امرأة في الأخبار.. مادلين أولبرايت التي هندست “توريث السلطة” في سوريا

وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت والأسدين الأب والابن (تعديل عنب بلدي)

camera iconوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت والأسدين الأب والابن (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

“متزن للغاية وشخص مستعد لتولي مهامه”، جاءت هذه الكلمات بعد اجتماع قصير مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في حزيران عام 2000، أعلنت من خلالها وزيرة الخارجية الأمريكية حينها، مادلين أولبرايت أنها وجدته مستعدًا لمتابعة محادثات السلام التي حاولت أمريكا التوسط فيها بين إسرائيل وسوريا.

بعد 84 عامًا من حياة مليئة بالمناصب والتمثيل السياسي والحقائب الوزارية، توفيت أكثر الشخصيات السياسية نفوذًا في جيلها، مادلين أولبرايت، المرأة الأولى التي تولت منصب وزيرة الخارجية الأميركية، بعد معاناة مع مرض السرطان، وفق ما أعلنت أسرتها في بيان على “تويتر”، الأربعاء 23 من آذار.

أولبرايت في وصف الأسدين

عُرفت أولبرايت بأنها أشرفت على عملية “توريث السلطة” في سوريا من الأسد الأب إلى الابن، وقبل وصولها إلى دمشق وانضمامها إلى القادة من جميع أنحاء العالم لنقل التعازي بعد وفاة الرئيس السابق، حافظ الأسد، قالت أولبرايت، “على مدى ثلاثة عقود، لعب الرئيس حافظ الأسد دورًا مهمًا في الشرق الأوسط، إن وفاته لا تغير المنطق المقنع لجميع الأطراف للسعي لتحقيق سلام شامل”.

ووصفت القرار الذي اتخذه حافظ الأسد، من أجل السلام في مدريد عام 1991، بأنه “قرار استراتيجي”، ولا يمكن أن يكون لديه “إرث أفضل من تسوية تحقق الاستقرار الدائم والازدهار المتزايد باطراد للناس في جميع أنحاء المنطقة”.

وبعد وصول أولبرايت إلى دمشق، في حزيران عام 2000 بعد وفاة حافظ الأسد، كان الاجتماع الأول بينها وبين الابن بشار الأسد، وأمضت حوالي 15 دقيقة مع بشار الأسد في غرفة جانبية بقصر الشعب.

وقالت إنها وجدت بشار الأسد مستعدًا لمتابعة محادثات السلام التي حاولت إدارة الرئيس الـ42 للولايات المتحدة، بيل كلينتون التوسط فيها بين إسرائيل وسوريا، ووصفته الدكتورة أولبرايت بأنه “متزن للغاية وشخص مستعد لتولي مهامه”.

قال السيناتور أرلين سبكتر، والذي كان من الأشخاص الحاضرين في اجتماع أولبرايت مع بشار الأسد، إن “الزعيم الجديد كان مؤكدًا في اهتمامه بجهود السلام”، بقوله “سأواصل السلام مثلما فعل والدي”.

وكانت أولبرايت قالت إن الولايات المتحدة تريد من بشار الأسد أن ينفتح بسوريا وأن يسير على خطى والده كمدافع عن السلام في الشرق الاوسط، وقبيل مغادرتها حضور جنازة الأسد قالت إن خلافة بشار لوالده تسير فيما يبدو “بشكل سلس”.

من جهته قال بشار الأسد، للوزيرة أولبرايت حينها، إن سوريا “ستمضي قدمًا في ظل قيادته مع مسار المفاوضات الإسرائيلي الذي ورثه عن والده”.

وزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين أولبرايت تجتمع ببشار الأسد في زيارة إلى سوريا للمشاركة في جنازة حافظ الأسد - حزيران 2000 (UPI)

وزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين أولبرايت تجتمع ببشار الأسد في زيارة إلى سوريا للمشاركة في جنازة حافظ الأسد – حزيران 2000 (UPI)

 

أهدافنا “تستحق” نصف مليون طفل عراقي

أشرفت أولبرايت في أثناء عملها أيام كلينتون على العقوبات الاقتصادية على العراق، وضغطت إدارة كلينتون حينها على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفرض العقوبات على العراق، من أجل معاقبة صدام حسين، وفي تقرير للأمم المتحدة وثق موت ما يصل إلى 576 ألف طفل عراقي، من عام 1991 إلى أواخر عام 1995، بسبب العقوبات الاقتصادية القاسية، والتي كانت أولبرايت من أشد المؤيدين لها.

ولم ترفع إدارة كلينتون العقوبات حينها، إنما ردت بالمساعدة في إنشاء برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة، وهو اتفاق اتُهم بالفساد، حيث تخلى العراق عن نفطه مقابل الضروريات الأساسية مثل الغذاء والدواء، والتي فرضت عليها العقوبات.

وفي إحدى مقابلات أولبرايت أجابت على سؤال حول مقتل نصف مليون طفل عراقي ماتوا، بأن الاختيار صعب، لكن السعر يستحق ذلك، وأن أهداف السياسة الأمريكية تستحق التضحية بنصف مليون طفل عراقي.

وكشف تقرير أن إدارة كلينتون كانت تعلم بحدوث إبادة جماعية، في رواندا عام 1994، ومع ذلك فإن “الأمريكيين، بقيادة السفيرة الأمريكية مادلين أولبرايت، لعبوا الدور الرئيسي في منع المزيد من الإجراءات السريعة من قبل الأمم المتحدة “.

وخرجت العديد من الاحتجاجات ضد الوزيرة أولبرايت، منها احتجاجات نظمها طلاب وأعضاء هيئة التدريس في كلية “سكريبس” بكاليفورنيا، بعد استدعاء مادلين أولبرايت لتتصدر حفل بدء التخرج.

ومنها أيضًا خروج أعضاء جامعة “سيراكيوز” خارج كنيسة “هندريكس” احتجاجًا على مادلين أولبرايت، التي كانت تتحدث في الداخل، وحملوا لافتات تحمل شعارات مثل “هناك مكان خاص في الجحيم لمجرمي الحرب” و”500.000 قتيل من أطفال العراق “، وردد كثيرون “يداك ملطخة بالدماء”.

وطالتها العديد من الانتقادات وتحميل المسؤولية، ووصفها بأنها “مجرمة حرب” و”محفز متكرر للإبادة الجماعية”.

طلاب جامعة “سيراكيوز” خارج كنيسة “هندريكس” يرفعون لافتات في أثناء احتجاجات ضد، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت_ 5 من نيسان 2016 (Moriah Ratner)

دبابيس مادلين.. رسائل “خفية”

وكشفت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت في كتابها، “اقرأ دبابيسي“، أنها استخدمت المجوهرات كأداة دبلوماسية خلال سنوات عملها مع إدارة كلينتون.

وقالت أولبرايت إنها أحببت التعبير عن نفسها بمجوهراتها، وبدأت في سياسة “الدبابيس” عندما كانت سفيرة في الأمم المتحدة، ووصفها الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين بـ”الأفعى”، إذ كان لديها دبوس “الأفعى العتيق” لذلك عندما كانت تتعامل مع العراق، كانت ترتدي دبوس الأفعى.

وبعد تلك الحادثة، قررت أولبرايت أنه “قد يكون من الممتع التحدث عبر دبابيسها، فاشترت مجوهرات مختلفة، وكانت هناك بالونات وفراشات وأزهار للتعبير عن التفاؤل، وعندما كانت المحادثات الدبلوماسية تسير ببطء، كانت السرطانات والسلاحف تشير إلى الإحباط.

وكاحتجاج على روسيا في أحد الاجتماعات ارتدت أولبرايت دبوسًا عليه دبور عملاق، وشعرت حسب تعبيرها أن عليها أن توصل “القليل من اللدغة لإيصال رسالة صعبة”.

وأخبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، أنه يعرف الحالة المزاجية للاجتماع من خلال النظر إلى كتف أولبرايت الأيسر.

دبابيس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت (تعديل عنب بلدي)

دبابيس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت (تعديل عنب بلدي)

دبابيس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت (تعديل عنب بلدي)

مقاعد كثيرة

شغلت أولبرايت العديد من المناصب الرسمية والفخرية خلال مسيرتها، إذ كانت عضوًا في مجلس الأمن القومي للرئيس الأسبق، جيمي كارتر، الذي شغل منصب الرئيس 39 للولايات المتحدة بين عامي 1977 إلى 1981 وموظفي البيت الأبيض، وشغلت مادلين منصب المساعد التشريعي للسيناتور الأمريكي إدموند موسكي.

شغلت أولبرايت منصب رئيس مركز السياسة الوطنية، من عام 1989 إلى عام 1992، وشغلت منصب الممثل الدائم للولايات الأمريكية لدى الأمم المتحدة وكانت عضوًا في مكتب الرئيس، من عام 1993 إلى عام 1997.

في عام 1997 عين الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، بيل كلينتون، أولبرايت كأول وزيرة للخارجية وأصبحت حينها أعلى منصب تشغله امرأة في تاريخ حكومة الولايات المتحدة، حتى عام 2001.

وكان لأولبرايت باع طويل في تعزيز التحالفات الأمريكية، ودعواتها المتكررة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتشجيعها التجارة الأمريكية، والأعمال التجارية والمعايير البيئية في الخارج.

حصلت أولبرايت على وسام الحرية الرئاسي، وهو أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة، من الرئيس الأسبق، باراك أوباما، في 29 من أيار 2012.

في عام 2021 جرى تعيينها رئيسة لمجلس سياسة الدفاع الأمريكية، وهي مجموعة مكلفة بتزويد وزير الدفاع بنصائح ورأي مستقل ومستنير فيما يتعلق بمسائل السياسة الدفاعية.

الوزيرة اللاجئة

كتبت أولبرايت عن تجربتها كلاجئة وعن ضرورة فعل المزيد لإعادة توطين اللاجئين ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم، في أيلول 2016، رسالة إلى قائمة البريد الإلكتروني للبيت الأبيض قبل تصريحات الرئيس أوباما في قمة الأمم المتحدة للاجئين.

تحدثت مادلين التي لجأت من تشيكوسلوفاكيا إلى الولايات المتحدة بعمر 11 عامًا، أن أهم شيء حدث لها أنها أصبحت مواطنة أمريكية.

قالت أولبرايت في رسالتها إنه على الرغم من أن وصفها كلاجئ دقيق، حاولت دائمًا توضيح أن عائلتها لم تكن حالة صعبة، ولم يجبروا على الهروب عبر الأسلاك الشائكة، لكنهم جاؤوا بجوازات سفر دبلوماسية.

أوضحت مادلين حينها أنها لا يمكنها التظاهر بمعرفة ما يعنيه أن تتحمل حتى جزء بسيط مما يمر ملايين اللاجئين في جميع أنحاء العالم، لكنها تعرف ما يعنيه أن يتم اقتلاعهم من جذورهم وعدم قدرتهم على العودة إلى ديارهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة