مزادات حكومية “باطلة” قانونًا لاستثمار أراضي الغائبين بحماة وإدلب

camera iconسوق الفستق الحلبي في مدينة مورك بريف حماة – 28 تموز 2018 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- ديانا رحيمة

“عندما خرجنا من أرضنا، لم تكن لنا أي علاقة بالعسكرة، ولم ننضم إلى أي فصيل من الفصائل، ولا توجد أي تهمة جنائية ضدنا، التهمة الوحيدة بحقنا أننا أصحاب أرض”، هذا ما قاله علي الحسن (40 عامًا)، من أبناء قرية الهلبة في منطقة معرة النعمان بمحافظة إدلب.

علي، الذي هُجّر من أرضه، والمقيم حاليًا في مخيمات “حربنوش”، أضاف لعنب بلدي، “نحن من بلدة تقع في ريف معرة النعمان من الجنوب الشرقي، تم تهجيرنا منها على يد قوات الأسد في مطلع عام 2020، وتم الاستيلاء على أرضنا التي كانت تصل مساحتها إلى 150 دونمًا أي 15 هكتارًا”.

ويعيش العديد من أصحاب تلك الأراضي في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام السوري، ما يبيح للنظام استغلال غيابهم، والاستيلاء عليها، بحسب ما قاله بعض مالكي الأراضي لعنب بلدي.

كان لدى علي عشرة هكتارات من أراضيه، مشجرة بالفستق الحلبي واللوز والجوز، ومخدمة بآبار مياه، وكانت مصدر رزقه الأول.

بعد فترة من نزوحه، فوجئ علي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأن النظام عرض ملكية الأراضي التي هُجّر أهلها منها للاستثمار.

وأردف أن ما يحدث لأرضه هو استيلاء عليها بالقوة، تحت مسمى الاستثمار من قبل “شبيحة” النظام، عدا أن أكثر تلك المناطق تعرضت الأشجار فيها للقطع والاقتلاع، واستُخدمت كحطب للتدفئة.

وكانت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في محافظة إدلب، أعلنت عن بدء مزاد لاستثمار أشجار الفستق الحلبي، اعتبارًا من 2 من حزيران الحالي وحتى 15 من الشهر ذاته.

ويشمل المزاد مناطق منها: مدينة خان شيخون ومزارعها، بلدة التمانعة ومزارعها، موقا، الهبيط، كفر سجنة، حيش کفرباسین، صهيان، التح، تحتايا، أم جلال، الهلبة، الرفة، الخوين، السكيك، قليعات الطويبة، أبو دالي المشيرفة، أم تريكية، تل مرق، الطامة، تل الكرام، النيحة، رجم المشرف، أم خزیم معصران، البرسة، أبو دفنة، القراطي، الهلبة مزرعة الشيخ حسن، جرجناز، السرج، أم مويلات، الشيخ بركة، معراتة، حران، تل الطوفان، حميمات، المرندية، الشوحة، تل الرمان، الخواري.

وحددت الوزارة مدة العمل بموسم زراعي واحد.

كما وضعت الأمانة العامة لمحافظة حماة إعلانًا عن قبول طلبات الاشتراك بالمزاد العلني لاستثمار أشجار الفستق الحلبي، اعتبارًا من 30 من أيار الماضي ولغاية 7 من حزيران الحالي.

وشمل المزاد مناطق مورك، لحايا، کفرزینا، لطمين، اللطامنة، ومناطق أخرى لم يجرِ تحديدها.

واشترطت الأمانة في البيان الذي حصلت عنب بلدي على نسخة منه، بأن على الراغبين بالتقدم للمزاد، مراجعة دائرة العقود في الأمانة العامة لمحافظة حماة للحصول على الإضبارة الفنية لقاء مبلغ 35 ألف ليرة سورية.

ولا يحق للعارض إدراج أكثر من منطقة عقارية ضمن الطلب الواحد، بحيث يتضمّن الطلب منطقة عقارية واحدة فقط.

كما يمكن لأقارب أصحاب الأراضي حتى الدرجة الرابعة من جهة الأب، الذين قدموا طلب اشتراك بالمزاد، وسددوا التأمينات الأولية، وبعد انتهاء مزاد الأرض العائدة لقريبهم، وفي أثناء جلسة المزاد، إبداء الرغبة باستثمار الأرض بالسعر النهائي للمزاد، وفق تسلسل درجة القرابة، بشرط إرفاق الثبوتيات اللازمة.

موفق الأحمد، أحد أبناء ناحية التمانعة (45 عامًا)، وهو مقيم في مخيم “حربنوش”، قال لعنب بلدي، خرجنا من أرضنا منذ ثلاث سنوات، وكنا نزرعها بالكمون والعدس والحمّص والشعير والحنطة، ولكن قوات الأسد حاصرت المنطقة واستولت على الأراضي، و”صاروا يقومون بتحويش (جني) مواسم الفستق والزيتون” في أثناء سيطرتهم عليها.

وكان لدى موفق ما يقارب 450 شجرة فستق حلبي مثمرة، مؤكدًا أنه حتى مع عودة بعض ملاك الأراضي من أقربائه منذ حوالي الستة أشهر، يرفض النظام منح مالكيها الأرض على اعتبار أنهم وصلوا متأخرين.

متى توضع الأراضي في المزاد

عنب بلدي سألت المحامي أحمد صوان حول قانونية المزادات، فأجاب أنه لا يمكن معرفة قانونية وضع الدولة لهذه الأراضي بالمزاد العلني إلا بمعرفة المالك القانوني لكل أرض، وفق السجل العقاري.

وأضاف صوان، إذا كانت الأراضي تعود لأملاك الدولة، فإن من حق الدولة تأجيرها، وأما إذا كانت ملكية خاصة للأفراد فلا يجوز للدولة ولا لأي جهة أن تستثمرها أو تعلن عن تأجيرها، لأن ذلك يعتبر اعتداء على ملكية شخص دون إرادته، وهو انتهاك لحقوق الملكية، والقانون المدني ينص في المادة “768” على أن “لمالك الشيء وحده، في حدود القانون، حق استعماله، واستغلاله”، وحق الملكية هو حق دائم، لا يسقط بعدم الاستعمال مهما طال الزمن.

كما أن هذا التأجير هو انتهاك للدستور السوري الحالي، الذي نص في المادة الـ”15″، على أن الملكية الخاصة مصونة وفق أن المصادرة العامة في الأموال ممنوعة، ولا تُنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقًا للقانون.

وأوضح صوان، أن الأصل في حق استثمار هذه الأراضي يعود لمالكها، إن كان موجودًا في موقع الأرض، فإن كان مسافرًا فإنه يستطيع توكيل أي شخص يثق به لدى الكاتب العدل بالدولة الموجود بها، أو في القنصلية السورية.

ويقوم هذا الوكيل باستثمار العقار نيابة عن المالك، ولا يحق لأي جهة أن تعارضه باستثمار الأرض أو استعمالها.

وأما إن كان مالك الأرض مفقودًا أو غائبًا ومجهول العنوان، فإن باستطاعة أي شخص من أقاربه أن يحصل على وكالة قضائية عن الغائب من القاضي الشرعي بإجراءات سهلة وبسيطة.

وتخوله الوكالة التصرف بالأرض واستثمارها ورعايتها بالحراثة والسقاية، على أن يمسك حسابًا بالنفقات والإيرادات، ليقدمه للغائب في حال عودته، أو لورثته بعد ثبوت وفاته.

وأما قيام وزارة الإدارة المحلية بإعلان المزادات العلنية لاستثمار أشجار الفستق الحلبي، فهو إجراء باطل لا يستند إلى أي نص قانوني، بحسب صوان.

كما أن العبارة التي وردت في أول سطر من الإعلان، “استئناسًا بأحكام القانون 51/2004”، فهي لا تعتبر مستندًا قانونيًا، لأن هذا القانون لا يتضمن أي مادة تبيح للجهات العامة المصادرة أو وضع اليد على أملاك الأفراد.

ويحق لأصحاب الأراضي التقدم للمزاد، بتوكيل أحد الأشخاص بموجب وكالة بالكاتب العدل من أي دولة يقيمون بها لينوب عنهم بالتقدم للمزاد.

وتابع صوان، أن إعلان المزاد العلني للاستثمار لموسم زراعي واحد، لا يتضمن التصرف بملكية الأرض، وتبقى الأرض مسجلة باسم مالكها في السجل العقاري، ومن سيأخذ الأرض بموجب هذا المزاد، سيأخذها لمدة سنة واحدة، وسيتركها بعد جني الموسم، كما هو محدد بالإعلان.

الذمم المالية والمساكن العسكرية

تدخل العقارات والمحال التجارية المزاد العلني نتيجة الحجز عليها بعد عدم وفاء مالكيها ذممهم المالية، وفق قانون أصول المحاكمات المدنية السوري.

وقد يكون الحجز على المساكن التابعة لمؤسسة “الإسكان العسكري” بسبب ملكيتها من قبل ضباط منشقين، فتدخل المزاد العلني ليتم بيعها.

ولا يمكن بيع العقار في المزاد العلني إلا بعد تسجيله في السجل العقاري، وفق الأحكام الناظمة للسجل العقاري رقم “188” لعام 1926.

ويعجز المزارعون النازحون من مناطق ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي عن الوصول إلى أراضيهم المشجرة بالفستق الحلبي وأشجار الزيتون، بسبب سيطرة قوات النظام على المناطق الموجودة فيها.


شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في ريف حماة إياد عبد الجواد



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة