“كأنك لم تكن”.. تمرير الرسائل لا قولها في قصيدة عبد الباري

camera iconالشاعر محمد عبد الباري وديوانه كأنك لم تكن

tag icon ع ع ع

“ولمّي من رخام البيت صوتي، ومسّي صورتي كي لا تميلا، أيا أمّاه من نأيٍ لنأيٍ، سنقترح الصَبا وطنًا بديلًا”.

يعكس مناخ الشكوى في البيتين السابقين، الحالة النفسية الطاغية على قصيدة “صلاة على شال أمي” التي كتبها الشاعر السوداني محمد عبد الباري، عام 2012، في تشرين الأول، وعلى مقربة من تشرين الثاني، بما يفسر ويمنطق حالة الشكوى التي تستر خلفها عالمًا من الكآبة يشيده الشتاء في نفوس الشعراء.

وتأتي هذه القصيدة في المنتصف تقريبًا من ديوان “كأنك لم تكن”، ثاني دواوين عبد الباري، الصادر عام 2014، ويمكن اعتبارها انعكاسًا لما يسبقها ويتبعها في الديوان نفسه على الأقل، ما لم يكن في أعمال الشاعر ككل.

تتنوع مواضيع الديوان مقدار تنوع قوافيه وغيابها أيضًا، إذ تتأرجح القصائد على حبل المدرسة الاتباعية من جهة، فتقدم القصيدة الموزونة المروضة على خوض بحر شعري ما دون الغرق فيه، وقصيدة التفعيلة من جهة أخرى، حيث يغيب الوزن وتتوارى القافية لتطل برأسها مجددًا لو شاءت أو سمح النص.

وطالما أن الديوان الأول “مرثية النار الأولى”، الصادر عام 2013، غاص في واقع المنطقة المعاصر ومواجعها، وتناول قيمًا وأخلاقيات من منطلق عام يفضي إلى الذاتي والشخصي، فالقصيدة في “كأنك لم تكن” مترفة وغير متعجلة، تعبّر ببطء، وتتبع أسلوب تمرير الرسالة لا قولها، فالشاعر يستحضر البعيدين ليخاطب القريبين، ويوجه كلمته للغائب ليقول ما يود قوله للحاضر، لا سيما حين ترسم القصيدة بعنوانها أو فحواها تواصلًا مع شخص من زمن آخر.

ورغم ضيق الديوان بعدد صفحاته، فإنه يفتح لاتساع المعنى بابًا لا يغلقه انتهاء 97 صفحة تشكّل الديوان ككل، فتنطوي كل قصيدة على أكثر من موضوع في الوقت نفسه، في توظيف موفق للغة الجزلة، والأدب التصويري (ومسّي صورتي كي لا تميلا).

من يقرأ محمد عبد الباري، يعلم أن اللغة ثابتة لدى الشاعر، لا تتزحزح، مشبعة بالتناص الديني والقرآني، تفلت في مكان ما من جزالة المفردات نحو خفتها ومعاصرتها، لكن سرعان ما تعود سيرتها الأولى، دون تعقيد أو طلسمة، فالقصيدة واضحة كالمشاعر التي تنقلها، أو على الأقل تفتح أبوابها لتتيح للقارئ تكوين معناه الخاص مما يقرأ، طالما أن المعنى الأصل يبقى في قلب الشاعر.

محمد عبد الباري، شاعر شاب ولد في مدينة المناقل التابعة لولاية الجزيرة السودانية، عام 1985، واستطاع بالقليل من الدواوين والقصائد إثبات حضوره بين مجددي الشعر العربي.

كما حصد عدة جوائز أدبية، منها جائزة “الأمير عبد الله الفيصل العالمية”، عام 2019، في مجال الشعر العربي الفصيح.

وللشاعر دواوين أخرى هي: “الأهلّة” صدر عام 2016، و”لم يعد أزرقًا” الذي أبصر النور عام 2020.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة