اسطنبول.. عمال المطاعم عالقون بين ضغط الزبون وصاحب العمل

camera iconمطاعم سورية قرب محطة "يوسف باشا" في مدينة اسطنبول القسم الأوروبي- 29 تموز 2022 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

“لا صاحب المحل بيرحمك، ولا الزبون”، بهذه الكلمات التي قالها بعد تنهيدة طويلة، متعرقًا إلى جانبه حوض الزيت الذي تسبح فيه أقراص الفلافل، عبّر أحد عمال المطاعم في منطقة الفاتح بمدينة اسطنبول عن استيائه من الضغوط التي يتعرض لها في ساعات الازدحام خلال عمله بالمهنة التي ورثها عن أبيه.

يعتبر عمال هذه المطاعم التي تخدم ملايين الأشخاص سواء كانوا مواطنين أو سياحًا أو لاجئين، جنودًا مجهولين، تعترضهم العديد من الصعوبات والمشكلات في هذه المهنة التي توصف بالصعبة والشاقة مقارنة بغيرها من المهن.

ضغط من طرفين

“أحمد” (32 عامًا، اسم مستعار) الشاب الذي تحفظ على ذكر اسمه الحقيقي كي لا يخسر وظيفته، قال لعنب بلدي، إن ساعات العمل وقت الازدحام محببة ولها طقوسها من تحدٍّ بين العمال أنفسهم، وإثبات قدراتهم، لكنها تتحول إلى “كابوس” يعيشه أغلب عمال المطاعم، بسبب الضغوط.

نظرات بعض الزبائن المترقبة، ومناداة بعضهم بصوت عالٍ ونبرة غاضبة سائلين عن طلباتهم، تخلق لدى العامل شعور التوتر والغضب، رغم أن الزبائن يرون الازدحام وأحيانًا طوابير المنتظرين قبلهم، بحسب الشاب.

الأمر لا يقتصر على بعض الزبائن، فحالة التوتر يزيدها صاحب المطعم أو الشخص المسؤول، بإعادة السؤال عن الطلبات، مناديًا بصوت أعلى على العمال، طالبًا منهم إنهاء الطلبات بشكل أسرع.

وتنشط في مدينة اسطنبول العديد من المطاعم السورية التي يعمل فيها عشرات العمال بمختلف الوظائف، في المدينة التي تعد أشهر المدن التركية وأكثرها اكتظاظًا.

تعامل صاحب المطعم جيد مع العمال، بحسب الشاب، لكن الحالة التي تنشأ في ساعات الازدحام تحت تأثير ضغط الزبائن، كفيلة بأن تجعل العامل فيما تبقى من يوم العمل بمزاج سيئ، ينعكس على بقية التفاصيل وعلى آلية تسيير وجبات الطعام بشكل جيد.

“لو ماني ابن مصلحة ما بتحمل”، تابع الشاب الذي اعتاد مهنة أبيه، موضحًا أن المطاعم تشهد تغيرًا شبه أسبوعي في العمال، ودائمًا ما تبحث عن عمال ليسدوا الفراغ.

وقلما يتم تحديد أو تخصيص العمل ضمن المطاعم، فمعظم تقديرات المطاعم لحجم اليد العاملة التي تحتاج إليها غائبة، وتعتمد على أن يعمل الموظف مكان من يغيب أو يأخذ إجازة، وهذا لا يتحمله سوى “أولاد المصلحة”، بحسب تعبير الشاب.

شاب يحضر وجبة داخل أحد المطاعم السورية في اسطنبول- 30 من تموز 2022 (عنب بلدي)

ساعات عمل مرهقة

“من قبل عيد الأضحى حتى الآن لم أحصل سوى على عطلة واحدة”، لم يحظَ الشاب إلا بعطلة واحدة لمدة يوم كامل، منذ 4 من تموز الماضي حتى 11 من آب الحالي، حين حصل على عطلة ثانية، نظرًا إلى الإقبال على المطاعم في فترة العيد وما يتبعها.

صعوبة الحصول على عطلة لا تقتصر على أيام العيد والمناسبات، إذ أوضح الشاب أنه يحصل على عطلة مأجورة ليوم واحد كل 15 يومًا، بمعدل عطلتين كل شهر، بمقارنة غير عادلة وغير منصفة مع مهن أخرى يحظى عمالها بعطلة أسبوعية تمتد من يوم إلى يوم ونصف وبعضها إلى يومين.

“عم بحترق بالصيف وبالشتي”، أضاف الشاب، “جميع المهن تحتاج إلى تعب، لكن الوقوف بشكل يومي لمدة عشر ساعات، بجوار حوض الزيت، ومكان صغير لإعداد الوجبات، والهواء الحار القادم من ماكينات المطعم، كفيلة بأن تحوّل أجواء المهنة إلى فرن”.

شكوى الشاب لا تعني كراهية المهنة التي يزاولها منذ حوالي 18 عامًا، فمحبة المهنة موجودة لديه منذ عمله في مطعم والده بمدينة إدلب قبل أن يغلقه ويدخلوا تركيا منذ تسع سنوات، لكن بعض الصعوبات والمنغّصات بدأت ترهق كاهل الشاب.

رواتب لا تلبي الاحتياجات

“قبل سنتين كنت أحلم براتب يصل إلى ستة آلاف، والآن أحصل على ثمانية، لكن هذا الراتب لا يلبي متطلباتي الأساسية في المنزل”.

يشكو الشاب عدم كفاية راتبه في تأمين الاحتياجات الأساسية لعائلته المكونة من طفلين وزوجته، إذ تشهد تركيا ارتفاعًا في مختلف أسعار السلع والمواد، إضافة إلى ارتفاع إيجارات المنازل التي أصبحت تقاسم المستأجرين حياتهم.

واقترب مؤشر التضخم السنوي في تركيا من نحو 80%، مسجلًا بذلك أعلى نسبة وصل إليها منذ حوالي 24 عامًا، وهو يُعد سادس أعلى معدل تضخم في العالم، بحسب أحدث الإحصائيات المتوفرة.

وأعلنت “هيئة الإحصاء التركية” في تقريرها الشهري عن وصول معدل التضخم على أساس سنوي في تركيا إلى 79.60%، وسط استمرار في ارتفاع التضخم على أساس شهري في تموز.

لم يرغب الشاب بالدخول أكثر في تفاصيل إيجارات المنازل والمواصلات التي تثقل كاهله، منوّهًا إلى وجود رواتب أقل تُمنح للعمال في هذه المهنة، معربًا عن أسفه تجاههم، الأمر الذي يجعل احتمالات مطالبته بزيادة الراتب ضئيلة جدًا.

مطاعم سورية قرب محطة “يوسف باشا” في مدينة اسطنبول القسم الأوروبي- 29 من تموز 2022 (عنب بلدي)

رواتب “مجزية” لكن العقبات موجودة

عمر حميدان، صاحب مطعم في اسطنبول، أوضح في حديث إلى عنب بلدي، أن أجور العاملين في المطاعم والمقاهي مجزية، لكن ارتفاع الأسعار الذي تشهده تركيا لا يتناسب مع الرواتب المدفوعة.

وأشار صاحب المطعم إلى أن أيام العطل وآلية تسليم الرواتب مختلفة عن المهن الأخرى، وتُعطى الرواتب بشكل يومي أو أسبوعي، وقلما تُعطى بشكل شهري، نظرًا إلى متطلبات الموظف الملحة في تأمين احتياجاته المعيشية والمنزلية.

وتعتبر العطل من السلبيات في نظام عمل المطاعم، إذ لا يمكن للمطعم أن يمنح العمال أيام عطل كثيرة كبقية المهن، ويختلف حصول العامل في المطعم عليها بحسب الاتفاق، لكن أقل ما يمكن الحصول عليه هو يوما عطلة في الشهر لكل عامل بأجر مدفوع.

وقال حميدان، إن تحديد أجور الموظفين والعمال في المطاعم يعتمد على خبرة الشخص بعد تجربة العمل لأيام محدودة، ثم يجري الاتفاق مع صاحب العمل، وقد تزيد الأجور بعد العمل لأشهر في المطعم.

وأضاف أن أجر “الشيف” اليومي يتراوح بين 250 و300 ليرة تركية حسب خبرته، وعامل النظافة يحصل على 200 ليرة يوميًا، وعامل الصالة يحصل على 220 إلى 230 يوميًا، حسب المطعم وساعات العمل.

ويحصل عامل التوصيل (الدليفري) على أجر أعلى مما سبق، ويختلف في حال امتلاكه دراجة نارية أم لا، وحسب الاتفاق على العطل وساعات العمل، ويعتبر الأعلى أجرًا في نظام المطاعم حاليًا، بسبب إقبال المطاعم وطلبها المُلح على عمال التوصيل، عدا عن مخاطر المهنة الكثيرة.

اتحاد نقابة العمال في تركيا أعلن، في 28 من حزيران الماضي، عن نتائج مؤشر حد الفقر والجوع في الشهر نفسه، وارتفع التفاوت بين حد الجوع والحد الأدنى للأجور لعائلة مكوّنة من أربعة أشخاص بنحو ألفين و173 ليرة تركية للشهر السادس على التوالي، وفق بيان للاتحاد في موقعه الرسمي.

ووفقًا لأبحاث النقابة، تم حساب تكلفة المعيشة للفرد الواحد العامل، وقُدّرت بحوالي ثمانية آلاف و313 ليرة تركية.

وأثّر الانخفاض في العملة التركية على معيشة السوريين في تركيا التي تعتمد الليرة التركية كعملة للتداول في الأسواق، وبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 18.12 ليرة تركية اليوم، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار الصرف والعملات الأجنبية.

مطاعم سورية قرب محطة “يوسف باشا” في مدينة اسطنبول القسم الأوروبي- 29 من تموز 2022 (عنب بلدي)

شاب يحضر وجبات سريعة داخل أحد المطاعم السورية في اسطنبول- 5 من آب 2021 (عنب بلدي)

مطاعم سورية قرب محطة “يوسف باشا” في مدينة اسطنبول القسم الأوروبي- 29 من تموز 2022 (عنب بلدي)

وجبة داخل أحد المطاعم السورية في اسطنبول- 30 من تموز 2022 (عنب بلدي)




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة