مغنون سوريون مغمورون “ينجّمون” في الـ”تيك توك”

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – صالح ملص

تصدّرت إنتاجات غنائية سورية منصة “تيك توك”، وسرعان ما شكّلت جمهورها الخاص، الذي استطاع أن يستوعب مضمونها، ويرى فيه قيمة جمالية حماسية ومعنى اجتماعيًا قد يرى فيه هذا الجمهور تقاربًا معه.

وازداد حضور هذه الأغاني مع صعود منصة “تيك توك” بين المستخدمين الشباب، منذ عام 2020.

المشاهدات والإعجابات بالملايين عبر “يوتيوب” و”تيك توك” لهذا النمط من الأغاني، كما يتاح الوصول إليه عبر المنصات الرقمية المتخصصة بنشر المحتوى الموسيقي، مثل “ساوند كلاود” و”سبوتيفاي”.

ومن أبرز المغنين السوريين الذين تصدّروا هذا المشهد، رامي العبد الله المقيم في أمريكا، ومحمد جواني ومحمد الشيخ المقيمان في تركيا.

الاستقلالية هي الصبغة الأساسية لتلك التعبيرات الغنائية من حيث مصدر الإنتاج، هذا الاستقلال يمنحها حرية العمل الفني، ويكون صانع العمل هو المسؤول الأول، وربما الأخير، عن مضمونه، بشروط مريحة لا تدخل ضمن أي رقابة حكومية أو نقابية تقليدية، وتعقيدات عملية الإنتاج عبر الشركات، أو حتى “فلترة” فنية إبداعية.

مساحة حرة لمن شاء الغناء

تغيب في سوريا شركات الإنتاج الغنائي الضخمة، وتتركز غالبًا في مصر ولبنان والإمارات، مثل شركة “روتانا” و”عالم الفن”، وهي الشركات الأبرز إقليميًا والمسؤولة عن إنتاج مئات الأغاني، التي تركّزت موضوعاتها في الغالب على العلاقات العاطفية.

هذا المشهد الإنتاجي في سوريا تغيّر مع التغيّرات التي طرأت على الحياة اليومية، بالتزامن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، التي أدخلت تحديثات سريعة ودورية على قائمة التفضيلات الموسيقية لدى الجمهور، فضلًا عن تأثير الوضع السياسي على الذوق العام للجمهور.

في غالب الإنتاج الغنائي عبر “تيك توك”، يميل المحتوى إلى الاستعراض، وفي أغلب الأوقات إلى “بلطجة” تجذب الجمهور، بتوزيع موسيقي متكرر ومعتاد، لا يحمل إبداعًا أو أصالة فنية، كما أن أغلب الكلمات المغناة تدور حول تمجيد النفس، ولا تنجح الكلمات المستخدمة في خلق صياغة لفكرة ذات معطيات واضحة ومحددة.

أتاحت وسائل التواصل عمومًا لجميع الأفراد إنتاج ونشر ما يشاؤون، وهذا بطبيعة الحال سيؤدي إلى تقديم الجيد والرث، بحسب ما يراه الصحفي السوري المتخصص بالشؤون الفنية نبيل محمد في حديث إلى عنب بلدي.

وهذه الإنتاجات يصعب تصنيفها، فمصطلح “الفنون البديلة شائك ومرتبك”، بحسب ما يراه الصحفي، و”إذا كان القصد منه التخلي عن سلطة شركات الإنتاج الفني، فإن كل ما يظهر كإنتاجات مستقلة هو فن بديل، لكن ذلك لا يعطي أو يسلب تلك المنتجات قيمة معيّنة”.

ترجع مراوغة مصطلح “البديل” وصعوبة ضبطه في الأساس إلى أنه مصطلح فضفاض يسمح بتحرّر أوسع للمناورة الإبداعية والتجريب، وهذه إشكاليته الرئيسة الظاهرة كونه يفتقر إلى بنية نظرية متسقة يمكن استيعابه فيها، ومن خلالها.

وما يُنتج عبر “تيك توك” في هذه الفترة، من وجهة نظر الصحفي نبيل محمد، هو “ظاهرة” تستحق الملاحظة ورصد مسبباتها ودراسة آثارها، “سببتها وسائل التواصل وحرية النشر فيها، (تيك توك) واحد من أشهرها في المحتوى العربي، لأنه سهل ومرن ومختلف في بعض التفاصيل عن سواه”.

من أبرز تأثيرات منصة “تيك توك” على الذوق العام في الموسيقا حول العالم، نشر المقاطع التي تنتشر بشكل كبير، على عكس وسائل التواصل الأخرى مثل “فيس بوك” التي تبني نشر المقاطع المصوّرة بناء على تحليلات للمقاطع التي يشاهدها المستخدم، وتبدأ خوارزميات “فيس بوك” بإظهار المزيد مما يعجب المستخدم، لكن طريقة نشر “تيك توك” للمقاطع عبر منصته وفرت فرصًا متساوية للجميع، فيمكن لمستخدم جديد أو فنان مغمور أن يحصد نجاحًا غير متوقع بفرص متساوية تقريبًا مع الفنانين المعروفين.

يعتمد “تيك توك” على طريقتين لظهور الأغاني، الأولى هي أن يظهر الفنان يغني جزءًا من أغنيته، أو أن يقتطع جزءًا منها ويقوم بتنزيله، أما الطريقة الثانية، فهي أن يقوم المستخدم العادي أو الفنان نفسه بتشغيل الأغنية كخلفية لمقطعه المصوّر، من خلال اختيارها من المكتبة الكبيرة التي يوفرها “تيك توك”.

الجمهور هو الحكم

لا يمكن وصف مجمل الإنتاجات الغنائية السورية الجديدة عبر وسائل التواصل والتي ينشرها هواة بأنها جيدة أو رديئة، فـ”ما نراه يوحي بالرداءة غالبًا، وهذا طبيعي، فالتقنيات الجديدة والموسيقا الجاهزة تتيح لمن شاء الغناء”.

وشروط الأغنية لتكون أغنية هي وجود كلمات ملحّنة منطوقة بلسان مغنٍّ بأبسط حالاتها، وهذا أيضًا لا يعني الجودة أو الرداءة، فهي بالنهاية أغانٍ، والقيمة تأتي بالدرجة الأولى من الجمهور والنقاد، بحسب الصحفي.

أما مضمون الإنتاجات الغنائية، الذي يأخذ صبغة تمجيد النفس، فهو “يتبع لأهواء شخصية، وبما أن الأغاني المنتشرة بأغلبها عبر (تيك توك) هي من إنتاج مبتدئين، بعضهم لا يهدف لبناء مستقبل فني، إنما التعبير عن ذاته أحيانًا”، فهي بمنزلة بوح شخصي يهدف إلى لفت النظر أو حشد المعجبين.

وهذه الحالة الغنائية تأتي كتبعات لحرية النشر، وفي النهاية لا يمكن الحكم على هذا النوع من الإنتاج الغنائي بصورة عامة على أنه جيد أو رديء، وإنما النقد الفني يجب أن يتعرض لكل أغنية على حدة، منها الجيد ومنها الرديء.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة