تحقيق استقصائي يكشف عن فوسفات سورية تشق طريقها إلى دول أوروبية

camera iconعناصر من الشرطة العسكرية الروسية تتدرب على حماية القواعد الروسية في طرطوس واللاذقية (tvzvezda)

tag icon ع ع ع

قال تقرير صادر عن مجموعة من الصحفيين الاستقصائيين بقيادة “لايتهاوس ريبورتس” (Lighthouse Reports) و”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد”، أن دول أوروبية تتلقى فوسفات من سوريا لصالح شركة روسية وسورية.

وبحسب ما نشره موقع “Lighthouse Reports”، اليوم الخميس 30 من حزيران، بعنوان “أوروبا تشتري فوسفات ملطخة بالدماء من سوريا”، فإن فوسفات بقيمة ملايين الدولارات صدرتها شركة روسية خاضعة للعقوبات في سوريا شقت طريقها إلى أسواق الأسمدة الأوروبية منذ عام 2018.

وتمر سلسلة التوريد الغامضة هذه عبر شبكة معقدة بما في ذلك شركة يسيطر عليها “الأوليغارشية الروسية” الخاضعة للعقوبات والمحسوبية على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والكيانات الحكومية السورية والموالين للنظام وجميعهم يخضعون لعقوبات الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، إذ يتم تسهيل التجارة من قبل شركات الشحن المشبوهة والوسطاء والسماسرة.

ووفق ما ترجمته عنب بلدي عن التقرير، تخفي السفن التي تحمل الفوسفات من سوريا إلى أوروبا أنشطتها عن طريق إيقاف تشغيل أنظمة التتبع الخاصة بها في طريقها إلى ميناء طرطوس، وهو المنطلق الرئيسي لشحن الفوسفات في سوريا، ثم تشغيل الأنظمة مرة أخرى عند رحلة العودة.

وتستغل هذه “التجارة السرية” رمادية الأنشطة المتعلقة في تصدير الفوسفات في سوريا، وذلك لأنه لا الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة تحظر على وجه التحديد شراء الفوسفات السوري، ما يسمح للوسطاء بالاستفادة من وراء ستار الشركات الوهمية.

من بين دول الاتحاد الأوروبي، بدأت إيطاليا الاستيراد في عام 2020 وبلغاريا في عام 2021 وإسبانيا وبولندا في وقت سابق من العام الحالي، ووفقًا لبيانات التجارة، كانت صربيا وأوكرانيا من العملاء الرئيسيين أيضًا إذ استورد هذان البلدان أكثر من 80 مليون دولار من الفوسفات السوري منذ عام 2019.

كيف تم الكشف؟

يتعامل ميناء طرطوس مع الجزء الأكبر من صادرات سوريا من الفوسفات عبر رصيفين مخصصين للتحميل.

نشر ميناء طرطوس بيانات عبر صفحته على “فيس بوك” تحدد السفن التي رست وحمولاتها الواردة والصادرة، ومع ذلك، في عام 2020، توقف الميناء فجأة عن مشاركة التحديثات وحذف منشوراته السابقة.

تمكن الصحفيون من رصد الشحنات السابقة من خلال استعادة الإصدارات المؤرشفة من موقع الميناء، وعلى صفحات سورية أخرى على “فيس بوك”، والتي كانت تعيد مشاركة بيانات الميناء بشكل روتيني.

واجه الفريق تحديًا أكبر في تتبع الشحنات الحالية، لكنهم تغلبوا على ذلك من خلال البحث عن مقالات إخبارية ومحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي ينشره عمال الرصيف، والذين صوروا أحيانًا عن غير قصد سفنًا ترسو في أرصفة تحميل الفوسفات في الميناء.

وباستخدام خدمات متعددة لتتبع السفن تمكن الفريق الاستقصائي من مراقبة تحركات هذه السفن من وإلى طرطوس، ما أكد نمطًا لاحظوه من قبل وهي أن السفن التي ترسو في الميناء قد أغلقت أجهزة التتبع الخاصة بها في البحر الأبيض المتوسط ​​قبل أن تظهر مرة أخرى في وقت لاحق محملة بالفوسفات ومتجهة إلى الموانئ الأوروبية.

وبالتعاون مع الشركاء في “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP) وسبعة من المراكز الأعضاء في جميع أنحاء أوروبا حصل القائمون على التحقيق على سجلات الجمارك من خلال آلية حرية المعلومات التي أثبتت أن الفوسفات السورية لديها عملاء أوروبيين.

وتم تفصيل سلسلة التوريد “الغامضة” للوسطاء العالميين من خلال فحص سجلات الشركات ومصادر الشركة وقواعد البيانات الوطنية وبيانات التجارة في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، التي أظهرت تورط الشركة اللبنانية “مديترانيين” للبترول والشحن.

والمرحلة الأخيرة هي التواصل مع فاعلين في مجال هذا التخصص من شاحنين ومشترين ووسطاء، بالإضافة إلى الخبراء والمحللين لفهم كيفية عمل التجارة، وشملت مصادر أخرى أشخاصًا على الأرض في سوريا أكدوا أن الشركات التي يسيطر عليها مقربون من النظام تتعامل مع حركة الفوسفات من المناجم التي تسيطر عليها روسيا في الداخل السوري إلى أرصفة الشحن.

من المتورطون؟

غينادي تيموشينكو، هو واحد من أغنى وأقوى الرجال في روسيا، وهو صديق وشريك في لعبة “الجودو” لفلاديمير بوتين، الذي أصبح مليارديرًا.

يعمل تيموشينكو عن كثب مع الشركات المملوكة للدولة في قطاع النفط والغاز المربح في روسيا، قامت شركته الهندسية والإنشائية “Stroytransgaz” (سترويترانسغاز) ببناء العديد من خطوط أنابيب التصدير للنفط والغاز الروسي، بما في ذلك خط أنابيب “نورد ستريم” عبر أوروبا.

كان تيمشينكو أيضًا أحد أكبر المستفيدين من العلاقات الاقتصادية طويلة الأمد بين موسكو وسوريا، حيث “فاز” بعقود لبناء جزء من خط أنابيب غاز من مصر ومحطتين رئيسيتين لمعالجة الغاز، وبعد أن ساعد التدخل العسكري الروسي في قلب مجرى الحرب في سوريا لصالح النظام السوري، حصلت شركتان أخريان مرتبطتان بشركة “Stroytransgaz” على مركز مهيمن في قطاع الفوسفات، أحد الأصول الأكثر ربحية التي لا تزال تحت سيطرة حكومة النظام.

أصر متحدث باسم شركة “Stroytransgaz” على عدم وجود علاقات مع هذه الكيانات التي تتاجر بالفوسفات على الرغم من أنها تشترك في نفس الاسم، لكن تحقيق المنظمات حدد تداخلات متعددة بين الشركات بما في ذلك كبار المسؤولين التنفيذيين وعنوان مشترك في دمشق.

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة “Stroytransgaz” وعلى غينادي تيموشينكو في أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، بينما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الأفراد والكيانات السورية المشاركة في التجارة، لكن لم يحظر أي منهما الفوسفات السوري على وجه التحديد.

واعتبر التحقيق أن من المفارقات هي أن الوجهة الرئيسية للفوسفات هو ميناء “نيكا تيرا” (Nika Tera) في أوكرانيا، المملوك من قبل الأوليغارشي الموالي لروسيا، دميتري فيرتاش، ونمت واردات أوكرانيا من الفوسفات السورية من ثلاثة ملايين دولار في 2018 إلى 15 مليون دولار العام الماضي، على الرغم من العقوبات الأوكرانية على شركتي “Stroytransgaz” وتيمشينكو.

وتحصل سوريا 30% من عائدات مبيعات الفوسفات، وفقًا للعقد المبرم مع الشركة الروسية التي يملكها تيموشينكو

وصرّح الخبير الاقتصادي السوري، كرم الشعار، أن هذا التحقيق يظهر كيف يمكن التحايل على العقوبات من خلال سلاسل التوريد المبهمة أو عن طريق توجيه الأموال والبضائع عبر شركات تابعة غير معروفة للشركات المستهدفة، وقال “بالطبع تصدير الفوسفات إلى أوروبا انتهاك للعقوبات، لكن معظم البلدان لا تفهم هيكل المنظمات التي فرضت عقوبات عليها”.

وفي عام 2018، أعلن مدير الشركة الشركة العامة للفوسفات والمناجم في حكومة النظام السوري، غسان خليل، تصدير الفوسفات إلى السوق الأوروبية، وحينها لم يوضح كيفية تصدير الفوسفات إلى أوروبا، خاصة في ظل وجود عقوبات اقتصادية تمنع الاستيراد والتصدير.

وكانت سوريا تأتي في المرتبة الخامسة على قائمة الدول المصدرة للفوسفات في العالم عام 2011، وتعد الهند وروسيا ولبنان ورومانيا واليونان من أبرز الدول المستوردة.

وسبق أن قالت موسكو إنها ودمشق ستعملان على إنشاء شركة مشتركة لاستغلال المخزون السوري من الفوسفات.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة