تعا تفرج

عمرو سالم والبزر المحمّص

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

نشرت صحيفة “عنب بلدي”، خلال الأسبوع الماضي، موضوعًا عن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السوري، عمرو سالم، وولعه بإطلاق التصريحات، ثم التراجع عنها، فهو يُجهد نفسه ووزارته بإعداد تسعيرة كيلومترية للسفر بين المحافظات، مثلًا، وما إن تصدر التسعيرة، وتُوزع على وسائل النقل العامة، حتى يكتشف أنها “مو ظابطة”، فيصدر أمرًا بإلغائها، وهكذا.

هذا الموضوع أعادني بالذاكرة إلى أيام الصبا، حيث كنا نعيش حالة من الاكتفاء الذاتي، ولا نشتري من السوق سوى أشياء بسيطة، وكنا، كذلك، مولعين بـ”فصفصة البزر”.

كانت الحياة، في تلك الأيام، جد بسيطة، نأخذ القمح إلى الطاحون، ونعود بالدقيق إلى البيت، ونضعه في “الكوارة”، وحينما يوشك خبزُنا على النفاد، تسارع الوالدة والشقيقات إلى إنزال كمية طحين من فوهة الكوارة، ويعجنَّها، ويخبزنها على التنور، ونحن، الأولاد الكثيرين، نأكل مع الخبز مما يوجد في البيت، من زيت، وزعتر، وعدس، وبرغل، وفريكة، ودبيركة، وإذا أردنا أن نتحلى، كانت الوالدة تصنع لنا خبيصة بالدبس، أو تخلط السمسم بالدبس، مع قليل من السمن، وتقليه، وتبرده، فتنتج عن هذه الخلطة حلوى قاسية، ودبقة، أطلقنا عليها اسمًا غريبًا هو “قرمُش مرمُش”، وإذا أردنا أن نتملح، كنا نلجأ إلى تحميص البزر، ولا تظنن أننا كنا نشتري البزر من السوق، بل نستخرجه من البطيخ الشمام والجَبَس الذي يأتينا من أراضي الوالد، ننظفه، ونغسله، وننشفه تحت أشعة الشمس، وبعدها نشعل بابور الكاز، ونضعه في المقلاة، ونحركه بخاشوقة من الخشب، حتى يتقمر، ونسكب فوقه الملح المذاب بالماء، وبعد ذلك نخبئه في قطرميز بلور، ونأخذ منه أولًا بأول، ونفصفص، فنستمتع، ونتسلى.

كان لنا صديق من النوع المضطرب، المتردد، يعرض علينا فكرة، ويقول: لا، ليس هذا قصدي، ويعرض علينا فكرة أخرى، أو يعلمنا أنه مسافر إلى حلب، ويخرج، ولكنه يعود ويقول: أنا رايح لإدلب، أو: لا ضرورة لسفري، يعني، هكذا، مثل الوزير عمرو سالم، طبق الأصل، وكنا نمازحه فنقول له عبارات متنوعة من قبيل: أنت عقلك ياخد ويعطي، أو: عقلك يخضّ، أو عقلك ترالا لا لي، وأحيانًا نقول له، بعد أن نحلف له يمينًا معظمة، إن تصرفاته تسلّي الإنسان أكثر من نصف كيلو بزر بطيخ محمّص.

والحقيقة أن الحقبة الزمنية الأخيرة قد أفرزت مجموعة من الشخصيات التابعة لنظام الأسد، نستطيع أن نطلق عليها صفة “كوميدية” ونحن مرتاحو الضمير، منهم الوزير عمرو سالم، وعضوا مجلس الشعب خالد العبود ومحمد قبنض، بالإضافة إلى الأمين الإقليمي لحزب “البعث” الرفيق هلال هلال، وهذا الأخير أعجبني في مسألة، وهي أنه لا يخطب بطريقة السرد المتواصل المعروفة، بل يتَّبع الطريقة التفاعلية مع الجمهور، التي يعود الفضل في تأسيسها للمرحوم الشيخ متولي الشعراوي، الذي كان يشرح الطريقة الشرعية لضرب المرأة، مثلًا، فيسأل الحاضرين: اللواتي تخافون إيه؟ فيقولون: نشوزهن. فيقول: فـ إيه؟ فاضربوهن. وهذا هلال يسأل الحاضرين: سعر ليتر المازوت عندنا قديش؟ فيقولون 1700 ليرة، ووقتها يحلف لهم على المصحف أن الليتر بره سوريا بـ4000!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة