“بيروت 303”.. مخاطبة المشاهدين عن بُعد

tag icon ع ع ع

بانفجار طائرة مدنية وسقوطها على السواحل اللبنانية، يبدأ المسلسل المشترك “بيروت 303” قصته، معيدًا تركيب عناصر العمل الدرامية، ومستحضرًا العقدة التي سيبنى عليها العمل ككل إلى البداية، وكل ما يتبعها محاولة لحلحلة هذه العقدة، وصولًا إلى الذروة التي يفترض أن تقدم للمشاهد الحل، بصرف النظر عن مستوى قبوله أو رفضه، منطقيته أو غيابها، واقعيته أو عدمها، طالما أن هذه العناصر غير ثابتة في فكرة العمل نفسه.

ما أوقع الطائرة كان تفجيرًا إرهابيًا، وفق ما يقوله العمل عبر عدة مشاهد، مقدمًا صورة مبالغًا بها عن قدرة الأجهزة الأمنية على فك ألغاز حدث بهذه الضخامة خلال لحظات، لتتجه أصابع الاتهام نحو “نجم”، ابن “عزيز فرج”، رجل أعمال سوري يقيم في لبنان، ويتمتع بهالة من النفوذ والأبهة القادمة من العمل في العطورات أمام الناس والكاميرات، وفي تجارة المتفجرات وراء الكواليس.

اللبنانيون يحسدون “عزيز” ويلقون باللوم عليه وعلى وأمثاله، بسبب حالة التراجع المعيشي والاقتصادي في لبنان، دون تحديد ما إذا كان المقصود بأمثال “عزيز” من الأثرياء، السوريين أم اللبنانيين.

ومنذ الحلقة الأولى أيضًا التي تستحق التركيز أكثر باعتبارها واجهة العمل ومفتاح قبوله وتقديم أوراق اعتماده منطقيًا أو عاطفيًا أو جماليًا لدى المشاهد الذي سيقدم في هذه الحالة نحو 15 ساعة مشاهدة من وقته للعمل، يغوص “عزيز” في بحر من المشكلات العويصة، وسرعان ما تنهار حالة السلام والوئام الاجتماعي والعائلي التي برزت في المشاهد الأولى من العمل.

بتتابع الأحداث وشعور “تاج”، زوجة “عزيز”، أن زوجها مكتوف اليدين أمام اتهام ابنها بجريمة من هذا النوع، تسعى للبحث عن الحقيقة، والبحث عن ابنها المختفي منذ انفجار الطائرة، رغم أنه ليس من ضحاياها.

وفي الطريق إلى الصواب، قد يصادف الإنسان الكثير من الخطأ، ربما وفق هذه القناعة ترجمت الأم المكلومة مشاعرها المختلطة، أمام غياب ابنها الوحيد، وسأمها من هدوء زوجها حيال مشكلة تحرك الرأي العام ضد العائلة، فاتجهت نحو علاقة عابرة لم تحظَ بتمهيد درامي وزمني يمنحها قبسًا من واقعية، طالما أن فكرة العمل ككل لا تحاكي الشريحة الأوسع من الجمهور، ولا تعبر عن همومهم، اللهم سوى بعض الرسائل التي تأتي متفرقة على لسان بعض الشخصيات التي لم تحظَ بمساحة واسعة لتعبر عن صوت الأكثرية في الشارع فعلًا، ما يضع مسلسل “بيروت 303″ في خانة الأعمال التي تخاطب الجمهور عن بُعد، دن أن تلامسه فعلًا.

شتات ولا مركزية في الفكرة ومباشرة في الطرح، ولا سيما فيما يتعلق بنبذ الإرهاب والعنف، ما يعطي هذا الوضوح طابعًا إرشاديًا، إلى جانب غياب جدوى كل العناصر المحيطة بـ”عزيز” و”تاج”، فكل ما يحيط بالقصة ناقص، ويعوزه العناية، ومصنوع على عجل، إلى جانب الصورة التي يُقدم العمل بها السوري في لبنان، كشخص لا يحظى بمعاملة عادية وطبيعية بين الناس وفي نظر السلطات فقط، رغم أن المطالبات الرسمية بإعادة السوريين من لبنان لا نهاية لها، بل إن “عزيز فرج” يعتبر أحد المتنفذين في البلاد أيضًا.

وما يبدو بوضوح في “بيروت 303” ككثير من الأعمال المشتركة، حالة انزياح لغوي تمر بها اللهجة السورية عبر تهجينها بمصطلحات ومفردات لبنانية تماشيًا مع مشيئة الإنتاج، وتذويبًا في الوقت نفسه لفوارق اللهجة التي لم تكن عائقًا منذ بداية ظهور الأعمال المشتركة.

وما يؤكد ذلك رواج الأعمال التركية المدبلجة إلى اللهجة السورية على مستوى الوطن العربي، ما يفقد عملية استبدال المصطلحات أي بعد وظيفي، ولا سيما حين يشاهد العمل المتلقي السوري الذي يدرك تمامًا أن الشارع السوري لا يستخدم إجمالًا هذه المصطلحات، ولا يقول تلك الجملة بهذه الطريقة، مثلًا.

العمل الذي خرج من منافسات الموسم الرمضاني الماضي بسبب إصابة بعض ممثليه بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، يتكون من 15 حلقة غير طويلة (أقل من 40 دقيقة)، كان مخططًا عرضها في النصف الثاني من رمضان.

وعلى مستوى البطولة، يتصدّر العمل الممثل السوري عابد فهد، الذي تحدث قبل سنوات عن عدم انجذابه لهذا النوع من الأعمال، وتفضيله ما هو واقعي، تعقيبًا حينها على دوره في مسلسل “دقيقة صمت”، عن نص الكاتب السوري سامر رضوان، وإخراج الراحل شوقي الماجري.

وتشارك في البطولة أيضًا سلافة معمار، وبما لا يظهر إمكاناتها الدرامية التي تجلت بوضوح في دور “أم العز” (بمسلسل حارة القبة)، مع إسراف في الحالة الانفعالية والصراخ والبكاء، يفقد المشهد تأثيره، ولا سيما مع تكراره دون محرّض جديد.

وإلى جانب الأسماء السابقة، يشارك معتصم النهار في العمل، ما يجعله ذا بطولة سورية محضة لا تبرز عادة في الأعمال المشتركة.

تولت شركة “الصباح” إنتاج العمل، وهو من تأليف سيف رضا حامد، وبشار مارديني، وإخراج إيلي السمعان، كما شارك في التمثيل كل من جيانا عيد، ومجدي مشموشي، وأمانة والي، ونادين الراسي، وكارين سلامة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة