قرار 1978.. معركة المحامين السوريين ضد الاستبداد

شعار نقابة المحامين السوريين- (تعديل عنب بلدي)

camera iconشعار نقابة المحامين السوريين- (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

استقلال السلطة القضائية وحرية المقاضاة أمام القضاء العادي، وحق الدفاع المقدس، هي القاعدة الأساسية في دولة القانون، غير أن المشرّع السوري أجاز في الحالات الطارئة التي يتعرض فيها أمن الفرد والشعب للخطر، الخروج عن هذه القاعدة الأساسية، ولكن لمدة محددة، وفي مكان محدد، ولأغراض محددة حصرًا، مثل الحروب والكوارث الطبيعية.

مثل تلك الحالات تستلزم فرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية المحدودة بالزمان والمكان تنتهي بانتهائها، كما يحدد المشرّع أهداف المحاكم الاستثنائية والأسباب الموجبة لإنشائها حكمًا.

وفي 22 من حزيران 1978، أصدرت نقابة المحامين السوريين قرارًا تطالب من خلاله بإلغاء حالة الطوارئ، وإتاحة الديمقراطية واستقلال القضاء وإيقاف الاعتقالات التعسفية في جميع المناطق السورية.

اقرأ أيضًا: “الدستور السوري: قراءات وخيارات”.. سرد تاريخي لدساتير سوريا

كيف بدأت الطوارئ؟

في أثناء الوحدة مع مصر، فرض الرئيس الأسبق، جمال عبد الناصر، حالة الطوارئ والأحكام العرفية لأول مرة في سوريا، بتاريخ 1 من كانون الثاني 1959، واستمرت هذه الحالة خلال عهد الانفصال، إلا أن تنفيذها لم يكن واسع النطاق ضد القوى السياسية حينها، بحسب كتاب “مملكة الاستبداد المقنن في سوريا” لكاتبه المحامي السوري جريس الهامس (صفحة 27).

جريس الهامس المتوفي في 8 من تشرين الثاني لعام 2020- (تعديل عنب بلدي)

ولم تلغَ حالة الطوارئ والأحكام العرفية إلا في أواخر عهد الانفصال، بتاريخ 1 من تشرين الأول 1962، في عهد حكومة خالد العظم، كاستجابة لحملة المظاهرات المطالبة بإلغائها، بينما كان العسكريون يصرون على إبقائها.

لكن غياب حالة الطوارئ لم يدم طويلًا، إذ أعاد انقلاب حزب “البعث”، في 8 من آذار 1963، فرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية، بموجب الأمر العسكري رقم “2” في نفس ذلك اليوم.

واستمرت حالة الطوارئ في سوريا حتى عام 2012، حيث انتهت بموجب الدستور السوري الصادر في ذلك العام، رغم إعلان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في حزيران من العام نفسه أن سوريا “تعيش حالة حرب”.

واستبدل النظام السوري بحالة الطوارئ الملغاة إصدار قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19” لعام 2012، كما صدّق الأسد في نفس الفترة على القانون رقم “22” المؤسس لمحكمة “مكافحة الإرهاب” كي تقضي بذلك القانون.

معتقلون سياسيون احتجزوا داخل مركز شرطة تابع للنظام السوري بدمشق- 11 من تموز 2012 (رويترز/ خالد الحريري)

اقرأ أيضًا: سوريا.. “مملكة الاستبداد المقنن”

مواجهة قانونية

في 1978، أصدر رئيس نقابة المحامين في دمشق، إحسان مارديني، قرارًا مكوّنًا من عشرة بنود، تحمل عدة مطالب حقوقية، أبرزها رفع حالة الطوارئ فورًا، واُعتبر ذلك حينها موقفًا حازمًا بمواجهة من يسيؤون استعمال كل القوانين، وقانون الطوارئ بوجه خاص، لما ينطوي على إساءة استعماله إلى اعتداء صارخ ومفضوح على الحريات والأموال.

وفي عام 2011، نشر المحامي جريس الهامس مقالًا عبر موقع “الحوار المتمدن” تضمّن بنود ذلك القرار، الذي طالب بالسعي لتعديل قانون الطوارئ، بحيث يقيّد إعلان حالة الطوارئ بأضيق الحدود والقيود، وعلى أن تقتصر مدتها على ثلاثة أشهر قابلة للتمديد إلى مدة مماثلة بعد استفتاء الشعب مباشرة.

وطالب القرار باعتبار الأوامر العرفية الصادرة خلافًا لأحكام قانون الطوارئ، والتي أضحت شبه مؤسسة تشريعية سرية وفق نص القرار، معدومة انعدامًا مطلقًا.

وطالب القرار المحامين والقضاة بإهمالها، وعدم التقيد بمضمونها، وعدم المرافعة استنادًا إليها، ومقاطعتها مقاطعة تامة.

انسحاب جيش النظام السوري من لبنان عام 2005 (AFP)

وبحسب ما قاله المحامي الهامس عبر مقاله، انتقل هذا القرار إلى جميع فروع نقابة المحامين في المحافظات السورية كالنار في الهشيم، بعد أن وقّعه النقيب المركزي السيد صبّاح الركابي، كما انتقل إلى جميع النقابات العلمية، وهيئاتها المنتخبة ديمقراطيًا، وجميعها تبنّت القرار من ألفه إلى يائه دون تعديل حرف واحد عن النص الأصلي، الذي وضعته نقابة المحامين.

وتابع الهامس، “كانت تُنقل وقائع جلسات ومؤتمرات المحامين مباشرة للقصر الجمهوري، وكان لنا صحفيون أصدقاء غير مكشوفين في القصر، نقلوا لنا ما كان يقوله المجرم حافظ الأسد بعد سماعه كلمات وآراء المحامين، كان يقول حرفيًا: (هذول أخطر علينا من الإخوان المسلمين الذين أطلقوا النار علينا)”.

وبعد إصدار هذا القرار، شهدت عدة محافظات سورية حملة اعتقالات واسعة بحق المحامين الموقعين على نص القرار، أو حتى المؤيدين له خلال النقاشات العامة.

وفي 19 من نيسان 2011، وبعد حوالي شهر واحد من بدء الاحتجاجات السلمية في مختلف المدن السورية، أقر مجلس الوزراء حينها مشروعي قانون إنهاء حالة الطوارئ في البلد، ومرسوم إلغاء محكمة “أمن الدولة العليا”، ولكن هذه الخطوة اقترنت بتشريع جديد يلزم السوريين بالحصول على إذن حكومي للتظاهر ضد السلطة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة