ما لا تقوله موسكو.. أثر “غزو” أوكرانيا في الداخل الروسي

camera iconامرأة تمر أمام متجر متعدد الأقسام مغلق بسبب العقوبات في موسكو- روسيا الاثنين 28 من آذار 2022 (AP)

tag icon ع ع ع

في بداية إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، “غزو” بلاده لأوكرانيا في 24 من شباط الماضي، والذي يسميه “عملية عسكرية خاصة”، بدت غمامة الحرب وكأنها بعيدة عن سماء روسيا، لكنها سرعان ما أمطرت وابلًا واسعًا غير متوقع من العقوبات الغربية التي أحدثت ضررًا غير مسبوق في الاقتصاد الروسي، انعكست آثاره على سبل عيش الشعب الروسي نفسه.

اليوم، تدخل الحرب شهرها الرابع، لتدخل معها استنزافات جديدة، تزيد من معاناة الداخل الروسي، وترفع من التكلفة النفسية للقمع والقيود، وهو ما لا يستطيع أغلب الروس العاديين تحمّله.

كأنه حيّز من الوجود فارغ، باردة ومخيفة هي ساحات موسكو، إذ لا شيء مضاء في مراكز التسوق الضخمة، إلا إنارات خافتة من واجهات المحال المغلقة التي كان يشغلها تجار التجزئة الغربيون.

رغم أن بعض استطلاعات الرأي العام في روسيا تشير إلى أن الدعم لحرب أوكرانيا قوي، من المحتمل أن تكون النتائج مُحرّفة، أو مغايرة لما يجيب به المشاركون، حذرًا من التعبير عن آرائهم الحقيقية.

يواجه الاقتصاد الروسي أخطر أزمة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، إثر فرض الغرب عقوبات شديدة على النظام المالي والشركات الروسية، عقب “غزو” روسيا لأوكرانيا.

نزوح الشركات الغربية

أثار رحيل الشركات المتعددة الجنسيات من روسيا ذكريات عن قيود الحقبة السوفييتية على اقتصاد البلاد، إذ أعلنت العشرات من الشركات عن خطط لإنهاء عملياتها في روسيا، مستشهدة بالآثار الأخلاقية للعمل في ظل نظام بوتين، ومخاطر التعارض مع العقوبات.

في 16 من أيار الحالي، انسحبت شركة الوجبات السريعة الأمريكية “ماكدونالدز”، التي كان افتتاحها في روسيا عام 1990 ظاهرة ثقافية، ورمزًا قويًا لتخفيف توترات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

الشركة تركت خلفها 62 ألف موظف، مشيرة إلى الأزمة الإنسانية التي سببتها الحرب، قائلة إن التمسك بأعمالها في روسيا “لم يعد قابلًا للدفاع عنه، ولا يتماشى مع قيمها”.

لاعبون صناعيون كبار انسحبوا من السوق الروسية، بما في ذلك عملاقة النفط “بريتيش بتروليوم” البريطانية، ثالث أكبر شركة نفط خاصة في العالم، إذ تخلّت عن حصتها في شركة “روسنفت” الروسية المنتجة للنفط، وكذلك شركة “شل”، وشركة “رينو” لصناعة السيارات.

وقدّرت شركة “شل” أنها ستخسر حوالي خمسة مليارات دولار من خلال محاولة تفريغ أصولها الروسية، وفقًا لوكالة الأنباء “أسوشيتد برس“.

أوقفت شركات كبرى، مثل “بيبسي” و”كوكا كولا” و”ستاربكس” و”تويوتا” وشركة الأثاث “إيكيا”، أعمالها في روسيا، وبقيت الشركات الأخرى جزئيًا على الأقل، مع مواجهة بعضها رد فعل سلبيًا.

بينما كانت الشركات متعددة الجنسيات تغادر، كان الآلاف من الروس يفرون أيضًا، خوفًا من التحركات الحكومية القاسية الجديدة المرتبطة بالحرب التي اعتبروها انزلاقًا في الشمولية الكاملة، بالإضافة إلى بعض الشباب الذين فروا خوفًا من أن يفرض “الكرملين” تجنيدًا إلزاميًا لتغذية آلته الحربية، لكن الفرار أصبح أصعب بكثير مما كان عليه في السابق، إذ حظرت دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، إلى جانب الولايات المتحدة وكندا الرحلات الجوية من وإلى روسيا.

حتى السفر غير المباشر عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تقلص بالنسبة للروس، إذ حظرت روسيا، في آذار الماضي، “فيسبوك” و”إنستجرام”.

وأُغلق الوصول إلى مواقع وسائل الإعلام الأجنبية، بما في ذلك هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، و”صوت أمريكا” الممول من الحكومة الأمريكية، وراديو “أوروبا الحرة” (راديو ليبرتي)، والإذاعة الألمانية “دويتشه فيله”.

بعد أن أقرت السلطات الروسية قانونًا يدعو إلى السجن لمدة تصل إلى 15 عامًا، على نشر قصص تتضمّن “أخبارًا كاذبة” عن الحرب، أُغلقت العديد من وسائل الإعلام الإخبارية المستقلة، أو أوقفت عملياتها، ومن بينها إذاعة “Ekho Moskvy”، وصحيفة “Novaya Gazeta” التي نال محررها ديمتري موراتوف جائزة “نوبل” للسلام.

انقسام داخلي و”خضوع عدواني”

يسود المجتمع الروسي في الوقت الحالي “الخضوع العدواني”، وفقًا لرئيس برنامج السياسة الداخلية بمركز “كارنيجي” في موسكو، أندريه كوليسنيكوف.

أوضح كوليسنيكوف أن “المناقشة في الداخل الروسي تصبح أوسع وأوسع”، وأن تدهور الروابط الاجتماعية يمكن أن يتسارع، إذ يمكنك أن تصف مواطنًا له رأي مختلف بـ”الخائن”، واعتباره من أراذل القوم.

يمكنك، بحسب كوليسنيكوف، التكهن بحرية وهدوء بشأن احتمالات نشوب حرب نووية، مثل معظم كبار مسؤولي الدولة، موضحًا أن هذا الأمر لم يكن مسموحًا به بالتأكيد في الحقبة السوفييتية خلال “باكس أتوميكا”.

“باكس أتوميكا”، هو مصطلح يُستخدم لوصف فترة من التوتر الشديد دون صراع عسكري كبير بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، “عندما أدرك الجانبان أن الضرر الذي أعقب ذلك كان لا يمكن تصوره تمامًا”، حسب كوليسنيكوف.

لم تظهر العواقب الاقتصادية بالكامل بعد، ولا يمكن التنبؤ به بوضوح، إذ إنه في الأيام الأولى من الحرب، فقد الروبل الروسي نصف قيمته، لكن جهود الحكومة لدعمه رفعت قيمته إلى أعلى من مستواه قبل “الغزو”.

يشهد الاقتصاد الروسي تدهورًا الآن عبر مجموعة واسعة من القطاعات، وفقًا للمحلل الاقتصادي الروسي المخضرم كريس ويفر، وتحذر الشركات من نفاد مخزون قطع الغيار لديها.

وتقوم الكثير من الشركات الروسية بتشغيل عمالها بدوام جزئي، وأخرى تحذر موظفيها من أنها مضطرة للإغلاق كليًا، لذلك وبحسب ويفر، هناك خوف حقيقي من أن البطالة سترتفع خلال أشهر الصيف، وأن يكون هناك انخفاض كبير في الاستهلاك ومبيعات التجزئة والاستثمار.

إذا استمرت الحرب، فقد تخرج المزيد من الشركات من روسيا، وتوقع ويفر، أن تلك الشركات التي علقت عملياتها “فقط”، قد تستأنفها إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وسلام مع أوكرانيا، لكنه قال إن نافذة ذلك قد تُغلق أيضًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة