مرض نفسي جسماني.. فقدان الشهية العصبي

فقدان الشهية العصبي

camera iconImage Source: Canva

tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

من المعروف أن مشكلة فقدان الشهية من المشكلات الشائعة والمزعجة التي قد تواجه الإنسان، وقد تؤدي إلى التعب والإنهاك وفقر الدم ونقص الوزن، إلا أنها غالبًا ما تكون عرضية ومؤقتة، وتتراجع بعد مدة قصيرة ليحدث التعافي، ومن أشيَع أسباب فقدان الشهية العابر: نزلة البرد، الإنفلونزا، التهابات الجهاز التنفسي، الالتهابات البكتيرية أو الفيروسية، الإمساك، تهيّج المعدة، ارتجاع المريء، التسمم الغذائي، الحساسية، جرثومة المعدة، الحمل، عدم توازن الهرمونات، التوتر، تقرحات الفم، بعض الأدوية كمضادات الاكتئاب أو المضادات الحيوية أو العلاجات المناعية والكيماوية والإشعاعية.

ولكن من جانب آخر قد تكون مشكلة فقدان الشهية عصبية ومزمنة، وهنا نسميها فقدان الشهية العصبي أو القهم العصبي (anorexia).

ما المقصود بفقدان الشهية العصبي

فقدان الشهية  العصبي أو ما يسمى القهم العصبي، هو مرض نفسي جسماني، يحدث فيه اضطراب في الأكل ينتج عنه رفض شديد لتناول الطعام، لمنع زيادة الوزن، أو للاستمرار في فقد الوزن، وقد يلجأ المرضى للتحكم بمقدار ما يستهلكونه من سعرات حرارية عن طريق التقيؤ بعد تناول الطعام، أو عن طريق إساءة استخدام المليّنات، أو مساعدات الأنظمة الغذائية أو مدرات البول أو الحقن الشرجية، ما يسبب نقصًا شديدًا في الوزن والطاقة الأساسية بالجسم، وكل ذلك يسبّب في النهاية توقف الكثير من الأجهزة في الجسم التي تنقصها الطاقة التي تعطى من خلال التغذية.

الإناث أكثر الفئات المتضررة من هذا المرض، ولكن يمكن أن يصيب الذكور، ويمكن أن يحدث في جميع الأعمار، عند البالغين والأطفال، لكنه أكثر شيوعًا بين المراهقين، ونادر الحدوث بعد عمر الـ40 عامًا.

ما أعراض وعلامات القهم العصبي؟

تتضمّن أعراض فقدان الشهية العصبي مشكلات عاطفية وسلوكية تشمل إدراكًا غير واقعي لوزن الجسم، والخوف الشديد من اكتساب الوزن، ومحاولات إنقاص الوزن بأي من الطرق الآتية:

  • تقليل كمية الطعام بشكل مبالغ فيه من خلال الصوم أو اتباع حمية شديدة.
  • الإفراط في ممارسة التمارين.
  • الإسراف في تناول الطعام ثم محاولة التقيؤ للتخلص من الطعام المتناوَل، وقد يتضمن الأمر استخدام المليّنات أو حقن شرجية أو أدوية الحمية الغذائية.

ومن الأعراض السلوكية الأخرى:

  • الانشغال بالطعام، ويشمل في بعض الأوقات إعداد وجبات فاخرة للآخرين وعدم تناولها.
  • تخطي وجبات الطعام أو رفض تناولها.
  • نكران الإحساس بالجوع أو تقديم الأعذار لعدم تناول الطعام.
  • تناول أنواع معيّنة من الطعام يعتبرها المريض آمنة، وعادة ما تحتوي على كميات قليلة من الدهون أو السعرات الحرارية.
  • اتباع طقوس تناول طعام صارمة، مثل بصق الطعام عقب مضغه.
  • عدم الرغبة في تناول الطعام بالأماكن العامة.
  • الكذب حول كمية الطعام المتناوَلة.
  • الخوف من اكتساب الوزن، ويشمل ذلك قياس وزن الجسم بشكل متكرر، وفحص القوام بشكل متكرر في المرآة اعتقادًا بوجود عيوب به، والشكوى من السمنة أو وجود شحوم في مناطق من الجسم، وارتداء ملابس كثيرة لتغطية الجسم.
  • المزاج الفاتر (الافتقار إلى العواطف).
  • الانسحاب الاجتماعي.
  • التهيّج.
  • الأرق.
  • انخفاض الرغبة الجنسية.

وتتضمن أعراض فقدان الشهية العصبي علامات بدنية ناتجة عن نقص التغذية، وتشمل ما يلي:

  • فقدان الوزن الشديد أو عدم اكتساب الوزن المتوقع في أثناء مراحل النمو.
  • المظهر النحيل.
  • الإرهاق.
  • الأرق.
  • دوخة أو إغماء.
  • أصابع مائلة للزرقة.
  • قلة الشعر أو تقصفه أو تساقطه.
  • شعر خفيف أزغب يغطي الجسد.
  • انقطاع الطمث.
  • الإمساك وآلام البطن.
  • جفاف الجلد أو اصفراره.
  • عدم القدرة على تحمل البرد.
  • عدم انتظام ضربات القلب.
  • انخفاض ضغط الدم.
  • الجفاف.
  • تورم  الذراعين أو القدمين.
  • تآكل الأسنان ووجود جسأة على مفاصل الأصابع بسبب القيء.

ما أسباب فقدان الشهية العصبي؟

إن السبب الدقيق لفقدان الشهية العصبي غير معروف، ولكن يُعتقد أنه مزيج من العوامل الحيوية والنفسية والبيئية.

العوامل الحيوية: قد تكون هناك تغيرات جينية تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بفقدان الشهية العصبي، فبعض الناس قد يكون لديهم ميل وراثي نحو الكمال والحساسية والمثابرة، وجميع تلك الصفات مرتبطة بفقدان الشهية العصبي.

كما أظهرت بعض الدراسات اختلالًا في وظائف النواقل العصبية، وبالذات السيروتونين وكذلك الأدرينالين والدوبامين، التي تشكّل أهمية بالغة في تنظيم الشهية للطعام من خلال الهيبوثلاموس، وكذلك اختلال وظائف الغدة الدرقية والهرمونات بشكل عام.

العوامل النفسية: غالبًا ما يكون الجو الأسري لهؤلاء المرضى يتميز بأجواء غير محببة وعدوانية، فيعاني المريض من درجة كبيرة من الانعزالية وقلة الشعور بالتعاطف بين أفرادها، وقد يشعر بعض المرضى بالسمات الشخصية القهريَّة التي تجعل من السهل عليهم التمسك بالأنظمة الغذائية الصارمة والتخلي عن الطعام على الرغم من الجوع.

وقد يكون لدى مرضى فقدان الشهية العصبي دافع كبير للمثالية، ما يجعلهم يعتقدون أنهم لا يتمتعون بالنحافة الكافية، وهذا يصيبهم بالقلق، ما يدفعهم لاتباع أنظمة غذائية تقييدية لتقليل هذا القلق.

العوامل البيئية: تؤكد الثقافة الغربية الحديثة على النحافة كمقياس للجمال، وقد يحاول المريض تقليد أحد المشاهير من الناحية الجسمانية ممن يتميزون بالنحافة، فيتخذ من الحميات الصارمة والتمارين الرياضية نمطًا للحياة.

وقد يجد هؤلاء المرضى ما يشجع سلوكهم اجتماعيًا، إذ غالبًا ما يُربَط النجاح والأهمية بكونك نحيفًا، وقد يساعد ضغط الأصدقاء في زيادة الرغبة بالنحافة، خاصة بين الفتيات بسن المراهقة، وكذلك فإن بعض المهن التي تتطلب نحافة قد تكون دافعًا للمرضى للعمل على إنقاص وزنهم، مثل عارضات وعارضي الأزياء، ومضيفي الطيران، ولاعبي “الباليه” وبعض الألعاب الرياضية التي لا تتحمل زيادة في الوزن.

كيف يُشخّص مرض فقدان الشهية العصبي؟

يبدأ تشخيص فقدان الشهية العصبي بمعرفة الأعراض التي يعاني منها المريض، ووقت بداية ظهورها، وقياس وزنه وطوله ومقارنته مع المتوسط الطبيعي للطول والوزن، ومعرفة مقدار الوزن الذي فقده، ثم معرفة التاريخ المرضي للمريض والأدوية التي يأخذها، ومعرفة النظام الغذائي الذي يتبعه.

وإذا اشتبه الطبيب بأن مريضه مصاب بفقدان الشهية العصبي، فسيقوم بعدة فحوصات واختبارات للمساعدة على تحديد التشخيص واستبعاد الأسباب الطبية لفقدان الوزن، وكذلك تساعد الاختبارات في الكشف عن أي مضاعفات محتملة، وتشمل هذه الاختبارات: فحص البطن بالموجات فوق الصوتية، وطلب تعداد كامل للدم، وفحص وظائف الغدة الدرقية والكبد والكلى، وصورة أشعة سينية لرؤية المريء والمعدة والأمعاء الدقيقة، وتحليل بول، وفحص براز، كذلك يمكن طلب اختبار الحمل في حال كانت المريضة أنثى بالغة، كما ويمكن أن يطلب الطبيب تصويرًا مقطعيًّا محوسبًا (CT scan) للرأس والصدر والبطن والحوض.

كيف يمكن علاج مرض فقدان الشهية العصبي؟

هدف العلاج الأول هو العودة إلى الوزن الصحي، لذلك لا يمكنك الشفاء من فقدان الشهية دون العودة إلى الوزن الصحي وتعلم التغذية المناسبة.

ولكن علاج فقدان الشهية العصبي أمر صعب، خاصة إذا كان شديدًا، وربما أحد أكبر التحديات في العلاج هو أن المرضى قد لا يريدون العلاج، بسبب الاعتقاد أنهم لا يحتاجون إلى علاج، أو الخوف من زيادة الوزن، أو عدم رؤية فقدان الشهية العصبي كمرض بل كنمط حياة.

إضافة إلى ذلك، فإنه رغم إمكانية تعافي المرضى المصابين بفقدان الشهية العصبي، فإنهم يبقون معرضين بشكل أكبر لاحتمالية الانتكاس في أثناء فترات الضغط الزائد.

وبشكل عام، فإن العلاج النفسي بشقيه الدوائي والسلوكي المعرفي، يؤدي إلى نتائج مقبولة، خاصة في الحالات البسيطة والمتوسطة، وكلما بدأ العلاج مبكرًا كانت النتائج أفضل، ويهدف العلاج المعرفي إلى المساعدة على تغيير المعتقدات والأفكار المشوشة التي تحافظ على القيود على الأكل، أما بالنسبة للأدوية فليس هناك علاج دوائي معتمد لمعالجة فقدان الشهية العصبي تحديدًا، ولكن يمكن لمضادات الاكتئاب وأدوية الصحة النفسية الأخرى أن تساعد على علاج الاضطرابات النفسية المرافقة كالاكتئاب أو القلق أو الوسواس القهري.

ويؤدي العلاج الأسري والاجتماعي دورًا مهمًا في تحسين النتائج، خاصة عند المراهقين والأطفال، لأن هؤلاء غير قادرين على اتخاذ قرارات سليمة فيما يتعلق بالأكل والصحة خلال إصابتهم بهذا المرض، وهنا يأتي دور الأسرة وخاصة الوالدين لمساعدة طفلهم على إعادة التغذية واستعادة الوزن حتى يستطيع اتخاذ قرارات صحيحة فيما يتعلق بالصحة.

وتحتاج الحالات الشديدة أحيانًا إلى العلاج في المستشفى، لأنها تعرّض الحياة للخطر، فقد تحتاج المضاعفات الحادة الناجمة عن فقدان الشهية إلى علاج في غرفة الطوارئ، مثل اضطراب نظم القلب أو الجفاف أو حالات اختلال توازن الشوارد الكهربائية، وقد تكون هناك حاجة إلى الإقامة بالمستشفى لعلاج المضاعفات الطبية أو سوء التغذية الشديد أو استمرار رفض تناول الطعام، ففي بعض الحالات قد يحتاج المريض في البداية إلى تغذية من خلال أنبوب يوضع في الأنف ليمرر إلى المعدة (أنبوب أنفي معدي)، وتحتاج حالات الطوارئ النفسية إلى برنامج علاج نفسي مكثف لفترة زمنية محددة، قد تطول أو تقصر حسب شدة المرض.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة