اختراق عفرين.. “تحرير الشام” توسع فارق القوة داخليًا وتوجه رسائل خارجية

camera iconمقاتلون في "هيئة تحرير الشام" على جبهات ريف حلب الغربي- 11 من آذار 2022 (المراسل العسكري)

tag icon ع ع ع

أثارت الاشتباكات والاقتتال بين مكوّنات في “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، في مناطق ريف حلب مؤخرًا، جدلًا واسعًا وتوترًا أمنيًا أسفر عن تسجيل خسائر وإصابات في صفوف العسكريين والمدنيين.

التوتر الأمني لم يقتصر على مناطق ريف حلب، إذ توجّهت أرتال من “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب إلى مناطق حلب بحجة “وقف الاقتتال”، حسب بيان لها.

ورافق التوتر العسكري بيانات عديدة من سلطات عسكرية ودينية مفادها شرعنة الاشتباك على أنه تنفيذ لقرارات لجان وطنية، وبيانات رافضة وصفت الاشتباكات بأنها “تعدٍّ وبغي”.

وطُرحت العديد من التساؤلات حول مكاسب أو رسائل أو مصالح “تحرير الشام” من إرسال قوات إلى ريف حلب، وتأثير دخول قواتها على سياسات تركيا في المنطقة.

ماذا حدث؟

شهدت عدة قرى بريف حلب الشرقي اشتباكات بين فصيل “أحرار الشام- القاطع الشرقي” (الفرقة 32) و”الفيلق الثالث” (الجبهة الشامية)على خلفية توتر وخلاف منذ أشهر بعد محاولة “الفرقة 32” الانشقاق عن “الفيلق الثالث”.

واستمرت الاشتباكات يومًا ونصف يوم، بدأت السبت 18 من حزيران الحالي، وأسفرت عن تسجيل قتلى ومصابين لم يتم توثيقهم من مصدر رسمي، في حين تناقلت عدة شبكات محلية أسماء قتلى ومصابين من كلا الطرفين وفي صفوف المدنيين أيضًا.

وانقطعت العديد من الطرق المؤدية بين عدة قرى والواصلة بمدينة الباب، كما هاجم الطرفان مقرات ونقاط رباط تابعة للطرف الآخر، تخللتها عمليات أسر لعناصر من كل طرف.

ونشرت الشبكات المحلية تسجيلات مصوّرة عن وقوع عدة عناصر من “الفيلق الثالث” أسرى بيد “أحرار الشام- القاطع الشرقي”، بالإضافة إلى تسجيلات مصوّرة لبعض عناصر “القاطع الشرقي” باعتزالهم القتال.

تنفيذ أوامر أم بغي وسلطوية؟

عضو مكتب العلاقات العامة في “الفيلق الثالث” هشام اسكيف، أوضح لعنب بلدي أن ما حدث ليس اقتتالًا إنما تنفيذ لقرارات “اللجنة الوطنية للإصلاح”، المنبثقة عن وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”.

وما حدث وفق اسكيف هو توافق مكوّنات “الجيش الوطني” (الفيالق الثلاثة) ووزير الدفاع، نتيجة تداعيات للإشكالية الحاصلة بين الطرفين منذ أشهر، والتي تدخلت فيها “اللجنة الوطنية للإصلاح” بعد أن اتفق الطرفان على الاحتكام إليها.

ورفض بعض المنشقين من “الفرقة 32” تنفيذ قرارات اللجنة التي قبلوا بها والملزمة للطرفين، وبعد عدة محاولات لترجيح لغة الحوار والعقل، أرادت بعض الأطراف جر المنطقة إلى “أحلامها السلطوية”، وفق اسكيف.

استدعى الأمر خروج قوات مشتركة من الفيالق الثلاثة وبأوامر من وزير الدفاع لتنفيذ قرارات اللجنة وليس للاقتتال.

من جهتها، أصدرت “حركة أحرار الشام الإسلامية” بيانًا دعت فيه قيادة “الفيلق الثالث” إلى التوقف الفوري عن قتال فصيل “أحرار الشام- القاطع الشرقي”، في 18 من حزيران الحالي.

وطلبت الحركة من قيادة “الفيلق الثالث” التوقف الفوري عما وصفته بـ”الممارسات اللامسؤولة”، وحمّلتها وجميع من تسبب في هذا التصعيد مسؤولية التبعات التي ستترتب على هذا السلوك.

ودعت الحركة عناصر ومقاتلي “الجبهة الشامية” إلى اعتزال هذا القتال والتزام الحياد خلال التطورات المقبلة.

“تحرير الشام” على الخط

توجّهت أرتال عسكرية تتبع لـ”هيئة تحرير الشام” نحو مناطق ريف حلب، ودخلت من معبر “الغزاوية” باتجاه منطقة عفرين شمالي حلب إلى قرية الباسوطة بعدد تجاوز 400 آلية، وعدد الآليات في الأرتال التي دخلت من معبر “دير بلوط” تجاوز 350 آلية.

“تحرير الشام” التي لم تشترك أرتالها وجنودها بالقتال، لم تنسحب من المنطقة حتى توقف إطلاق النار بين الفصائل مع ورود أنباء تفيد عن بوادر اتفاق مفاده بقاء كل فصيل من الفصائل المتقاتلة في مقرّاته ونقاط رباطه.

وفي 19 من حزيران الحالي، أصدرت “الهيئة” بيانًا ذكرت فيه أنها دفعت بكل قوة لإيقاف ما يجري من اقتتال، وأن تدخّلها جاء “منعًا لجر الساحة إلى جولات اقتتال داخلي عبثية”، بالإضافة إلى “الضغط على الأطراف لضرورة التفاهم وتحكيم لغة العقل، بعيدًا عن لغة السلاح”.

ورغم تأكيد “تحرير الشام” انسحاب قواتها التي توجّهت إلى مناطق ريف حلب جراء الاشتباك، فإن تعزيزات جديدة دفعت بها “الهيئة” إلى قرية باصوفان شمالي حلب، وثبتت فيها ثلاث نقاط عسكرية، بحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من قيادي في فصيل “فيلق الشام”.

اقرأ أيضًا: “تحرير الشام” تعزز مواقعها على تخوم مناطق “الجيش الوطني” شمالي حلب

انتقادات واتهامات متبادلة

ترافقت الاشتباكات بإصدار عدة بيانات من مؤسسات عسكرية ودينية، منها إصدار وزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” بيانًا، في 19 من حزيران الحالي، دعت فيه جميع التشكيلات العسكرية المتخاصمة إلى تنفيذ قرار “اللجنة الوطنية للإصلاح” والتوقف الفوري عن الاحتكام للسلاح، والاستعانة بأطراف خارج المؤسسة العسكرية من أجل تنفيذ “أجندات غير ثورية”، حسب وصفها.

وناشدت الوزارة جميع المكوّنات “الثورية” في مناطق سيطرتها من مدنيين وعسكريين الوقوف في وجه كل من يريد العبث بأمن واستقرار المنطقة.

وبنفس اليوم، أصدر “المجلس الإسلامي السوري” بيانًا، اعتبر فيه أن التحرك العسكري لـ”هيئة تحرير الشام” نحو مناطق “الجيش الوطني”، “بغي محرّم بشكل قطعي”، وناشد عناصر “الهيئة” ألا يكونوا “بغاة”.

ودعا “المجلس الإسلامي” مكوّنات “الجيش الوطني” لصد “العدوان كونه واجبًا شرعيًا”، بحسب البيان، الذي حمّل “عدم قبول البعض” قرارات “لجنة الإصلاح” مسؤولية الاشتباكات، داعيًا جميع الفصائل للالتزام بها، وتوجيه السلاح نحو النظام السوري.

من جهتها، انتقدت “تحرير الشام” وشرعيوها موقف “المجلس الإسلامي السوري” في فتواه الأخيرة حول الاقتتال، ودعته لأن يكون منبرًا للإصلاح “لا لبث الفتنة”، مشيرة إلى أن “الفتوى أمانة، وتسييسها خيانة لإرث العلم وأهله”.

ودعت “الهيئة” “المجلس الإسلامي” إلى الكف عن استخدام مسمى “المجلس” و”تأليب الفصائل ضد بعضها تحت دوافع وثارات”، مضيفة أن أعضاء “المجلس الإسلامي” يحملون في كل مرة “كفل الدماء” بفتاويهم “العابرة للحدود”، وهم يسكنون خارج المنطقة “آمنين”، بحسب تعبير البيان.

توسيع فارق القوة.. تنبيه لتركيا

الباحث في مركز “جسور للدراسات” والمحلل السياسي عبد الوهاب عاصي، أوضح في حديث إلى عنب بلدي أن “هيئة تحرير الشام” استطاعت تحقيق اختراق غير مسبوق في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” عبر إظهار القدرة على التدخّل في شؤون المنطقة بشكل أكبر أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا.

ومن الواضح أن “الهيئة” أرادت أيضًا أن تُظهر قدرتها على مواجهة أكبر مشروع منافس لها وهو “الفيلق الثالث” ضمن مناطق سيطرته، بحسب الباحث الذي أوضح أن “تحرير الشام” تبدو أكثر استعدادًا لمواجهة “المجلس الإسلامي السوري” ومشروعيته والتشكيك بمواقفه وسياساته.

ويعتقد الباحث السياسي أن خطوة “الهيئة” ستنبّه تركيا إلى استعداد قائدها العام “أبو محمد الجولاني” لتوسيع فارق القوة بطريقة قد تقوّض سياساتها الساعية لتأسيس “منطقة آمنة”.

وستجد فصائل “الجيش الوطني” نفسها، بحسب عاصي، أمام حسابات خاطئة باتخاذ الحياد أو عدم التدخّل إزاء تغيير في خارطة النفوذ والسيطرة في مناطق سيطرتها بحيث ستكون مضطرة للتعامل مع فاعل جديد وهو “الهيئة”، وهذا قد يُنبّه بشكل مبكّر إلى خطوة استمرار عدم التدخّل.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة