حديث عن تخفيض روسيا قواتها في سوريا.. إيران متحفزة لملء الفراغ

camera iconقوات من "الحرس الثوري الإيراني" (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

تصاعد الحديث منذ نيسان الماضي عن تخفيض روسيا عدد قواتها العسكرية في سوريا، لتعزيز جبهتها القتالية في أوكرانيا، بالتزامن مع بطء في إحراز تقدم على الجبهة التي فتحتها موسكو ضد أوكرانيا منذ 24 من شباط الماضي.

وتداول ناشطون خلال الأيام القليلة الماضية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صورة بلاغ حول التعبئة، يتحدث عن ضرورة التحاق المواطنين الروس الذين تبلغوا دعوة من هذا النوع بالعملية العسكرية، مع الإشارة إلى أن السلطات ستراجع عائلاتهم وأقاربهم في حال تخلّفهم عن الالتحاق.

وذكرت الورقة التي جاءت على شكل بيان، الأوراق المطلوبة لكل شخص يصل إليه بلاغ روسي بهذا الصدد، وفق ما ترجمته عنب بلدي.

إلى جانب ذلك، نشر موقع “The Moscow Times”، وهو موقع إلكتروني لصحيفة كانت تصدر بشكل دوري كل ثلاثة أشهر وتقدم رواية لا تنسجم كثيرًا مع الرواية الروسية الرسمية، خبرًا يتحدث عن تقليص موسكو خلال المرحلة الراهنة عدد قواتها في سوريا، الذي قدّره الموقع بأكثر من 60 ألف عسكري، نصفهم من الضباط، مبررًا تخفيض العدد بمتابعة عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

الخبر نفسه أشار إلى تسليم روسيا مراكز وجودها لإيران و”حزب الله” اللبناني، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى المصاعب التي يواجهها تقدم القوات الروسية في أوكرانيا، ما دفع لاستدعاء قوات إضافية من سوريا.

وقبل أكثر من شهرين ونصف، بدأ “الغزو” الروسي لأوكرانيا وألحق دمارًا واسعًا في البنية التحتية الأوكرانية، وسط اتهامات لموسكو بارتكاب “جرائم حرب” خلال عمليتها العسكرية، ما قوبل بتحشيد استثمر خلاله الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ظهوره الإعلامي المتكرر للمطالبة بدعم عسكري أوروبي لمواجهة الزحف الروسي الذي بدأت حدته تتراجع أمام المقاومة الأوكرانية التي تتغذى بدعم أمريكي وأوروبي.

الحديث عن التخفيض مبالغ به

الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر، أكد في حديث إلى عنب بلدي أن هناك مبالغة في الحديث عن تخفيض القوات الروسية في سوريا، وتأثير خطوة من هذا النوع.

وقال جبر، إنه وبالنظر إلى طبيعة الدور الروسي في سوريا، فحتى لو سحبت روسيا جزءًا مهمًا من قواتها، فهي قوات غير فاعلة، أي لا تخوض معارك، وهي موجودة في المعسكرات والقواعد العسكرية، وبالتالي فسحبها يعني انخراطها في العمليات العسكرية بأوكرانيا، دون أن يؤثر ذلك على الوضع في سوريا.

وحول التقارير التي تناولت تخفيض موسكو قواتها على حساب توسيع الحضور الإيراني، لفت جبر إلى احتمالية ذلك، لكن ليس على المستوى المبالغ به، والذي نقلته الصحافة الإسرائيلية (في إشارة إلى تقرير “The Moscow time” الذي نقله موقع “تايمز أوف إسرائيل”)، مشددًا على مصلحة إسرائيل في الحديث عن خطر إيراني داهم لتوسيع شن عمليات في سوريا دون النظر إلى اعتراضات روسية.

وردًا على سؤاله حول مدى احتمالية أن يكون تخفيض القوات فاتحة لانسحاب روسي كامل، أكد الخبير أن وجود القوات الروسية في سوريا دائم، وأمر منتهٍ بالنسبة لموسكو، وتقليص القوات لن يؤثر على القدرة القتالية، باعتبار أن موسكو قادرة على إرسال قوات إضافية إذا استدعى الأمر.

واعتبر رائد جبر أن توسيع الحضور الإيراني في بعض المناطق، جزء من اللعبة الإقليمية التي كثيرًا ما كانت تلعبها روسيا في مراحل عديدة من العمليات في سوريا، مستبعدًا تأثير ذلك على تمركز القوى وتوزيع موازينها في سوريا حاليًا، كما شكّك في أن يكون ما يجري على الأرض “تسليمًا” بالمعنى الفعلي للكلمة، فلا طرف يرث الآخر في المواقع العسكرية في سوريا، ولا مواقع تسلّمها روسيا لإيران أو غيرها، لكن ذلك لا ينسف إمكانية توسيع الحضور الإيراني جزئيًا، وهو جزء من لعبة موسكو، التي لن يكون الوجود الإيراني في مواقع سيطرة قواتها أبديًا أو دائمًا، لكن ما هو أبدي الوجود الروسي.

وركّز رائد جبر على أن حصيلة الحرب التي قد تستمر طويلًا في أوكرانيا، ستحكم على الوجود الروسي وطبيعة السياسات الروسية في سوريا، مشيرًا إلى أهمية تأثيرات الأزمة الأوكرانية ونتائجها على سياسات روسيا، بما في ذلك في سوريا.

ومنذ 30 من أيلول 2015، بدأت روسيا تدخلها العسكري في سوريا، وأدى ذلك إلى سيطرة النظام على مركز مدينة حلب والمناطق الشرقية منها، والغوطة الشرقية وحمص ودرعا وعدة مناطق أخرى، وقضم منطقة “خفض التصعيد” في إدلب، شمال غربي سوريا.

وخلال التدخل العسكري، شنت القوات الجوية الروسية أكثر من 100 ألف طلعة جوية قتالية في سماء سوريا، وفق تصريحات قائد القوات الجوية الروسية الموفدة إلى سوريا، يفغيني نيكيفوروف، على هامش احتفالية للقوات الروسية في قاعدة “حميميم” الجوية بريف اللاذقية، في 12 من آب 2021، بمناسبة الذكرى الـ109 ليوم الطيران القتالي الروسي.

تمهيد للتقليص على أكثر من جبهة

خلال الأسبوع الأول من نيسان الماضي، سلّمت القوات الروسية شرقي حمص مستودعات عسكرية في منطقة مهين، ثاني أكبر مستودعات السلاح والذخيرة في سوريا، لميليشيا “حزب الله” اللبناني، وقوات من “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام السوري والموالية لإيران بنفس الوقت.

وذكرت حينها صحيفة “الشرق الأوسط“، أن “الحرس الثوري الإيراني” عزّز وجوده العسكري في مستودعات مهين، عقب انسحاب كامل للقوات الروسية و”الفيلق الخامس” الموالي لها، باتجاه مطار “تدمر” العسكري.

40 آلية عسكرية، وأكثر من 17 سيارة “بيك آب” مزوّدة برشاشات متوسطة، وأخرى تقل عناصر من “حزب الله”، وعربات مصفحة وآليات عسكرية تابعة لـ”الفرقة الرابعة” وعناصرها، كان قوام التعزيزات الإيرانية لتلك المستودعات بعدما انسحبت منها القوات الروسية التي ضمت عناصر من مرتزقة “فاغنر”، ونحو 200 عنصر من “الفيلق الخامس” الموالي لروسيا، وفق ما نقلته “الشرق الأوسط”.

الانسحاب الروسي من مهين فتح الباب أمام نفوذ إيراني طويل جغرافيًا وممتد من مناطق القلمون، المحاذية للبنان، إلى دير عطية، ومهين، والقريتين، والسخنة، شرق حمص، وصولًا إلى مناطق أثريا بريف حماة الشرقي، وحقول النفط في جنوب الطبقة بريف محافظة الرقة.

وتستفيد إيران مؤخرًا من الظرف العسكري الي تعيشه موسكو، وتستغله بتعزيز العديد من مواقعها، إذ وصلت، في 22 من نيسان الماضي أيضًا، تعزيزات عسكرية لـ”الحرس الثوري الإيراني” إلى مطار “دير الزور” العسكري، قاعدة الروس العسكرية شرقي سوريا.

وضمت تلك التعزيزات أكثر من 40 شاحنة مغطاة اللوحات، وعناصر ميليشيات تابعة لـ”الحرس الثوري”، وفق ما نقلته شبكة “دير الزور 24” المحلية، حينها.

كما تحدثت شبكات محلية وناشطون معارضون، في نيسان الماضي، عن انسحاب القوات الروسية من مطار “تدمر” العسكري، وتسليمه لقوات إيرانية.

مناطق “خطوط حمر”

رغم امتلاك روسيا قوة عسكرية كبيرة على نطاق الأفراد، فالظرف الاقتصادي يؤثر في التحرك العسكري على الأرض، إذ تعاني ضغطًا اقتصاديًا إلى جانب الضغط العسكري الحالي في حربها الحدودية مع أوكرانيا، وفق رأي المحلل العسكري الرائد طارق حاج بكري.

وأكد حاج بكري لعنب بلدي، أنه رغم استفادة روسيا من النظام السوري، فإن تلك الفائدة عديمة المردود المالي، ما قد يدفعها لتقليص قواتها في سوريا وليس سحبها بالكامل، في حال وجدت نفسها مضطرة للإنفاق على قواتها هناك، أمام تردي الوضع الاقتصادي للنظام اليوم.

وحول المدى الذي قد تبلغه موسكو في تخفيض قوتها أو الاستغناء عن بعض المواقع، أكد المحلل العسكري عدم إمكانية تخلي روسيا عن بعض المناطق، كمطار “حميميم” وميناء “طرطوس” وغيرهما، لأسباب سياسية لا عسكرية.

وتتخذ موسكو العديد من النقاط العسكرية لها في سوريا، أكبرها مطار “حميميم”، ومطار “تدمر”، ومطار “القامشلي”، ومطار “دير الزور”، مع حديث متواصل منذ بداية “الغزو” الروسي لأوكرانيا عن احتمالية سحب قواتها من سوريا نتيجة الضغط العسكري الذي سببته حربها الثانية.

كما اعتبر حاج بكري أن تعزيز الحضور الإيراني في مواقع يديرها الروس، سيضع القوات الإيرانية في واجهة مرمى الضربات الإسرائيلية.

وقد يكون تخفيض حجم القوة العسكرية الروسية على مستوى الأفراد في سوريا مؤقتًا، فروسيا في حربها ضد أوكرانيا، تتجنب مرحلة استنزاف يمكن أن تهدد هيبتها كدولة عظمى في العالم، وبالتالي فمن مصلحتها أن تجمع قواتها نحو أوكرانيا لحسم الحرب، فإطالة أمدها يعني زيادة في الخسائر.

وأشار حاج بكري إلى أن من المفيد بأكثر من طريقة أن تخفض روسيا قواتها في سوريا، لتلافي خسائر بشرية محتملة في أوكرانيا قد تخلق ضغطًا شعبيًا من جهة، وللاستفادة من خبرات الجنود الروس القتالية في سوريا وزجهم في الحرب على أوكرانيا، مع احتمالية أن تُجري استبدالًا لقواتها، وليس تخفيضًا فقط، وفق المحلل العسكري.

وسبق أن خفّضت القوات الروسية الموجودة في مدينة حلب، في آذار الماضي، من تعداد عناصرها التابعين للشرطة العسكرية الروسية في مدينة حلب، التي تتمركز عند أطراف أحياء الحمدانية، وحلب الجديدة، وفي محيط كراج “الراموسة”، إضافة إلى منطقتي الجميلية والمشهد.

كما تداولت شبكات محلية، في 3 من آذار الماضي، تسجيلًا مصوّرًا أظهر مدرعات وعربات عسكرية روسية في ريف حلب الشرقي، تحمل الشعار العسكري الروسي ذاته على خطوط التماس مع مناطق نفوذ المعارضة المدعومة من تركيا.

وفي 11 من آذار الماضي، منح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الإذن لوزارة الدفاع الروسية بنقل آلاف “المرتزقة” من منطقة الشرق الأوسط، لمشاركة القوات الروسية في “غزو” أوكرانيا.

ونشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، في 4 من الشهر نفسه، تقريرًا حول مشاركة سوريين في الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

تنافس أم مودة؟

رغم الحديث عن تنافس روسي- إيراني في سوريا، وقفت إيران إلى جانب موسكو سياسيًا ضد عقوبات واسعة فرضتها دول مختلفة عليها بسبب “غزوها” لأوكرانيا.

وفي 15 من آذار الماضي، أجرى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، زيارة إلى العاصمة الروسية موسكو، التقى خلالها نظيره الروسي، سيرجي لافروف، وقال عبد اللهيان، إن الهدف الأول من الزيارة، التوصل إلى اتفاق جيد وقوي ودائم في المفاوضات النووية بمواكبة روسیا.

والهدف الثاني التباحث حول تطورات أوكرانيا والوضع الراهن على الساحتين الإقليمية والدولية، إذ دان فرض العقوبات على روسيا، معتبرًا أي “حظر أحادي الجانب على الدول والشعوب أسلوبًا خاطئًا”، بحسب ما نقلته وكالة “إرنا” للأنباء.

وتمر العلاقات الإيرانية- الروسية بعصرها الذهبي، وفق تصريحات مساعد وزير الدفاع الإيراني للشؤون التنسيقية، سعيد شعبانيان، خلال استقباله مساعد وزير الدفاع الروسي، ألكساندر فومين، في 24 من آب 2021، في العاصمة طهران، إذ أشاد شعبانيان بتعاون الطرفين في سوريا.

وقال، “من دواعي سرورنا أن العلاقات والتعاون بين طهران وموسكو تمر الآن بأحد أفضل عهودها الذهبية، في ظل إرادة كبار قادة البلدين”.

وأضاف، “لقد كانت لإيران وروسيا في مجال التعاون الإقليمي والدولي تجربة ناجحة في مكافحة الإرهاب والتطرف، والقضاء على دولة (داعش) في سوريا”.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة