رغم الصعوبات.. صيادلة سوريون يواصلون حياتهم العملية في تركيا

camera iconإحدى الصيدليات السورية في اسطنبول- 30 من حزيران 2022 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

“بعد حصولي على الجنسية التركية، بدأت بإجراءات معادلة شهادة الصيدلة السورية للتركية، إذ لا يمكن لغير التركي أن يفتتح صيدلية في تركيا”، هكذا وصف حسين بادنجكي (35 عامًا) بداية رحلته في تركيا لاستكمال مشواره المهني الذي توقف في سوريا عام 2013.

حسين من أبناء مدينة حلب شمالي سوريا، تخرج في جامعة “حلب” عام 2010، ثم عمل في صيدليته التي افتتحها بريف حلب مُجبرًا، كخدمة إلزامية للخريجين الجدد، بسبب نقص الصيدليات العاملة في مناطق الريف عمومًا، إلى حين مغادرته باتجاه تركيا عام 2013.

ويمثّل حسين حالة كثير من حملة الشهادات الجامعية في سوريا، أو الذين انقطعوا عن دراستهم، وعند قدومهم إلى تركيا استطاعوا أن يعدلوا شهاداتهم، أو يستكملوا تعليمهم في الجامعات التركية الحكومية منها أو الخاصة، في سبيل العمل بها في السوق التركية.

كما يوجد العديد من السوريين ممن لم يستطيعوا أن يعملوا في مجال تخصصهم الجامعي، أو أن يستكملوا دراستهم في تركيا، بسبب أوضاعهم الاقتصادية التي دفعتهم لدخول سوق العمل بأي مجال لتأمين لقمة العيش، أو بسبب صعوبات تعلم اللغة التركية اللازمة للنجاح في امتحان تعديل الشهادة من جهة، وكشرط أحيانًا للعمل في السوق التركية من جهة أخرى.

نسب نجاح منخفضة في امتحان التعديل

يحق للأجانب الحاصلين على شهادة صيدلة خارج تركيا معادلة شهاداتهم في وزارة التعليم العالي التركية، لكن لا يسمح لهم بفتح صيدلية في تركيا، إذ تُعد الصيدلة، والطب البيطري، وطب الأسنان، من المجالات الطبية المحظور على غير الأتراك ممارستها. 

حسين، وبعد أن حصل على الجنسية التركية عام 2017، قرر أن يبدأ رحلة تعديل شهادته، بدءًا من ترجمة الشهادة وبقية الأوراق المطلوبة، ثم معادلة الشهادة الثانوية عن طريق تصديقها أولًا لدى مركز “خدمة المواطن”، التابع لـ”الحكومة السورية المؤقتة” في مدينة غازي عينتاب، ثم تسليمها إلى وزارة التربية التركية.

وبعد تقديم الشهادة الثانوية المُعدلة وشهادة الصيدلة المُترجمة وبقية الأوراق الرسمية لوزارة التعليم العالي، تمر عملية تعديل الشهادة بعدة مراحل روتينية تحتاج إلى نحو سنة ونصف لتخطيها للوصول للمرحلة الأخيرة، بحسب حسين، حيث يُكلف المُتقدم بدراسة عدة مواد في الجامعات التركية والنجاح فيها للدخول بامتحان التعديل النهائي.

الامتحان النهائي “Ilmi Hüviyet Tespit Sınavı” عبارة عن مقابلة شفوية يجريها المتقدم أمام دكاترة باختصاص الصيدلة، وتشمل أسئلة من المواد المتعلقة بالاختصاص للسنوات الخمس التي يدرسها طلاب الصيدلة في تركيا.

ويجري الامتحان النهائي ثلاث مرات سنويًا بولايات مختلفة في تركيا، ويتم اختيار المتقدمين للامتحان عن طريق الاقتراع، بعدد 40 طالبًا فقط لكل امتحان من أصل جميع المتقدمين.

ولاحظ الصيدلاني أنس حج أسعد (33 عامًا)، السوري ذو الأصول التركية، والذي اجتاز الامتحان النهائي عام 2019 لتعديل شهادة الصيدلة الحاصل عليها في الأردن، أن الأجانب المتقدمين للامتحان، ومن بينهم السوريون، كانوا أكثر نجاحًا من الأتراك الحاصلين على شهاداتهم من خارج تركيا والمتقدمين لتعديلها، لكن نسب النجاح عمومًا لم تتجاوز الـ20% من عدد المتقدمين.

ومنذ 2020، بدأت تركيا تطبيق امتحان تحديد المستوى الموحد “Seviye Tespit Sınavı” للصيادلة الراغبين بتعديل شهاداتهم كخيار إضافي للنظام القديم، ويستطيع الطالب كل عام التقدم لمرة واحدة لكل من الامتحانين.

وبعد اجتياز اختبار المعادلة، يخضع الصيادلة أسوة بالمتخرجين الأتراك لقرعة تُحدد البلديات التي يمكنهم فيها فتح صيدلية في الولايات التركية، لضمان توزع الصيدليات في جميع أنحاء الولاية، بحيث توجد صيدلية واحدة لما لا يقل عن 3500 شخص.

نظام بيع مختلف

تخضع الصيدليات في تركيا لشروط معيّنة تسمح بافتتاحها، بالإضافة إلى الشهادات والرُخص الواجب توفرها لفتح الصيدلية، ويجب أن لا تقل مساحة الأماكن التي ستُفتتح فيها الصيدليات عن 35 مترًا مربعًا، دون الأخذ بعين الاعتبار المسافة بين الصيدليات في الشارع الواحد.

وتُحدد المناطق المؤهلة لفتح صيدليات، أو عدد الصيدليات التي يمكن فتحها لكل حي، بشكل سنوي من قبل الوزارة على أساس المعلومات السكانية التي يقدمها معهد الإحصاء التركي.

ويُعد نظام بيع الأدوية عن طريق “التأمين الصحي” للسكان من أبرز الاختلافات عن طريقة بيع الأدوية في سوريا، حيث يدفع فيها المريض ثمن الدواء بشكل كامل، بينما يدفع السكان في تركيا نسبة ضئيلة من ثمن الدواء بناء على التأمين، وفق حسين.

واعتبر حسين الاعتياد على نظام بيع الأدوية التركي من أبرز المصاعب التي يواجهها الصيدلاني السوري في تركيا، والتي تضطر بعضهم أحيانًا لتعيين مساعد صيدلاني تخرج في الجامعات التركية، ليكون على دراية بطريقة التعامل مع نظام البيع عبر “التأمين الصحي”.

ويُفضّل السوريون شراء الدواء من الصيدليات التي يديرها سوريون، بسبب “حُسن التعامل”، والإرشادات المفصلة التي يقدمونها من جهة، ولسهولة التفاهم بعيدًا عن اللغة التركية من جهة ثانية، بحسب ما رصدته عنب بلدي من مقابلات مع زبائن لتلك الصيدليات.

من داخل إحدى الصيدليات السورية في اسطنبول – 30 من حزيران 2022 (عنب بلدي)

مصادر أدوية “خطرة” على السوريين

يضطر كثير من السوريين إلى شراء أدوية من مصادر غير مرخصة لبيع الدواء، كمحال المواد الغذائية السورية، لعدم استطاعتهم الحصول على وصفة طبية من المستشفيات التركية، حيث يجب أن يكون السوري حاصلًا على بطاقة “الحماية المؤقتة” ومن ذات الولاية لقبول مُعاينته.

وتترتب على هذا السلوك عدة تداعيات خطرة، بحسب الصيدلاني حسين، الذي أكد عدم أهلية من يبيع الأدوية خارج نطاق الصيدلية علميًا، وهو ما يُفقده الإحاطة العلمية المهمة بالدواء، مثل الأدوية التي تتعارض مع أدوية أخرى أو مع أمراض أخرى لدى المريض.

وأوضح حسين أن الصيدلية تتأكد من تاريخ صلاحية الدواء وطريقة تخزينه، إذ تتطلّب بعض أنواع الأدوية أن تكون مُبردة، وهو ما لا يتوفر في المصادر الخارجية، مع الإحاطة أنه يُمكن لتلك المصادر، غير القانونية، بيع أدوية مُزورة غير ذات فعالية، أو فاسدة.

وأكّد الصيدلاني أنس خطورة شراء دواء خارج الصيدلية، مُستشهدًا بحالة متكررة عندما يشتري السوري دواء مضادًا للالتهاب من خارج الصيدلية بكمية ناقصة عن الجرعة الكاملة للدواء بسبب التكلفة المادية، وهو مايضر المريض الذي يجب أن يأخذ الدواء بجرعته الكاملة للقضاء على المُسبب بشكل كامل.

 وجاء في بيان صادر عن وزارة التربية الوطنية في حزيران 2021، أن عدد الطلاب السوريين الذين يدرسون في الجامعات التركية في العام الدراسي 2021- 2022 بلغ نحو 48 ألف طالب.

ويعيش في تركيا من السوريين الخاضعين لـ”الحماية المؤقتة” نحو 3.68 مليون شخص، بحسب أحدث إحصائية لإدارة الهجرة التركية. ووفق أحدث تصريحات وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، بلغ عدد الحاصلين على الجنسية التركية من السوريين نحو 200 ألف شخص.

جانب من صيدلية حسين بادنجكي حيث تظهر شهادة الصيدلة المُعدلة ورخص فتح المحل- 30 من حزيران 2022 (عنب بلدي)




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة