“مكان التولد” لا يرحم السوريين المجنسين في البنوك التركية

camera iconأشخاص يقفون خارج أحد أفرع بنك إيش في اسطنبول- (بلومبيرغ)

tag icon ع ع ع

“لم أتوقع أن أعامل بعنصرية بسبب كلمتين كتبتا على جواز سفري (تولد حمص)”، هذا ما قالته هناء سكري حين واجهت “رفضًا عنصريًا” من قبل موظف أحد البنوك في اسطنبول رغم حصولها على الجنسية التركية.

بدأت الحكومة التركية منذ حوالي خمسة أعوام، بمنح الجنسية التركية لللاجئين السوريين المقيمين في بلادها، وفقًا لقرارات الجنسية الاستثنائية التي ينص عليها الدستور التركي.

وجاء قرار التجنيس بعد أن أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أول تصريح له في 2 من تموز 2016، قائلًا في مأدبة إفطار في مدينة كلّس جنوبي لبلاد، إن “تركيا وطن للسوريين القادمين من سوريا (…) وإن كان بينهم من يرغب أن يصبح مواطنًا تركيًا، سنمنح إخوتنا السوريين الجنسية، وسنتمكن من متابعة القضية من خلال مكتبٍ أسسناه”.

ومع تصريحات منح السوريين الجنسية التي أطلقها أردوغان، انقسم الشارع التركي إلى رافضين لهذه الخطوة، بينما اعتبر القسم الآخر السوريين “أخوة” لهم.

وازدادت حدة الرفض من قبل المعارضة، والتي طالبت بإطلاق استفتاء شعبي حول القبول بمنح الجنسية للسوريين أم لا.

وتصاعد خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين في تركيا في الأشهر الأخيرة، من مسؤولين وسياسين معارضين، وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

غياب الوضوح من قبل الحكومة التركية وعدم فهم الشارع التركي للجنسية الاستثنائية، أدى إلى حدوث حالات تمييز من قبل بعض موظفي المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص في المعاملة بين السوريين المجنسين والمواطنين التركي.

وهذه الحالات ليست ظاهرة عامة تطغى على الشارع التركي، فبحسب ما رصدته عنب بلدي من قصص سوريين مجنسين، لم يتعرضوا إلى حالات من التمييز بينهم وبين المواطنين الأتراك في البنوك.

ضعف اللغة التركية عند بعض المجنسين يؤدي في بعض الحالات إلى تعرضهم للعنصرية واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية من قبل الموظفين، وفق ما قالوه لعنب بلدي.

أما القسم الآخر من المجنسين أشاروا إلى أن قدرتهم على التحدث باللغة التركية يزيح الأنظار عن كونهم سوريي الأصل.

القانون التركي لا يميز بين تركي الأصل من والدين أتراك أو أجنبي حاصل على الجنسية التركية عن طريق الجنسية الاستثنائية أو عن طريق الاستثمار العقاري في تركيا.

التمييز في المعاملات البنكية

هناء سكري، محامية سورية، لجأت من مدينة حمص إلى ولاية اسطنبول في 2013، كانت تقيم في الولاية تحت بطاقة “الحماية المؤقتة”، حتى عام 2018 عند حصولها على الجنسية التركية.

كان تعاطي هناء مع البنوك قبل حصولها على الجنسية التركية، يقتصر على بنكين هما بنك “ziraat” وبنك “Kuveyt Türk” وذلك بسبب سماح هذين البنكين فقط، لحاملي بطاقة “الحماية المؤقتة” فتح حساب بنكي، بحسب ماقالته في حديث لها مع عنب بلدي.

“بعد تجنيسي قصدت أحد أفرع بنك “İş” (العمل) لفتح حساب بنكي، لتسيير أمور دفع إيجار منزلي الذي أسكنه في اسطنبول، وكان برفقتي أحد معارفي من الأتراك ليساعدني في الترجمة في حال عدم استطاعتي شرح ما أريد”، تتابع هناء في نقل تجربتها في البنك، “لغتي التركية على قدها، أفهم ولكن لا أستطيع التحدث بطلاقة”.

غرابة الأسماء أحد الأسباب

“حصلت على ورقة الدور كأي عميل، وعند ظهور رقمي على الشاشة، توجهت إلى الموظف وأعطيته هويتي التركية، موضحةً طلبي بفتح حساب بنكي، ليرمقني بنظرة لم أستطع تفسيرها غير أنها انتقاص من شخصي”، تشير هناء إلى نظرات الموظف إلى لباسها وطريقة لفها لحجابها، وتكمل “نظر إلي وإلى اسمي في الهوية، وأجابني نحن لا نستقبل عملاء أجانب، حساباتنا فقط للمواطنين الأتراك”.

وذكرت هناء أن اسمها كُتب وفق جواز سفرها السوري والذي وردت تهجئته باللغة الإنجليزية.

تسجيل الاسم والكنية في الأنظمة المتعلقة بتنفيذ قانون الجنسية التركية رقم “5901”

– يمكن للأجانب المقدمين على طلب الجنسية التركية أن يغيروا اسمهم أو كنيتهم إلى تسميات تركية.

– وفي حال أراد الشخص الإبقاء على اسمه الأجنبي، فيجب أن يكتب بالأحرف التركية، وفقًا للقانون رقم 1353، المتعلق بقبول الأحرف التركية وتطبيقاتها، ويسجل في سجل العائلة أيضًا.

– ويسجل الاسم الأولي (الاسم) على ألا يتجاوز كلمتين، ومن دون كتابة الاختصارات.

– أما بالنسبة للكنية فيراعى فيها الأسس الموجودة ضمن قانون الكنية التركية، وعلى أن تكون كلمة واحدة، مع شرط ألا يفصل شيء بين الاسم والكنية مثل خط أو نقطة أو أي إشارة.

لكن عدم الوضوح في الإجراءات وعدم الإعلان عن الخطوات من قبل الحكومة في وقت سابق، أدى إلى حالة من الغموض بين السوريين المتقدمين بطلب للتجنيس، الأمر الذي أسهم باختلاف كتابة أسمائهم، فهنالك من كُتب اسمه بحسب جواز سفره السوري، أما من لا يملك جواز سفر اعتمد اسمه بعد ترجمة هويته السورية إلى اللغة التركية.

التباين بين الطرق المعتمدة في كتابة الأسماء للمجنسين، أدى إلى عدم فهم بعض الأسماء المكتوبة واستحالة قرائتها من قبل الأتراك.

اختلاف الأسماء بين المجتمعين، أمر طفى على السطح في حالة السوريين المجنسين، فالمجتمع التركي يعتمد الأسماء التركية والإسلامية، أما المجتمع السوري فيسمي بأسماء عربية.

مكان التولد

أشارت هناء إلى سؤال الموظف لها عن مكان تولدها، وإجابتها له بأن تولدها في مدينة حمص في سوريا، وقالت “جاءني الرد من الموظف أنني سورية الأصل، وأنه لا يستطيع استكمال معاملتي لفتح الحساب، لكنني أجبته أن ما يقوم به مخالف للقانون ولا يمكنه التفرقة بيني وبين المواطنين الأتراك” توضح معرفتها المسبقة بالقانون التركي وقوانين البنك.

عند إصرارها على حقها، أوضحت هناء أن الموظف طلب منها الانتظار لمشاورة مدير الفرع، والذي أكد فيما بعد عدم السماح لها بفتح حساب كونها سورية الأصل.

لم يقتصر سوء المعاملة على موظف البنك، بل امتدت للنظرات العنصرية والمعاملة السيئة وعدم تقديم المساعدة حتى من قبل موظف الأمن، تصف هناء معاناتها وتعرضها للعنصرية بسبب مكان تولدها أو اسمها.

وبحسب هناء، تابع الموظف بمعاملته السيئة وكلامه العنصري قائلًا “يمكنك الذهاب إلى فرع أسنيورت والتقدم بطلب في أحد الأفرع هناك، لن تستطيعي فتح حساب في حي الفاتح، فأنت سورية”، مستغربة من اعتبارها مواطنة من الدرجة الثانية.

التعامل يختلف بين الأفرع البنكية

قالت هناء إنها لم تنصت إلى ما قاله الموظف وذهبت إلى فرع آخر في حي الفاتح، فهي تسكن هذا الحي ومن حقها التقدم بطلب في أي فرع تريده.

“لم أتوقع أن الاختلاف في المعاملة سيكون بهذا القدر، لم يكتفِ موظف هذا الفرع بفتح حساب لي ومعاملته الحسنة معي واستقبالي بكل احترام وتقدير، بل قدم لي المساعدة في تحميل التطبيق المخصص للبنك وتفعيله، بالرغم من أن هذه الخطوات ليست من مهامه الوظيفية”، تشير هناء إلى أن التعامل يختلف من فرع إلى آخر.

لم يقتصر الرفض على فتح حساب بسبب جنسيتي الأم، على أحد أفرع بنك “İş” (العمل) الخاص في تركيا، بل رُفض طلبي في أكثر من فرع تابع لبنك “ak”، على الرغم من المبلغ الكبير الذي كنت سأودعه في البنك، لفتت هناء إلى أن المبلغ والمعاملات التي كانت ستجريها لم تلقَ اهتمامًا من قبل الموظفين.

عنب بلدي تواصلت مع بنك “ak” بصفة عميل، للحصول على المعلومات حول شروط فتح الحساب في شعبهم.

موظف الاستعلامات أجاب بأن أي مواطن تركي يستطيع فتح حساب في أي فرع يريد، وليس عليه سوى الحضور إلى الشعبة واصطحاب بطاقته الشخصية.

أما عند السؤال عن الرفض الذي تعرضت له السيدة هناء، أجاب الموظف “إن كان فرع أو أكثر لم يقبل فتح حساب لثنائي الجنسية من أصل سوري، فهذه هي سياسة البنك، ولا يمكنه إعطاء أي معلومات أخرى”.

ما الجنسية الاستثنائية؟

يتيح القانون التركي للأجانب إمكانية الحصول على الجنسية التركية بشكل استثنائي بغض النظر عن الشروط الأخرى المطلوبة في الحصول على الجنسية بشكل عام، بشرط عدم وجود عائق على صعيد الأمن القومي والنظام العام.

ويكون ذلك باقتراح من وزارة الداخلية أو مجلس الوزراء، للحالات المذكورة في المادة 12 من قانون المواطنة التركي، وهي:

– الأشخاص الذين يجلبون منشآت صناعية إلى تركيا أو الذين يؤدون خدمات استثنائية في المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والثقافية والفنية.

– الأجانب الذين لديهم تصريح إقامة وفقًا للفقرة الفرعية (j) من الفقرة الأولى من المادة 31 من قانون الأجانب والحماية الدولية، بتاريخ 4 نيسان 2013 ورقم 6458، والأجانب الذين يحملون البطاقة التركوازية وأزواجهم الأجانب، وأطفالهم.

– الأشخاص الذين يُرى أن منحهم الجنسية أمر ضروري.

وبلغ عدد السوريين الحاصلين على الجنسية بعد استيفائهم المعايير المطلوبة، 200 ألف و950 شخصًا، من بينهم 113 ألفًا و654 بالغًا، بينهم 60 ألفًا و930 رجلًا و52 ألفًا و724 امرأة، فيما وصل عدد الأطفال إلى 87 ألفًا و296، بحسب تصريحات وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة