ما الذي تخفيه معدات الاتصالات الصينية المهداة إلى النظام السوري

camera iconالسفير الصيني في سوريا، فنغ بياو، ووزير الاتصالات السوري، إياد الخطيب، ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي السورية، فادي الخليل، يحضرون حفل توقيع اتفاقية مساعدة في دمشق- 20 تموز 2022 (Xinhua)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي– محمد فنصة

أثارت مساعدات الصين الأخيرة للنظام السوري، المتمثلة بمعدات وشبكة اتصالات، التساؤلات حول دوافع بكين، صاحبة الاستثمارات الضعيفة في سوريا والواردات شبه المعدومة، ما يشير إلى مكاسب أخرى غير مذكورة.

وكان وزير الاتصالات في حكومة النظام السوري، إياد الخطيب، وقّع، في 20 من تموز الماضي، مع السفير الصيني في سوريا، فنغ بياو، اتفاقية مساعدة تشمل معدات اتصالات في دمشق.

وتهدف المساعدات، بحسب ما ورد، إلى تحسين البنية التحتية للشبكة المحلية، على أن تُسلّم معدات المساعدات على دفعتين إلى وزارة الاتصالات السورية، كجزء من إسهام الصين بـ”إعادة الإعمار” في سوريا.

تخوّف إسرائيلي

نشر موقع “بريكنغ ديفنس” الأمريكي، في 28 من تموز الماضي، تقريرًا يتحدث عن أن مساعدات الصين الأخيرة في مجال الاتصالات للنظام السوري، هي عبارة عن “واجهة” لمساعدات عسكرية يمكن أن تحد من قدرة إسرائيل على قصف أهداف لها في سوريا.

وبحسب تصريح مصدر دفاعي إسرائيلي للموقع، فقد زار خبراء صينيون في الأشهر الأخيرة بعض المنشآت العسكرية السورية التي تضررت بشدة خلال سنوات الصراع الماضية.

وتتخوف إسرائيل من أن يكون هدف المساعدة الصينية هو إعادة بناء قوات النظام السوري، عن طريق تزويده بأنظمة الاتصالات التي تحتاج إليها شبكة الاتصالات العسكرية السورية، وتعتقد المصادر الإسرائيلية أن العديد من منشآت قوات النظام السوري سيُعيد بناءها الصينيون.

وحذرت المصادر، أيضًا، من أن الصينيين قد يحاولون بيع النظام السوري من أنظمتهم الدفاعية، ما قد “يُعقّد” العمليات الإسرائيلية في سوريا.

وقال الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، داني ياتوم، للموقع الأمريكي، “إن الصينيين دون أدنى شك سينفذون برامج كبيرة في سوريا، وعلى إسرائيل أن تتأكد من أن هذه الحقيقة لن تحد من حريتها بالعمل في سوريا”.

وأضاف أن “العمليات الصينية في العديد من البلدان، تثبت أن هناك دائمًا جوانب أخرى لما قد يبدو كعمل تجاري عادي”.

أمن رقمي مهدد

تُعد الصين من الدول المتقدمة في مجال الاتصالات الرقمية، ولديها من القدرات ما يجعلها من أوائل الدول النشطة في المراقبة والتجسس الإلكتروني، وواجهت كبرى شركات الاتصالات الصينية الخاصة “هواوي” اتهامات بالتجسس لمصلحة الحكومة داخل وخارج الصين.

ومؤخرًا، أعلنت الحكومة الكندية عن حظر استخدام معدات شركة “هواوي”، وزميلتها التكنولوجية الصينية “ZTE” في شبكاتها للجيل الخامس (5G)، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي.

وسبقتها بنفس الإجراءات أستراليا، ونيوزيلندا، وبريطانيا، كما احتجزت كندا المدير المالي لشركة “هواوي”، بناء على العقوبات الأمريكية عليها في عام 2018، وعقدت لاحقًا، في 2021، صفقة تبادل محتجزين مع الصين.

في المقابل، كشفت الوثائق المسرّبة من قبل عميل الاستخبارات الأمريكية السابق، إدوارد سنودن، تجسس الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على العديد من صانعي القرار في البلدان المختلفة، مثل المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، وهو ما يظهر التنافس الصيني- الغربي في مجال المراقبة والتجسس.

وتبدي الصين اهتمامًا بالأمن المعلوماتي لدى سوريا، وفق ما قاله الدكتور السوري في الاقتصاد ومدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، كرم شعار، لعنب بلدي، بسبب وجود المقاتلين من آسيا الوسطى في سوريا، الذين يعدون من أبرز المطلوبين للحزب “الشيوعي” الحاكم في الصين.

ولا يستبعد شعار أن الحكومة الصينية قد تحاول من خلال مساعدات الاتصالات، الحصول على معلومات أكثر عن هؤلاء المقاتلين الذين يهددون أمنها القومي، حسب قولها، على الرغم من وجود معظم هؤلاء المقاتلين في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام.

وفي عام 2016، استهدف انتحاري من الأويغور السفارة الصينية في قيرغيزستان، وقالت أجهزة الأمن، إن الهجوم قد خُطط له ونُفذ من قبل الحزب “الإسلامي التركستاني” النشط في سوريا.

وسافر العديد من الأويغور والمقاتلين من آسيا الوسطى إلى سوريا عبر تركيا، خلال المراحل الأولى من الصراع السوري، وبحسب بحث نُشر في مجلة “PERSPECTIVES ON TERRORISM” في آب 2021، يُقدّر عدد مقاتلي آسيا الوسطى الذين سافروا إلى سوريا والعراق بخمسة آلاف و650 شخصًا.

 أهمية استراتيجية لا اقتصادية

يرى الباحث السوري كرم شعار أن العلاقات السورية- الصينية، تستخدمها الحكومة الصينية “ورقة ضغط” على الحكومات الغربية، أكثر مما هي طموحات حقيقية للاستثمار أو لبناء علاقات مستدامة.

واستشهد شعار بأن الصين تحدثت كثيرًا عن “إعادة الإعمار” في سوريا، لكنها فعليًا لم تنفذ أيًا من وعودها، ولعل أبرزها عندما وقّعت الصين مع النظام السوري مذكّرة تفاهم، في 12 من كانون الثاني الماضي، ضمّت بموجبها سوريا إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، بعد سنوات من بدء الحديث عن هذا الانضمام، دون أي أثر يُذكر حتى الآن.

وتهدف مبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري”، إلى ربط الصين بالعالم وإيصال بضائعها بأسهل وأسرع طريقة ممكنة لجميع قارات العالم عبر طريقين بري وبحري، وتعتمد على إنشاء بنية تحتية بالتعاون مع أكثر من 68 دولة.

بينما يرى النظام في المبادرة، أنها ستساعده على “فتح آفاق واسعة من التعاون مع الصين وعدد من الدول الشريكة بالمبادرة في عدة مجالات، منها تبادل السلع والتكنولوجيا ورؤوس الأموال، وتنشيط حركة الأفراد، إضافة إلى التبادل الثقافي”، بحسب ما أوضحته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

وبحسب تقرير لمعهد “نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة” الأمريكي، سعت الصين إلى دمج النظام السوري بمبادرة “الحزام والطريق”، وحاولت الاستفادة من احتياجات “إعادة الإعمار” الملحّة في البلاد، لتأسيس “موطئ قدم” في قلب بلاد الشام، ولتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.

وتدرك الصين حاجة النظام السوري إليها، وبهذا تعتمد عليه في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية في منطقة بلاد الشام، بما في ذلك تراكم النفوذ الإقليمي على حساب الولايات المتحدة، وفق التقرير.

ومنذ عام 2016، سعت الصين إلى خلق فرص لشركاتها من أجل المشاركة بـ”إعادة الإعمار” في سوريا، بحسب ما أكده مبعوثها الخاص إلى سوريا، شي شياو يان، حينها، موضحًا أن الصين “واثقة من أنها ستشكّل جزءًا من عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب في سوريا”.

بينما أوضح تقرير مجلة “THE DIPLOMAT“، أن العديد من العقبات والمخاطر ستواجه الشركات الصينية والاستثمار في سوريا، إذ إنه على الرغم من “قرب انتهاء الحرب في سوريا” فلا يعني ذلك نهاية الصراع، وقد تشكّل التقلبات والتغيرات في السيطرة من قبل القوى الموجودة على الأراضي السورية سواء كانت من النظام السوري أو القوات الأمريكية والتركية، مصدر قلق لكثير من المستثمرين الصينيين.

كما قد تكون العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على النظام السوري سببًا لتجنب بعض المؤسسات المالية الصينية التورط باستثمارات في سوريا، خشية من عقوبات قد تطالها.

ويعتمد انخراط الصين في سوريا، وفق تقرير “مركز السياسات وبحوث العمليات”، على تصرفات الولايات المتحدة في الصراع، بحيث ستحاول بكين ملء الفراغ الذي تركته الإدارات الأمريكية المتعاقبة من خلال أخذ دور اقتصادي أكثر مركزية في الشرق الأوسط.

وفي الوقت الحالي، تفوق الأهمية الاستراتيجية والأمنية لسوريا أهميتها الاقتصادية بالنسبة للصين، فلكي تستثمر الصين بشكل هادف في سوريا، تحتاج إلى الظروف المناسبة لهذا، بدءًا من حل سياسي دائم ووقف الأعمال القتالية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة