مناخ “غير مناسب” لتحقيق الأرباح يعرّي دعوات الاستثمار في سوريا

وزراء في حكومة النظام السوري في مؤتمر "الاستثمار في الكهرباء والطاقات المتجددة) في 15 من أيار 2022 (سانا)

camera iconوزراء في حكومة النظام السوري في مؤتمر "الاستثمار في الكهرباء والطاقات المتجددة) في 15 من أيار 2022 (سانا)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- جنى العيسى

كرر النظام السوري خلال السنوات الأخيرة دعواته للمستثمرين العرب والأجانب للاستثمار في مناطق سيطرته، ووصلت في عدة مراحل إلى “استجدائهم”، إذ تكثّفت الدعوات بعد إقرار رئيس النظام، بشار الأسد، في أيار 2021، قانونًا جديدًا للاستثمار.

وفي حال استثناء الخوف من التعرض للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على المتعاملين مع حكومة النظام السوري، كسبب لعدم إقبال المستثمرين، تجتمع العديد من العوامل الإضافية التي قد تجعل سوريا بلدًا غير مناسب للاستثمار، منها أسباب أمنية، وسياسية، وأخرى اقتصادية.

طمأنت حكومة النظام في عدة مناسبات الراغبين بالاستثمار، بقدرتها على الالتفاف على العقوبات.

لكن نسب الاستثمارات المنخفضة تعارض محاولات حكومة النظام لجذب الاستثمارات، عبر تقديم تسهيلات، ومزايا خاصة، وسط ترويجها للوضع الأمني “المستقر والمناسب” للاستثمار.

تحاول عنب بلدي في هذا التقرير، نقاش مدى جهوزية البيئة الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام لعودة البدء بالاستثمارات الأجنبية، والعوامل الأمنية والاقتصادية المختلفة التي تحول دون تحقيق ذلك.

مناخ الاستثمار غير مناسب في سوريا

يجب على المستثمرين الأجانب قبل اتخاذ قرارهم بالاستثمار في بلد معيّن، دراسة وتحديد مدى خطورة “مناخ الاستثمار” في هذه الدولة، بحسب ما يوضحه تقرير نُشر عبر موقع “Investopedia” المتخصص بالمال والاستثمار.

ومناخ الاستثمار هو الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية في بلد ما، التي تؤثر على مدى استعداد الأفراد والبنوك والمؤسسات لإقراض الشركات العاملة الخاصة فيها.

ويتأثر مناخ الاستثمار، بحسب التقرير، بعدة عوامل غير مباشرة، منها مستوى الفقر، ومعدل الجريمة، والبنية التحتية، ومشاركة القوى العاملة، واعتبارات الأمن القومي، والاستقرار السياسي، والضرائب، والسيولة، واستقرار الأسواق المالية، وسيادة القانون، وحقوق الملكية، والبيئة التنظيمية، وشفافية الحكومة، ومساءلة الحكومة.

وبحسب هذه المعايير، يعتبر المناخ الاستثماري في سوريا في هذا التوقيت غير ملائم وغير مناسب للبدء بالاستثمار، وهو ما أكده الأستاذ المُنتسِب في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، والمشارك في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” الدكتور جوزيف ضاهر، في حديث إلى عنب بلدي.

وأوضح ضاهر أن أبرز ما يمنع البدء بالاستثمار في مناطق سيطرة النظام، في الوقت الحالي، هو أولًا عدم تحقيق الاستقرار السياسي، وعدم انتهاء الحرب حتى الآن، إذ يعتبر وجود الميليشيات المسلحة والجماعات المقاتلة، كتنظيم “الدولة الإسلامية”، عاملًا غير مساعد على البدء.

كما يعدّ الدمار الذي لحق بالاقتصاد السوري، والذي جاء انعكاسًا للتدهور المستمر والشديد لقيمة الليرة السورية، ونقص العمالة الماهرة بسبب آثار الحرب والهجرة، والتأثر الشديد من الحرب الذي لحق بالبنى التحتية كالكهرباء وأنظمة المياه وغيرها، عوامل إضافية غير مساعدة على بيئة تشجيعية للاستثمار.

وخلال السنوات الأخيرة، يعتبر ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب نقص أو ارتفاع أسعار السلع والمواد الأولية كالنفط والغاز، بالإضافة إلى النظام المالي الضعيف جدًا، من أبرز الأسباب التي تولّد رغبة لدى المستثمرين باستثمار أموالهم في سوريا، وجاءت العقوبات الأمريكية أخيرًا لتعمّق وتزيد من سوء هذه العوامل مجتمعة، بحسب ضاهر.

استثمارات “صغيرة” ومقتصرة على داعمي النظام

في 22 من حزيران الماضي، أعلن وزير الاقتصاد في حكومة النظام السوري، محمد سامر الخليل، منح 32 إجازة استثمار من قبل “هيئة الاستثمار السورية” منذ بدء العمل بقانون الاستثمار رقم “18” لعام 2021 وحتى حزيران الماضي.

وأوضح الخليل أن قيمة الموجودات للمشاريع الاستثمارية التي منحت الإجازة خلال هذه الفترة بلغت حوالي 1357 مليار ليرة سورية، مضيفًا أن هناك إجازات إضافية لا تزال قيد الإصدار أيضًا.

وبحسب الخليل، كانت مشاريع الاستثمار أغلبها في محافظة ريف دمشق، وتتضمّن توليد الطاقة وإنتاج الأدوية السرطانية والخميرة والقطر الصناعي والحقن والكحول الطبي والأسمدة والشواحن و”الإنفيرترات”.

اقرأ أيضًا: قانون الاستثمار الجديد “تجميعة” من قوانين سابقة

من جهته، يرى الدكتور والباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، أن هناك رغبة “قليلة جدًا” بالاستثمار سواء من قبل المستثمرين السوريين أو الأجانب.

وأوضح ضاهر أن معظم هذه الاستثمارات هي “استثمارات صغيرة”، ومن قبل جهات أجنبية داعمة للنظام السوري كروسيا وإيران.

وتركزت تلك الاستثمارات في قطاعات اقتصادية خاصة كاستخراج النفط (شركات روسية)، أو إعادة بناء بعض البنى التحتية (شركات روسية وإيرانية)، إلا أن القطاعات الخاصة في كلا البلدين “ضعيفة للغاية”، بحسب ما أوضحه ضاهر.

واعتبر أن معظم رجال الأعمال السوريين خارج البلاد ليسوا مستعدين للعودة والاستثمار في البلاد، لجميع الأسباب والعوائق المذكورة سابقًا التي سيواجهونها، فضلًا عن وجود العقوبات أيضًا.

أرباح “محدودة جدًا”

يهدف الاستثمار بالنسبة لأي مستثمر إلى الربح وتراكم رأس المال، أو اكتناز الموارد لغرض تحقيق الربح، بحسب ما أكده الدكتور جوزيف ضاهر.

بينما تعتبر آفاق تحقيق عائدات وأرباح سريعة ومتوسطة المدى من الاستثمار في سوريا “محدودة جدًا” في الوقت الراهن لأسباب سياسية واقتصادية، وفقًا لضاهر، الأمر الذي لا يولّد أي حوافز لإطلاق مشاريع استثمارية، سواء من داخل البلاد أو خارجها.

كما يعتبر الوضع الأمني، كالقصف الإسرائيلي المتكرر والميليشيات المنتشرة في مناطق سيطرة النظام، عوامل أمنية قد تضعف رغبة المستثمرين آخذين بالحسبان تعرض استثماراتهم للخسارة نتيجة لذلك.

ففي 10 من حزيران الماضي، تعرض مطار “دمشق الدولي” لضربة إسرائيلية، أخرجته عن الخدمة لمدة 12 يومًا، وأدت إلى تخريب البنية التحتية للمطار، وخروج مهابط الطائرات عن الخدمة، حيث تضررت في أكثر من موقع وبشكل كبير، مع الإنارة الملاحية.

وفي كانون الأول 2021، استهدفت إسرائيل ميناء “اللاذقية” مرتين، وضربت ساحات “الحاويات”، بحسب ما أعلنته وسائل الإعلام التابعة للنظام.

وفي تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية، في 29 من كانون الأول 2021، كشف رئيس لجنة الجمارك في غرفة تجارة دمشق، عماد قباني، أن 85% من البضائع المستهدفة في ميناء “اللاذقية” عبارة عن مواد أولية تدخل في الصناعة، إضافة إلى مواد غذائية.

قدّر قباني حجم الضرر بـ”الكبير”، مؤكدًا أن إسرائيل استهدفت مواد غذائية وخيوطًا ومواد لها صلة بإعادة الإعمار، إذ إن أغلبية المواد التي يستوردها النظام هي مواد أولية وغذائية بسبب قرارات ترشيد الاستيراد.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة