بعضهم فقد عمله ومدّخراته دون جدوى

سوريون يائسون من دوّامة الحصول على بطاقة “الحماية المؤقتة”

camera iconسوريون ينتظرون داخل شعبة الأجانب في منطقة بيازيد بمدينة اسطنبول- 17 من أيار 2022 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

“حاولنا نطالع (كمالك) بس ما مشي الحال، تكلّفنا كتير وما استفدنا شي، لم نعد نريد”، بهذه الكلمات أعرب الشابان عبد الله (20 عامًا)، ورجب (19 عامًا)، في حديث لعنب بلدي، عن يأسهما من استخراج “كملك” (بطاقة الحماية المؤقتة) بعد محاولتهما لأشهر، ودفعهما مبالغ طائلة دون جدوى.

يدخل بعض السوريين الباحثين عن استخراج “الكملك” في تركيا بطرق قانونية، دوّامة من التحديات التي تحول بينهم وبين استخراجه، والسبب هو تعقيدات وأوامر متضاربة، وقد يصل الأمر إلى حدّ وجود سلوك تمييزي “عنصري” لبعض الموظفين، بحسب ما استنتجته عنب بلدي من شهادات مصادر حقوقية.

تلك الدوّامة يرافقها دفع مبالغ تثقل كاهلهم، وتفوق قدراتهم المالية، أو تستنزف مدّخراتهم، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى حدّ فقدانهم عملهم بسبب قضائهم وقتًا طويلًا وهم يلاحقون أوراقهم في مدن ومناطق بعيدة.

تعقيدات دوائر الهجرة

توجّه الشابان اللذان يعملان في معمل لإنتاج الحلويات العربية بمنطقة إسنلر (Esenler) بمدينة اسطنبول القسم الأوروبي، إلى مركز دائرة الهجرة للأجانب بمنطقة توزلا (Tuzla)، في قسم اسطنبول الآسيوي المعني بتيسير معاملات وأوراق السوريين بخصوص “الحماية المؤقتة”.

بَصم الشابان للحصول على “الكملك”، ومُنحا ورقة عليها رقم الهوية، وهو رقم التعريف الوطني يبدأ بـ”99″، وطُلب منهما الذهاب إلى ولاية إيلازيغ (Elâzığ) شرقي تركيا، لاستكمال استخراج “الكملك” منها.

سلّم الشابان أوراقهما لموظف في شعبة الأجانب بدائرة الهجرة بولاية إيلازيغ، التي تبعد عن اسطنبول مسافة ألف و210 كيلومترات (13 ساعة سفر تقريبًا)، وطلب الموظف منهما الحضور للتوقيع على أوراق كل أسبوع مرة واحدة على مدى شهرين حتى الحصول على بطاقة “الحماية المؤقتة”.

في الأسبوع الثالث، الذي صادف شهر كانون الأول عام 2021، منحهما الموظف موعدًا جديدًا امتد حوالي شهرين، يخولهما تسلّم “الكملك”.

عاد الشابان إلى شعبة الأجانب في إيلازيغ بالموعد المحدد، فأخذ موظف الشعبة الموعد منهما وأعطاهما موعدًا جديدًا بعد شهرين إضافيين.

بعد مرور شهرين، توجّه الشابان من اسطنبول إلى إيلازيغ، ليتفاجآ، في 11 من نيسان الماضي، بعدم منحهما بطاقة “الحماية المؤقتة”، بسبب عدم قدرة الولاية على منح “الكملك” للسوريين.

اتصل الشاب عبد الله بالرقم “157”، وهو رقم خصصته إدارة الهجرة للرد على شكاوى واستفسارات الأجانب المقيمين في تركيا على مدار الساعة وبعدة لغات، ليُطلب منه مراجعة دائرة الهجرة للأجانب بمنطقة توزلا.

ذهب الشابان إلى منطقة توزلا ودخلا المركز بعد انتظار لأربع ساعات في طابور امتد مئات الأمتار، فكان الجواب من موظف في الداخل، بأن المركز لا يمنح تحويلة أو تأشيرة الحصول على “الكملك” سوى مرة واحدة، وطلب منهما مراجعة المدينة السابقة وهي إيلازيغ.

عاد الشابان إلى شعبة الأجانب في إيلازيغ، فكان الرد بضرورة العودة إلى توزلا وأخذ تحويلة لولاية أخرى، فإيلازيغ لم تعد تمنح البطاقة المؤقتة للسوريين.

سوريون ينتظرون دخولهم إلى شعبة الأجانب في منطقة بيازيد بمدينة اسطنبول- 17 من أيار 2022 (عنب بلدي)

تكاليف تُثقل كاهل اللاجئ

عاد الشابان بخيبة أمل بعد عناء السفر ومشقّته وتكاليفه والتوقف عن العمل خلال هذه الفترة، واضطر كل منهما إلى دفع حوالي 7500 ليرة تركية، تكاليف سفر وعقد منزل وفتح فواتير للمنزل باسمهما في إيلازيغ، بالإضافة إلى توقفهما عن العمل، فالحضور كل أسبوع إلى إيلازيغ دفع صاحب العمل للتخلي عنهما منذ أول أسبوعين.

واستغرق السفر منهما يومين، عدا عن توقفهما عن العمل لليوم الثالث بسبب مشقة السفر، إذ تنقّل الشابان بين إيلازيغ ومدينة اسطنبول أكثر من مرة بسيارة نقل خاصة، ما اضطرهما لدفع مبلغ أكبر من تكلفة المواصلات العامة.

من جهته، غزوان (24 عامًا)، وهو شاب سوري يعمل في أحد مطاعم اسطنبول، ويقطن في تركيا منذ سنتين، قال لعنب بلدي، إنه اضطر لدفع تكاليف عمل حوالي خمسة أشهر لاستخراج “كملك” من ولاية نيدا (Niğde)، التي تبعد عن مكان عمله في اسطنبول حوالي 750 كيلومترًا (تسع ساعات سفر تقريبًا).

وذهب الشاب خلال فترة استخراج “الكملك” بشكل دوري كل أسبوع للتوقيع على أوراق ليُثبت أنه يقيم بمدينة نيدا، بمواصلات خاصة، واستخرج أوراقًا ثبوتية تخوّله الحصول على “كملك” من فاتورة كهرباء، وعنوان سكن، الأمر الذي شكّل عبئًا ماليًا على عاتقه.

أنفق الشاب أكثر من 14 ألف ليرة تركية على استخراج الأوراق، ورغم التكلفة التي دفعها، فإن وجوده خارج ولاية استخراج “الكملك” غير قانوني، كونه لا يملك تصريح عمل، والذي سعى لاستخراجه لكن قوبل بالرفض، بسبب عدم مضي ستة أشهر على منحه بطاقة “الحماية المؤقتة”.

غياب رقابة.. و”عنصرية”

الناشط السوري في قضايا حقوق اللاجئين طه غازي، أوضح لعنب بلدي أن حالة عدم التمكن من الحصول على “كملك”، رغم وجود تحويلة من توزلا إلى ولايات أخرى ليست فردية، إنما تكررت حتى باتت مسارًا شبه عام.

وعزا غازي تكرار مثل هذه الحالات إلى التناقض الموجود بسياسة رئاسة الهجرة بإدارة ملف اللجوء خلال الفترة الماضية، رغم أن الإعلان كان قائمًا بأنه من أخذ تحويلة من المركز الموجود بمنطقة توزلا بإمكانه الحصول على “كملك” من الولاية المتوجه إليها.

غياب الرقابة يخلق حالة من التخبط تجعل السوري الذي يريد استخراج “كملك” يعيش حالة من الضياع، بحسب الحقوقي غازي، إذ يرى أن الموضوع مبني أيضًا على منهجية ضمنية في بعض مراكز الهجرة عند بعض الموظفين، الذين يقفون وراء عدم تسهيل أمور اللاجئين السوريين فيما يتعلق ببطاقة “الحماية المؤقتة”.

ما يحدث من تعقيدات يؤكد أمرًا جوهريًا، وهو غياب سياسة “متابعة ورقابة لعمل الموظفين” ضمن رئاسة الهجرة، بحسب غازي الذي أشار في وقت سابق إلى أن قسمًا من موظفي رئاسة الهجرة “عنصريون”.

واستغرب الناشط من تعامل بعض موظفي دوائر الهجرة، إذ يُفترض من هؤلاء الموظفين الذين هم على احتكاك مع السوريين، في شُعب الأجانب ودوائر الهجرة ومراكز الترحيل، أن يكونوا على اطلاع على ما يعانيه السوريون من “عنصرية”.

قرب شعبة الأجانب في منطقة الفاتح بمدينة اسطنبول- 27 من أيار 2022 (عنب بلدي)

لا تمثيل للسوريين

بيّن الحقوقي غازي أن السوري في تركيا يحتاج إلى قوة قانونية ودعم من منظمات وهيئات، والأهم من أجل محاسبة جهة ما أساءت بحق السوريين، وجود سوري قوي، أو جهة سياسية تمثّل السوريين وتقف على متطلباتهم واحتياجاتهم القانونية، وغياب الجانب السوري يضعف القضية أمام الجانب الآخر.

فالحشد والمناصرة مطلوبان في قضايا اللاجئين السوريين، حتى لو كان الجانب التركي موجودًا، بحسب غازي الذي أبدى أسفه لغياب مناصرة وتمثيل المنظمات السورية للاجئ السوري في تركيا وتمثيل صوته وحقوقه، إذ يوجد العديد من المنظمات الناشطة ولكن التمثيل يقتصر على بعضها.

كما يرى غازي أن غياب دور الهيئات السياسية التي تمثّل السوريين في تركيا، والتي وضعت على عاتقها الوقوف إلى جانب السوريين، يعد “كارثة” للسوريين و”خيانة للثورة” بعد تضحيات استمرت على مدى 11 عامًا.

ودعا غازي كل من يتعرض لمثل هذه الحالات من السوريين، بعدم معالجة مطالبه أو أوراقه من قبل دائرة الهجرة رغم قانونية أوراقه واستكمالها، إلى اللجوء للمنظمات الإنسانية والحقوقية والهيئات الحقوقية التركية.

وينشط في تركيا العديد من المنظمات والهيئات الحقوقية والسياسية السورية، التي تتعرض للعديد من الاتهامات والانتقادات، منها غياب دورها وعدم فاعليته أمام العديد من القرارات والإجراءات التي تراوحت بين فرض إذن السفر، وشروط جديدة للإقامة السياحية، وعدم منحها للوافدين حديثًا، وصولًا إلى تجميد بطاقة “الحماية المؤقتة” (الكملك).

سوريون في تركيا

ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و763 ألفًا و447 لاجئًا سوريًا، وفق أحدث إحصائية للمديرية العامة لإدارة الهجرة التركية، حتى تاريخ 19 من أيار الماضي.

وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، قال خلال لقاء تلفزيوني، في 22 من آذار الماضي، “إنه نتيجة للدراسات التي أجراها ضباط إنفاذ القانون، فقد تقرر أن 80% من اللاجئين يعيشون في العناوين التي حددوها، والحملة مستمرة لتصل إلى معدل 90%”، وأشار صويلو إلى أن ما بين 120 و130 ألف سوري لم يتم العثور عليهم في عناوينهم خلال هذه الحملة.

وفي 3 من أيار الماضي، صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن مساعي الحكومة التركية لإعداد مشروع لضمان عودة مليون لاجئ سوري “عودة طوعية” إلى بلادهم، بحسب ما نقلته قناة “A Haber” التركية.

وجاءت تصريحات أردوغان عبر مكالمة فيديو، خلال مراسم تسليم مفاتيح منازل “الطوب” في مدينة إدلب، بالتنسيق مع إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد)، وبحضور وزير الداخلية التركي، وقال إن الحكومة التركية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني التركية والعالمية، تسعى لإنشاء مشروع سكني وخدمي كامل.

وبحسب تصريحات وزير الداخلية التركي، في 20 من أيار الماضي، بلغ عدد اللاجئين السوريين العائدين “عودة طوعية” إلى بلادهم حتى الآن نحو 500 ألف لاجئ، وذكر صويلو، في اجتماع “اتحاد جمعيات أسنيورت للبحر الأسود”، أن عدد اللاجئين السوريين العائدين “عودة طوعية” يتراوح بين الـ400 و500 شخص في الأسبوع، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول“.

وأعلن صويلو ترحيل سلطات بلاده 19 ألفًا و336 لاجئًا سوريًا منذ 2016 لأسباب أمنية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة