الرحى.. لطحن الحبوب وتبادل الهموم في جبل الزاوية

camera iconحجر الرحى لطحن الحبوب في ريف إدلب - 23 حزيران 2018 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

إدلب- هدى الكليب

تستيقظ الخمسينية نبيلة السلماني، وهي من قرية الفطيرة جنوبي إدلب، صباحًا لتبدأ عملية طحن الحنطة المسلوقة والمجففة على حجر الرحى التي لم تعد ذكرى طواها الزمن، بل أعادتها للعمل من أجل إعداد وجبة طعام الغداء لعائلتها التي تجتمع حولها لمساعدتها بعملية الطحن.

نبيلة، التي توطدت علاقة أُنس قوية بينها وبين الرحى، تحكي لها أحاسيسها بعد الجلوس معها لساعات طويلة، قالت لعنب بلدي، “قديمًا كانت أمهاتنا وجداتنا يستخدمن الرحى لإعداد الطحين الذي نصنع منه خبز التنور، ذا النكهة اللذيذة والمحببة”.

الرحى ليست أداة موسمية كما يتبادر لأذهان بعض الناس، ففي الماضي كانت موجودة في كل بيت، و”لم تكن جداتنا وأمهاتنا يستطعن الاستغناء عنها، لكن مع التطور والحداثة لم يبقَ منها سوى ما ندر في بعض القرى”، أضافت السيدة.

وبوجود الرحى في المنزل، والتي لطالما احتفظت نبيلة بها مع الأدوات الخردة والمهملة، لم تعد بحاجة للتنقل إلى البلدات والمدن المجاورة من أجل عملية طحن الحبوب.

الرحى أو ما يسمى “الرحية” والكثير من المظاهر التراثية عادت للعمل مؤخرًا في عدد من بلدات جبل الزاوية والقرى النائية، نتيجة غياب المطاحن الحديثة، جراء انقطاع الكهرباء عن تلك القرى والبلدات، ونزوح عدد كبير من الأهالي عن هذه المناطق.

تقع المنطقة على خط التماس مع قوات النظام السوري، وسبق أن تعرضت لهجمات بهدف السيطرة عليها بدعم روسي، إلى أن ثبتت خريطة السيطرة مطلع عام 2020، لكن المنطقة ما زالت تتعرض لقصف متقطع تشتد وتيرته مع كل حديث عن عمليات عسكرية مقبلة.

الرحى آلة بدائية من الحجر الخشن الثقيل، تُستعمل لجرش الحبوب وطحنها، وهي عبارة عن حجرين مستديرين يُركبُ أحدهما فوق الآخر، ويكون السفلي منهما ثابتًا، بينما يتحرك الحجر العلوي حول محور خشبي أو معدني، يسمى قطب الرحى، تكون قاعدته مثبتة في أسفل الحجر السفلي.

وعندما يدور حجر الرحى فإنه يمر فوق حبات القمح أو الشعير التي توضع من فتحة دائرية صغيرة في وسط الحجر العلوي، فتتكسر تلك الحبات شيئًا فشيئًا، كلما دار عليها حجر الرحى حتى تصبح دقيقًا ناعمًا صالحًا لصناعة الخبز أو الاستعمالات الغذائية الأخرى.

لم تعد المسنة الستينية خديجة الحميدي تشعر بالضجر والملل بعد عودتها للعمل على حجر الرحى في قريتها بلين الواقعة في جبل الزاوية جنوب إدلب، بعد أن صارت الرحى عامل جذب لنساء القرية الباحثات عن وسيلة طحن بعد غياب مظاهر الأسواق وفقدان خدمات الطحن الحديثة عن القرية الصغيرة، التي هجرها معظم أهلها، عدا عن بعض العائلات الفقيرة التي لا تجد سبيلًا للانتقال والعيش في الأماكن الأكثر أمنًا لضيق أوضاعها المادية.

خديجة قالت إنها عادت لاستخدام “الرحية” منذ أكثر من عامين حين اضطرت لطحن كميات من الحبوب ولم تجد من يطحنها، بعد نزوح معظم سكان القرية التي تضررت بشكل كبير نتيجة القصف المتواصل، فكانت “الرحية” الملجأ البديل والوحيد كوسيلة لطحن الحبوب، ليس لها وحسب، وإنما لكل من بقي في القرية ولم ينزح عنها.

“في أثناء اجتماعنا للعمل على الرحى لا نتذكر التعب، نتبادل حجر الرحى من يد إلى يد، ونتقاسم العمل مع من بقين في القرية”، أوضحت خديجة، “نتبادل الأحاديث والهموم والآلام ونشكو زمنًا فرقنا عن أحبابنا وأبنائنا وأعادنا إلى عصر الرحى حيث الألفة والصحبة الطيبة”.

“عالهوارة الهوارة دبرها وما الها دبارة، الناس بتمشي لقدام ونحنا منرجع لورا”، أغانٍ ترددها أمون الفريد (40 عامًا) من قرية مرعيان، حين تقصد منزل جارتها كل حين لتطحن بعض الحبوب على رحاها.

ونقلت لعنب بلدي المشهد، “نجتمع حول الرحى ونغني بعض الأغاني الشعبية التي تنسينا همومنا وآلامنا، في زمن أتى على كل شيء جميل في حياتنا”.

التوجه إلى الرحى ليس أكبر هواجس سكان المنطقة، إذ يتخوفون من انقطاع القمح نفسه أو ارتفاع الأسعار بما يفوق قدرتهم، مع انخفاض القدرة الشرائية ووصول 90% من عموم السكان في سوريا إلى ما دون خط الفقر، بحسب التقديرات الأممية.

ووصلت مساحة الأراضي المزروعة بالقمح في إدلب هذا العام إلى 74 ألفًا و845 دونمًا، بحسب تقديرات حكومة “الإنقاذ”، وهذه المساحة لا تكفي لإنتاج ثلث حاجة مناطق الشمال السوري من القمح.

وحددت الحكومة أسعار القمح للشراء من الفلاحين بأرقام تتراوح بين 430 و450 دولارًا للطن الواحد، وفق تقسيمات تندرج تحتها ثماني شرائح، بحسب الجودة ونسبة الشوائب وتصنيفات القمح القاسي والطري.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة