الرقة، شمال شرقي سوريا، حلال الأعوام الماضية باختلاف الجهات المسيطرة عليها عسكريًا وأمنيًا، فمنذ عام 2017، استطاعت سوزانة حمو، البالغة من العمر 34 عامًا، الاحتفال بذكرى قتل “كاوا” الحداد للملك، في الأساطير الكردية، بحرية تامة، بعد أن كان هذا الاحتفال علنًا بمنزلة تهديد لحياتها وحياة عائلتها.

تدور الأساطير الكردية حول الصراع ضد العفاريت، والبطل في هذه القصص هو الإنسان، وهو في صراعه مع العفاريت رمز قوى الشر، يخرج منتصرًا دائمًا، وفق دراسة الباحث عز الدين مصطفى رسول في أدب الفلكلور الكردي.

الصراع في هذه الأساطير هو رمز للصراع بين الخير والشر، ولا تتمثل قوى الشر ضمن تلك القصص في العفاريت فقط، بل توجد صورة التنين في قصة “أزدهاك” (ضحّاك) المشهورة بين الكرد، إذ نبت على كتفي الملك جرحان بشكل تنينين، وكان دواؤهما مخ شابين كل يوم، وتمضي القصة هكذا إلى أن يقتل “كاوا” الحداد الملك، ويسمى ذلك اليوم بـ”النوروز”، أي اليوم الجديد، ورأس السنة الكردية. ومنذ ذلك الحين ما زال الكرد يحتفلون في 21 من آذار كل عام بهذا العيد.

في بداية آذار الحالي، توجهت سوزانة حمو، المقيمة في حي الرميلة بالأطراف الشمالية الشرقية من الرقة إلى سوق المدينة، من أجل شراء قطعة من القماش تريد أن تصنع منها ثوبًا فلكوريًا لترتديه في يوم “نوروز”.

قلة في الرقة

اصطلح تسمية المناطق الكردية في سوريا على منطقة الجزيرة، التي ترتبط إلى الشرق بكردستان العراق، وإلى الشمال بالمناطق الكردية التركية.

وكانت المنطقة الكردية في القسم العلوي من الجزيرة تابعة لولاية ديار بكر، وفيما بعد لولايتي ديار بكر وماردين، يسكنها حوالي مليون كردي، إلى جانب المكوّنات الاجتماعية الأخرى، مثل العرب، والسريان، والأرمن، والآشوريين، وذلك بحسب الدراسة البحثية بعنوان “الكرد في الأرشيف العثماني” المنشورة في مجلة “قلمون للدراسات والأبحاث”.

في حين أن فئة الكرد بالقسم السفلي من الجزيرة أقل، مقارنة بالقسم العلوي بالنسبة إلى المكوّن العربي.

وتتوزع العائلات الكردية على معظم أحياء مدينة الرقة، ولا توجد إحصائية دقيقة تتحدث عن عدد الكرد فيها أو نسبتهم لبقية المكونات الاجتماعية الأخرى، لكنهم يشكّلون أغلبية في أحياء مثل حي شمال السكة، وحي الأكراد بأطراف المدينة الشمالية.

اقرأ أيضًا: كرد سوريون ينقلون “إرث نوروز” إلى أوروبا

احتفال رمزي

“الاحتفال بـ(نوروز) خلال حكم نظام الأسد أو (داعش) كان مستحيلًا بشكل حر”، وفق ما قالته سوزانة حمو لعنب بلدي، فالاعتقالات دائمًا ما كانت تعكّر أجواء الاحتفال قبل 2011، أما في فترة سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، فكان الاحتفال يقابله فقدان الحياة في أغلب الأحيان.

في سوريا قبل 2011، كان الأفراد الراغبون بالاحتفال بيوم “النوروز” يتوافدون من مناطق مختلفة، للتجمع بمنطقة واحدة والاحتفال، على الرغم من وجود مضايقات أمنية واعتقالات في بعض الأوقات، ولم يستطع الكرد كسر الطوق الأمني الذي فرضه النظام على الاحتفالات الخاصة بهذا اليوم.

ورغم المنع الأمني، كانت العائلات الكردية في الرقة تحاول الاحتفال بهذا اليوم سرًا داخل البيوت، وكانت تلك الاحتفالات رمزية تعكس مدى رغبة الكرد بالاحتفال، أكثر من ممارسة طقوس الاحتفال على أصولها، بحسب ما قالته سوزانه حمو.

السمة الأهم لهذا اليوم، هي خروج المحتفلين من العائلات والأصدقاء إلى الأماكن الطبيعية، ورقص الفلكلور الكردي، وقراءة الشعر والغناء.

صبيحة العيد، تجتمع العائلات، ويلبس أفرادها اللباس التقليدي، ويذهبون إلى مكان محدد تجتمع فيه الفرق الفلكلورية للغناء والرقص وفق دبكات كردية، كما يقفون دقيقة صمت قبل البدء بالاحتفال ويخيّمون حتى المساء.

ويعتبر “نوروز” العيد الوحيد الذي تحتفل به قوميات وأديان وشعوب مختلفة عبر القارات، وهو عطلة رسمية في كثير من البلدان مثل إيران، والعراق، وقرغيزستان، وأذربيجان، كما يُحتفل به في تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان ومقدونيا وجنوب القوقاز والقرم ومنطقة البلقان وكشمير وولاية كوجارات الهندية وشمال غرب الصين.

ومعظم المحتفلين بـ”نوروز”، يعتبرونه عيدًا دينيًا أو ثقافيًا منذ مئات السنين، لكنه أخذ طابعًا قوميًا عند الكرد وخصوصًا في العصر الحديث، إذ صار حدثًا سنويًا يؤكد من خلاله الكرد على هويتهم ومطالبهم وحقوقهم القومية والسياسية في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا.

وكان النظام يشدد من إجراءاته الأمنية في محيط القرى الكردية، أو الأحياء ذات الطابع الكردي، تحسبًا لأي مظاهر احتفال، وكثيرًا ما تم اعتقال شبان كرد خلال الاحتفالات بعيد “نوروز” على مدى سنوات حكم “البعث” في سوريا، على حد قول سوزانة حمو.

اقرأ أيضًا: “نوروز خجول” يمر على كرد سوريا

“نوروز” يقابله الموت

خرجت مدينة الرقة عن سيطرة النظام السوري عام 2013، واختلفت الفصائل المسلحة التي سيطرت على المدينة، حتى صارت “عاصمة” تنظيم “الدولة الإسلامية”، التي امتدت فترة سيطرته فيها منذ عام 2014 حتى 2017.

وخلال فترة سيطرة التنظيم على ريف الرقة الشمالي، الذي تتجمع فيه أغلبية المناطق الكردية، منع التنظيم أي مظاهر للاحتفال سواء بعيد “نوروز” أو حتى الأعياد الأخرى، واقتصرت المعايدات على عيدي الأضحى والفطر.

لم يكتفِ التنظيم بمنع الكرد من أهالي المدينة من الاحتفال بـ”النوروز”، بل هدد بقتل أي شخص يشارك في هذا الاحتفال، بحسب ما قالته سوزانة حمو.

والكرد الذين كانوا في الرقة خلال سيطرة تنظيم “الدولة”، تخلوا كليًا عن الاحتفال بيوم “نوروز” خوفًا من الوضع الأمني الذي سلب جميع مظاهر الحياة، فضلًا عن تهجيره الكثير من العائلات الكردية، تحت ذريعة مناصرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والتعاون معها.

حرية بالاحتفال

خلال عام 2017، شهدت مدينة الرقة معارك بين عناصر “قسد” ومقاتلي التنظيم، استمرت 166 يومًا، وانتهت بسيطرة “قسد” على المدينة منتصف تشرين الأول من نفس العام، مدعومة بقوات “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ومنذ ذلك التاريخ، لم تنطفئ شعلة “نوروز” داخل المدينة، حيث نُظمت احتفالات في كل عام، تخللتها عروض تراثية كردية وعربية تشارك فيها فرق فنية من داخل الرقة وخارجها.

وتعتمد “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”قسد” يوم 21 من آذار عطلة رسمية في جميع المناطق التي تخضع لسيطرتها، وتقام الاحتفالات برعاية رسمية من قبل “الإدارة” والمؤسسات التابعة لها.

بينما تشدد “قسد” والأجهزة الأمنية التابعة لها من قبضتها الأمنية، والإجراءات على مداخل المدن والبلدات خلال هذا اليوم، وتعلن قبل أيام منع تجول الدراجات النارية ودخول السيارات الكبيرة إلى داخل المناطق المكتظة بالسكان، والتي تقام فيها الاحتفالات، تحسبًا من أي أعمال ذات صبغة عنفية.

وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه المناسبة يومًا دوليًا عام 2010، بمبادرة من عدة دول منها أذربيجان وأفغانستان وألبانيا وإيران وتركيا ومقدونيا وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان والهند.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة