"راب" يغنيه ناجٍ من المعتقل

“سجّين”.. لنقل ما داخل المعتقلات السورية إلى العالم

camera iconالشاي أحمد الرز في أحد مقاطع أغنيته سجّين(المقطع التشويقي للأغنية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- لجين مراد

“بتصدق كل ما بشوف الشرطي حدي، بكتب كلمة النهاية”، كلمات تصف حال الكثير من السوريين، كتبها أحمد الرز في أغنية “راب”، لينقل ما عايشه خلال تجربة اعتقال دامت نحو عامين، أمضى الجزء الأكبر منهما في سجن “صيدنايا” سيئ السمعة.

قرر أحمد (33 عامًا) إطلاق أغنية “الراب” الثانية له، في 26 من حزيران الحالي، الذي يوافق اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، مذكّرًا العالم بآلاف ضحايا التعذيب في السجون السورية.

“من ذاكرتي إلى ذاكرة العالم”

“انسَ ولو انسَ ولو، لا ما رح أنسى كيف بزق بأكلي السجان”، كلمات غناها أحمد في أغنيته “سجّين”، ليرسم صورة عن أكوام من الذكريات القاسية التي لا تغادر ذاكرة المعتقل حتى وإن غادر بلاده.

قال أحمد لعنب بلدي، من مكان إقامته في ألمانيا، إنه يحاول نقل هذه الصور من ذاكرته إلى ذاكرة العالم من خلال فن “الراب” الذي اعتبره الأقرب لقلوب وعقول شباب جيله.

غادر الشاب سوريا بعد أشهر قليلة من خروجه من المعتقل ليصل إلى تركيا ومنها إلى ألمانيا، حاملًا الكثير من الرسائل من المعتقل ومن ضحايا التعذيب غير القادرين على نقل أصواتهم.

وبأغنية بسيطة بلهجة بيضاء، أكّد أحمد استحالة أن يطال النسيان حكايته وحكايات الكثيرين، ويرى أنها تستحق أن تصل إلى العالم بأكمله، ما دفعه لترجمة الأغنية إلى اللغتين الألمانية والإنجليزية.

ورغم استقرار الشاب في ألمانيا منذ سنوات وبدء دراسته الجامعية في تخصص العلاج الفيزيائي ليصل اليوم إلى سنة التخرج، يتمسك أحمد بقضية المعتقلين في ظل وجود آلاف الأشخاص الذين يعيشون ما عاشه.

وفي وقت يعتبر فيه الكثيرون الكتابة أو الرسم أو نقل الذكريات والأحداث من خلال أحد الفنون، وسيلة للتخفيف من ثقل الذكريات، لم يشعر أحمد بفارق بعد كتابة الأغنية، وفق ما قاله، موضحًا أن حرقة قلوب الأمهات والعذاب الذي يعيشه آلاف الأشخاص في هذه اللحظة، تتطلّب أن تبقى هذه المشاهد محمولة في الذاكرة.

الفن صنيعة التجارب

“الفن يتطلّب تجارب، فمعظم الفنانين الذين تركوا أعمالًا عظيمة عاشوا حياة مرعبة أو تجارب لم تُمحَ من ذاكرتهم”، هذا ما يعتقده أحمد بشأن علاقة محاولاته الفنية بالتجربة التي عاشها.

واعتبر أحمد أن التجارب القاسية التي تولّد الفن لا تعني بالضرورة أن تكون للإنسان حياة مأساوية كاملة، موضحًا أن الكثير من القطع الفنية قُدمت بناء على تجارب سابقة استطاع أصحابها تجاوزها وتابعوا حياتهم بطريقة اعتيادية، لكنّها ظلّت تتطلب أن تُنقل إلى العالم.

أغنية “سجّين” التي غناها جاءت من تجربة اعتقاله، بينما لا يربط كتابته الشعر سابقًا وغناء “الراب” بتجربة الاعتقال، إذ يراها جزءًا من تجارب أخرى كثيرة، لكنه اختار اسمًا فنيًا أسهمت بصناعته تجربة الاعتقال، هو “ليل” في إشارة إلى العتمة التي ترافق المعتقل.

فقدٌ لا يمحى

شكّل فقد أحمد داخل المعتقل ثلاثة من أصدقائه المقربين فارقًا حقيقيًا في ذاكرته وحمّله مسؤولية أكبر، ليحاول بشتى الطرق أن ينقل أصواتهم اليوم، ويخلّد ذكراهم.

“هنن ما ماتوا من جروحهن، هنن قتلهن القهر”، هذه الكلمات التي يقولها أحمد في الأغنية، يتحدث فيها عن أصدقائه الثلاثة علي شاهين، ومصطفى دوابي، ومحمد طباع، الذين قُتلوا في المعتقل.

توفي مصطفى، صديق أحمد، بين يديه في المعتقل، وكان قد اتخذ قرارًا قبل يومين من فقدانه بعدم إرساله إلى المستشفى رغم حالته الصحية السيئة، لمعرفته المسبقة بالتعذيب الذي يتعرض له المعتقلون في المستشفيات، المُدارة من قبل المسؤولين عن تعذيب المعتقلين أنفسهم، وفق قوله.

“قررت أن نكون شاهدين على موته، أن يكون بيننا من يجنّب أهله عناء أن يظلوا معلّقين بين اليأس من انتظار عودته والأمل ببقائه على قيد الحياة”، تابع أحمد.

بدأ أحمد أغنيته بأمر سمعه مرارًا من السجّان “الكل جاثيًا”، وأنهاها بعبارة “هلأ واقفًا وارجعوا ع الدنيا”، ليسخر من العجز أمام هول المأساة التي يعيشها المعتقلون اليوم، والعجز الذي تخفف وطأته الدقائق القليلة التي نذكرهم فيها.



English version of the article


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة