“الجمعة العظيمة”.. حين قُتل شعار “الجيش والشعب إيد وحدة”

إطلاق النار على متظاهرين في الزبلطاني قرب ساحة العباسيين في دمشق - 22 نيسان 2011 (شبكة الثورة السورية)

camera iconإطلاق النار على متظاهرين في الزبلطاني قرب ساحة العباسيين في دمشق- 22 من نيسان 2011 (شبكة الثورة السورية)

tag icon ع ع ع

بعد 11 عامًا على “الجمعة العظيمة”، ما زال هذا اليوم حاضرًا في ذاكرة آلاف السوريين الذين كانوا في صفوف المظاهرات، أو الغائبين الذين راقبوا الحدث من وراء الشاشات.

بعد صلاة الجمعة في 22 من نيسان 2011، خرج آلاف السوريين من مختلف مناطق الغوطة الشرقية في مظاهرات جماعية سعيًا للوصول إلى ساحة “العباسيين” وسط العاصمة دمشق مطالبين بشكل جماعي للمرة الأولى بإسقاط النظام.

“لم تكن المظاهرات حينها تشبه ما سبقها، فهي المرة الأولى التي يخرج فيها المتظاهرون وحتمية الوصول إلى الساحة هي بوصلتهم الوحيدة، التي لن يحيدوا عنها مهما كان الثمن”، يروي أحد الشبان المشاركين في المظاهرة محمد إدريس (34 عامًا)، لعنب بلدي، عبر مكالمة هاتفية من منزله في هولندا.

وتابع إدريس، “كنت عائدًا من عملي في حي القصاع في وقت متأخر من مساء يوم الخميس، حين مررت في منطقة الزبلطاني ورأيت الأمن منتشرًا بكثافة، حينها أدركت أن الجمعة لن تمر بسلام أبدًا”.

كان الشاب محمد، وهو من حي جوبر، على دراية بما نسقته لجان الغوطة حول تلك الجمعة التي كان هدفها الأول أن يعيش السوريون لذة الوقوف في نقطة تعتبر عقدة أمنية مرعبة بالنسبة لهم، بحسب تعبيره.

وأضاف بضحكة ساخرة، “كانت أحداث هذا اليوم وأهدافه مرتبطة باعتصام (ميدان التحرير) في مصر، أو بتعبير آخر كنا (غيرانين) من قوة المصريين خلال اعتصام الميدان”.

ورغم المجزرة التي نفذتها قوات النظام وحملات الاعتقال العشوائي التي طالت المتظاهرين، استطاعت المظاهرات الوصول إلى أطراف ساحة “العباسيين”.

“الجيش والشعب إيد وحدة”

ردد السوريون خلال المظاهرات الأولى هتاف “الجيش والشعب إيد وحدة”، لكن أحداث ذلك اليوم أنهت ذلك الهتاف بالنسبة لمعظم السوريين، بحسب مشاركين في المظاهرات تحدثت إليهم عنب بلدي.

بعد خروج المظاهرات من مختلف مناطق الغوطة، التقى آلاف المتظاهرين الذين استطاعوا الوصول إلى منطقة جوبر بالقرب من المتحلق الجنوبي عند ثكنة “كمال مشارقة” العسكرية، وسط تخوف من عواقب المرور بجوار الثكنة، قال محمد إدريس، مشيرًا إلى أن عبور المنطقة كان في مخيلتهم طريقًا نحو الموت.

“لم تطلق رصاصة من الثكنة على المتظاهرين، حينها خيّم شعور الأمان علينا وعلا صوت هتاف الجيش والشعب إيد وحدة”، أضاف محمد.

وبعد أن قطع المتظاهرون عشرات الأمتار، وعند أبواب سوق “الهال” في منطقة الزبلطاني، بدأ إطلاق الرصاص من مبنى “مجمع الثامن من آذار”. حينها ظن الشبان أن الرصاص “المنهمر” فوق رؤوسهم ليس إلا رصاصًا مطاطيًا غير قاتل.

“ثوانٍ قليلة وبدأت جثث القتلى بالسقوط إلى جانب عشرات الجرحى الذين لم يستطع أحد إسعافهم”، يستذكر محمد “الفاجعة” التي رآها في ذلك اليوم، والتي عرف من خلالها أن الجيش المقصود في الهتافات هو “القاتل الأول”.

الموت أو الاعتقال.. مصير حتمي

“كل من دخل السوق عرف أنه لن يخرج في الحال التي دخل بها، ومصيره الحتمي الموت أو الاعتقال، لكنّ محاولات النجاة دفعتنا جميعًا للبحث عن أي مهرب لعله يكون فرصة نجاتنا الوحيدة”، بحسب محمد.

هدفت قوات النظام حينها من خلال المجزرة لإيصال رسالة مفادها “ما حدا بقرب لهون وبيطلع عايش”، أضاف محمد، موضحًا أن النجاة من قبضة الأمن والموت كانت معجزة حقيقية بالنسبة له وللعشرات من أصدقائه.

اعتقل النظام معظم الذين دخلوا سوق “الهال”، وهرب آخرون عبر الأراضي الزراعية، كما قفز العشرات في نهر “بردى” للعبور باتجاه وادي “عين ترما”، وفق شهادات الشبان الذين تحدثت إليهم عنب بلدي، بينما كان محمد أحد الذين استطاعوا الاختباء في السوق.

دمشق ليست وحدها

تزامنت مظاهرات دمشق وريفها مع عشرات المظاهرات التي خرجت من مختلف مناطق سوريا تحت شعارات دعت لوحدة الشعب السوري.

وفي دير الزور، حطّم المتظاهرون التماثيل التي ترمز للنظام السوري، من بينها تمثال الأخ الأكبر لبشار الأسد، باسل الأسد، أو كما عُرف سابقًا “الفارس الذهبي”.

كما خرجت مظاهرات في حماة وحمص وإدلب والرقة والعديد من المدن، مزّق خلالها المتظاهرون صور رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المعلقة على واجهات المباني الحكومية.

“الشعب السوري واحد”

أطلق الناشطون واللجان المنسقة للمظاهرات في مختلف مناطق سوريا اسم “الجمعة العظيمة” على الجمعة السادسة منذ بدء الاحتجاجات في سوريا.

واختير الاسم ردًا على الطائفية التي حاول النظام السوري أن يشوّه من خلالها صورة الاحتجاجات التي خرجت مطالبة بإسقاطه.

“العلوي إلى التابوت والمسيحي إلى بيروت”، كان أحد الهتافات التي حاول النظام ترسيخها في تلك الفترة لإظهار ما يصفها بـ”طائفية الثورة”، بحسب محمد إدريس، الذي أضاف أن “تسمية الجمعة العظيمة للثورة السورية، جاء من وحي أحد الأيام المقدسة التي يحتفل بها المسيحيون”، موضحًا أن الهدف الأول من اختيار الاسم كان التأكيد على دور المسيحيين بالحراك في سوريا.

وكتبت حينها “شبكة الثورة السورية”، التي لعبت دورًا دورًا رئيسًا بتنظيم الاحتجاجات واقتراح أسماء الجمع، أن “الجمعة العظيمة، هي الجمعة التي أُطلقت فيها رصاصة الرحمة على الدكتاتور الشاب (…) فأُلغيت أنصاف الحلول ولم يعد مجديًا أي إصلاح شكلي من هنا وهناك”.

ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 277 مدنيًا واعتقال 1437 شخصًا، خلال الشهر الأول من الحراك الشعبي في سوريا، في الفترة الممتدة بين 15 من آذار و15 من نيسان 2011.

لكن في يوم “الجمعة العظيمة” وحده، تفاوتت تقديرات عدد الضحايا في عموم سوريا، إذ قدرت الأمم المتحدة عدد القتلى بـ70 شخصًا على الأقل بنيران قوات الأمن، بينما انتشرت قوائم “التنسيقيات المحلية” حينها التي تتحدث عن مقتل أكثر من 100 شخص.

وأدان الأمين العام للأمم المتحدة حينها، بان كي مون، السلطات السورية بسبب عمليات القتل هذه، ودعا إلى تحقيق مستقل في تلك الأعمال يتمتع بالشفافية والنزاهة.

وقال المتحدث باسم كي مون، فرحان حق، إن “على حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، احترام حقوق الإنسان، ومنها الحق في التعبير والتظاهر السلمي، والحق في إعلام حر”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة