الدكتور عبد الكريم بكار لعنب بلدي: منظمة “متحدون” حلف فضول ثقافي متنوع الجنسيات

الدكتور عبد الكريم بكار في 16 من أيار 2022 في مدينة اسطنبول (عنب بلدي)

camera iconالدكتور عبد الكريم بكار في 16 من أيار 2022 بمدينة اسطنبول (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

أثار الإعلان عن انطلاق منظمة تنادي بمناهضة الطائفية قبل حوالي شهر، الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تباين وانقسام آراء السوريين حول أهدافها والأفكار التي تنادي بها.

تحمل المنظمة اسم “متحدون ضد التعصب الطائفي”، وتضم أشخاصًا سوريين منهم الدكتور السوري في الفكر الإسلامي عبد الكريم بكار، والباحثة الأكاديمية السورية في الدراسات الإسلامية رغداء زيدان، وغيرهما من الأشخاص غير السوريين من ذوي الجنسيات العربية والأجنبية.

تهدف المنظمة، بحسب موقعها الإلكتروني، إلى مكافحة التعصب الطائفي والعنصري بجميع أشكاله، وكشف الانتهاكات المرتبطة به، بالإضافة إلى التوعية العامة بأمراض التعصب الطائفي والعنصري، والعمل على تعزيز قيم التسامح والمواطنة.

ردود فعل السوريين حول هذه المنظمة تباينت، فمنهم من انتقد فكرة أن تنادي بالوقوف ضد التعصب الطائفي، معتبرين أنها مطالب “لا واقعية” في الوضع السوري، تطلب منهم إغماض أعينهم عن الكثير من المجازر التي ارتكبها النظام السوري خلال السنوات العشر الماضية بدواعٍ طائفية.

بينما اعتبر بعضهم الآخر أن توقيت عمل المنظمة جاء “متأخرًا” بالنسبة لسوريا، كون ما تنادي به من مناهضة الطائفية كان يجب العمل على توعية الناس به قبل كل ما حدث.

وللحديث عن تفاصيل إضافية حول طبيعة عمل المنظمة وسبب إنشائها وأهدافها، ومناقشة الجدوى المنتظر تحقيقها بعيون مؤسسيها، قابلت عنب بلدي الأمين العام لمنظمة “متحدون”، والدكتور في مجالات التربية والفكر الإسلامي، عبد الكريم بكار، في زيارة أجرتها لمكتبه الخاص ضمن مركز “مقاربات للتنمية السياسية” في مدينة اسطنبول التركية.

اقتحام “منطقة حمراء”

الدكتور عبد الكريم بكار قال، في حديث إلى عنب بلدي، إن منظمة “متحدون ضد التعصب الطائفي”، هي منظمة حديثة مسجلة رسميًا منذ أقل من شهر، لديها موقع إلكتروني، وهي منظمة ثقافية وليست سياسية، وهي ليست سورية بل دولية ينتمي إليها أشخاص من 12 دولة منهم عرب ومنهم غير عرب.

وأوضح بكار أن الفكرة الأساسية من إنشاء هذه المنظمة هي مقاومة موجات التعصب الطائفي والعنصري والقبلي والمناطقي والعرقي، بسبب اتجاه واضح حول العالم نحو حدوث نزعات طائفية وعرقية قوية، مضيفًا أن من أبرز تطلعاتها إنشاء مرصد للأنشطة الطائفية والعنصرية، والتعاون مع المنظمات الدولية لإصدار عدد من الوثائق التي تدين العنصرية والطائفية.

لم يتفاجأ الدكتور بكار بالجدل في الشارع السوري الذي سببه إنشاء هذه المنظمة، معلّقًا، “كنا على دراية بأننا نقتحم منطقة حمراء وخطرة، ولكن تمسكنا بالقيم والمبادئ التي نؤمن بها بشكل عميق ونظرتنا المستقبلية، والعمل على إيجاد مساحة مشتركة يتعايش فيها الناس وإن اختلفوا في عقائدهم وأفكارهم وتطلعاتهم، هو الذي دفعنا إلى تأسيس المنظمة”.

وأضاف بكار أن “المنطق والعقل والدين والأخلاق والفهم، جميعها تقول إننا لا نستطيع قتل إنسان بريء بدواعٍ طائفية”، معتبرًا أن العقل المتعصب وحده يقبل هذا.

نحن في المنظمة نعتبر أنفسنا حلف فضول ثقافيًا.

نبينا عليه الصلاة والسلام قال، (دُعيت في الجاهلية وحضرت في دار عبد الله بن جدعان إلى أمر)، كان معروفًا أن شخصًا يمنيًا استغاث بزعماء قريش، كونه شخصًا مظلومًا، إذ أكل أحد سادات قريش حقوقه، فاجتمع سادات قريش في الجاهلية، وكان معهم النبي محمد، وتعاهد أهل مكة على أن يقفوا مع المظلوم في وجه الظالم، (ما بلّ بحر صوفة).

ونحن نقول هذا في المنظمة، نحن مع المظلوم أيًا كان انتماءه ولغته وعرقه ومذهبه، ونحن ضد الظالم على طول الخط، وسنلتزم بقدر ما نستطيع، وبمقدار ما تسمح به الظروف.

د. عبد الكريم بكار

ليست لـ”التطبيع مع النظام”

وأكد بكار أن المنظمة ليست للتطبيع مع النظام السوري، كما صوّرها البعض، موضحًا أنها ليست مؤسسة سورية أساسًا، وهمومها ليست سورية بل سوريا جزء من همها، كونها تضم أشخاصًا من مختلف الجنسيات من دول عربية وأجنبية، كاليمن وليبيا والعراق ولبنان وتونس والجزائر وبريطانيا وقطر والنمسا وتركيا وغيرها.

وأشار بكار إلى أن المنظمة لا تسعى إلى التطبيع مع النظام السوري أو مع أي نظام آخر.

وبحسب بكار، لا تهتم المنظمة بتقريب الأفكار والمذاهب والعقائد، إذ لا علاقة لها بتوحيد الأديان أو بالدين الإبراهيمي الذي تراه غير صحيح أولًا، وغير ممكن التطبيق.

وأردف بكار أن المنظمة تؤمن أن لكل إنسان أن يعتقد ما يشاء، لكن لا يتخذ من معتقده منطلقًا لظلم الآخرين والجور عليهم والتكبر والتعالي والتهميش والإقصاء والحرمان من الفرص.

كيف سيتجاوز السوريون التمييز الطائفي؟

لن تعود سوريا كدولة ووطن للجميع إلا بذهاب الاستبداد، والنظام الظالم عنها، ولكن بعد هذه الخطوة لن تهدأ سوريا ويلتئم شمل الشعب السوري دون الوصول إلى العدالة الانتقالية، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها، بحسب ما أكده الدكتور عبد الكريم بكار.

العدالة الانتقالية هي العدالة التي يفترض الوصول إليها في بلد ما بعد تعرضه لأحداث كبرى كثورات أو حروب وغيرها.

وهي التي تعيد تأهيل المجتمع برمته لتمهد له الطريق ليصبح مجتمعًا صحيًا يحترم الجميع فيه الآخر، ويخلو من الانتقام والانتهاكات ردًا على ما مر به سابقًا، وينصرف إلى بناء البلد وتطويره.

تركز العدالة الانتقالية على وضع الضحايا وكرامتهم أولًا، ثم العمل على الالتزام المستقبلي بسلامة المواطنين العاديين في بلدانهم، وأن يكونوا في مأمن من انتهاكات سلطاتهم، وأن لهم حماية فعالة من الانتهاكات من قبل الآخرين.

وأوضح بكار أن حقوق السوريين منذ بدء انطلاق الثورة السورية لا يمكن أن تسقط بالتقادم، إذ “لا يمكن لشعب ذُبح منه نصف مليون إنسان أن نقول لهم كما يقال بالعامية (بوسو شوارب بعض وكل شيء انتهى)، هذا غير ممكن، لا نقبل به ولا نطالب به”.

وأضاف بكار أنه لا يكفي أيضًا أن تتم معاقبة المجرمين، مشيرًا إلى أنه لا بد من تعويض الضحايا، والتعويض قسمان معنوي ومادي.

ويتضمّن التعويض المادي، بحسب ما يراه بكار، رعاية الدولة الجديدة للأيتام والنساء والعائلات وذوي الإعاقة وكل متضرر نتيجة اندلاع الحرب.

بينما يشمل التعويض المعنوي، تأسيس الأجيال القادمة وتوعيتها بالأشخاص الذين ظُلموا، وتسجيل انتصارهم، كتسمية الساحات والشوارع والمدارس والجامعات والألوية العسكرية بأسماء الضحايا الذين قضوا خلال هذه السنوات دفاعًا عن المظلومين، “لنثبت للأجيال أننا في عهد جديد، وأن المظلوم عندنا يعوّض ماديًا ومعنويًا”.

تحقيق الأهداف قد يستغرق أجيالًا

ربط الدكتور عبد الكريم بكار تحقيق منظمة “متحدون ضد التعصب الطائفي” بقدر ما يتفهم الناس عملها، وبقدر ما تلقاه من المؤازرة من الناس، مضيفًا، “لكن إذا وقف من نأمل منهم المؤازرة موقف المتشكك والمعارض والمعاند، فبالتأكيد سيكون العمل بطيئًا”.

ويرى بكار أن المنظمة تدخل في معركة تغيير مفاهيم وأفكار وعادات وانطباعات، وهذه كلها بحسب ما يبلورها علماء الأنثروبولوجيا تسمى ثقافة، فهي تسعى إلى تغيير ثقافة سائدة في المنطقة وصاعدة في العالم.

وبحسب بكار، فالحديث هنا عن عمل استراتيجي بعيد المدى بعضه قد يستغرق أجيالًا، “ولكن حسبنا أن نبدأ”، لافتًا إلى أن إطلاق المنظمة أساسًا جاء متأخرًا.

ويعتقد بكار أنه كان يجب أن يتم إطلاقها منذ بدايات الربيع العربي، حتى لا تنحرف الثورات من وطنية، إلى ثورات ينقسم فيها الثوار أيديولوجيًا.

الدكتور عبد الكريم بكار

سوري الجنسية من مواليد محافظة حمص عام 1951، يعتبر أحد المؤلفين البارزين في مجالات التربية والفكر الإسلامي، يسعى إلى تقديم طرح مؤصل ومجدد لمختلف القضايا المتعلقة بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة والفكر والتربية والعمل الدعوي.

وللدكتور بكار حوالي 70 كتابًا في هذا المجال، لقي الكثير منها رواجًا واسعًا في مختلف دول العالم العربي.

ولبكار نشاط مكثف على صعيد المحاضرات والندوات الفكرية والثقافية والدورات التدريبية، ألقاها في عدد من البلدان العربية والغربية، بالإضافة إلى عدد من البرامج التلفزيونية والإذاعية التي بُثت على مختلف القنوات والإذاعات العربية.

الدكتور بكار حاصل على البكالوريوس من كلية اللغة العربية بجامعة “الأزهر” في عام 1973، وعلى الماجستير في 1975، وعلى الدكتوراه في عام 1979، من قسم أصول اللغة في جامعة “الأزهر”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة