“اكتشافات نفطية” في سوريا.. دعاية إعلامية- سياسية بلا جدوى اقتصادية

camera iconحقل نفطي في محافظة الحسكة - (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد فنصة

تتواتر إعلانات حكومة النظام السوري عن استثمارات مسح جغرافي لاحتمالية اكتشاف حقول نفطية أو غازية، بعدما انسحبت الشركات المستثمرة من عمليات المسح السابقة في الجغرافيا السورية، دون الإعلان عن أي اكتشافات.

وتحدث مدير عام الشركة السورية للنفط، فراس قدور، عن “العديد من الاستثمارات” الحالية لاكتشاف العديد من الحقول النفطية في سوريا، وذلك في 24 من تموز الماضي، على هامش معرض سوريا للبترول “سيربترو”.

وأوضح أن من بينها مشروعًا شمالي وجنوبي دمشق، وآخر في منطقة زملة المهر، في تدمر بريف حمص، على أن يجري حفر الآبار والعمل على زيادة إنتاج كميات الغاز والنفط لرفد “الاقتصاد الوطني وتخفيف أزمة المحروقات”.

وأضاف قدور أن القيم الاستثمارية والجدوى الاقتصادية للمشاريع “كبيرة جدًا”، في حين أن الحقل النفطي بحاجة إلى ما يتراوح بين عشرة و15 مليون دولار لإتمام عمليات المسح والحفر، وتكلفة عملية حفر أي بئر نفطية متوسطة الحجم من خمسة إلى ستة ملايين دولار، كما أن بناء المحطات “مكلف جدًا”، بحسب قدور، الذي اعتبر أن الجدوى الاقتصادية ستغطي التكاليف وتزيد الأرباح حسب الاحتياطي القابل للإنتاج في الحقل.

وأشار قدور إلى أن حقل “زملة المهر” الغازي، المكتشف منذ نهاية عام 2021، لا يزال في مرحلة استكمال الاستكشاف والاختبار والتقييم، ولا يمكن التنبؤ بالاحتياطي النفطي له، لكنه قدّره بنحو تسعة مليارات متر مكعب.

ترويج لأهداف محلية ودولية

صرح مدير المؤسسة العامة للنفط، نبيه خرستين، في شباط الماضي، عن خطة وزارة النفط لتجاوز أزمة نقص الوقود والمشتقات النفطية من خلال الدخول إلى مناطق “استكشافية جديدة” لم يكن بالإمكان الدخول إليها سابقًا، تضم نحو 16 بئر استكشاف وتطوير وإنتاج، مع أمله بصدور نتائج العام الحالي.

ويرى الباحث السوري في دراسات النزاع والحاصل على شهادة بكالوريوس في هندسة النفط والغاز محمود الحسين، أن ما يفعله النظام السوري بالنسبة للإعلانات المتكررة عن وجود ثروات باطنية للكشف عنها، هو عبارة عن “دعاية سياسية”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ويروّج النظام للخارج بأن المساحة الإقليمية السورية تحتوي على ثروات باطنية ونفطية، وهو من أحد أسباب “استهداف سوريا وشن الحرب عليها”، بحسب الرواية الرسمية السورية.

وتنشر الوكالة الرسمية السورية للأنباء (سانا) بشكل دوري، تغطيات عما تصفها بـ”سرقة الاحتلال الأمريكي” النفط من حقول شمال شرقي سوريا، التي تخضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ونقله إلى الأراضي العراقية.

وعلى الصعيد المحلي، قال الباحث السوري محمود الحسين، إن “النظام يوجه رسالة عبر هذه الأخبار للسكان في المناطق الخاضعة لسيطرته، بوجود استثمارات واكتشافات نفطية ستحل أزمة المشتقات النفطية التي يعانيها”.

الباحث أضاف أن النظام السوري عاجز عن توفير المحروقات والكهرباء في مناطق سيطرته، بسبب وجود أغلب آبار النفط والغاز في المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” بمحافظتي دير الزور والحسكة، بالإضافة إلى وجود أزمة طاقة عالمية.

ويعمد النظام في جميع أخباره المنشورة عن الاستثمارات والاكتشافات النفطية إلى عدم إعطاء أرقام دقيقة، حيث تتسم أخباره بـ”الضبابية”، دون التزويد بالتفاصيل كالعوائد المتوقعة من الاكتشافات، والجدوى الاقتصادية، والشركات المتعاقد معها، لأن هدفه من الإعلان عن الاكتشافات الترويج وليس الإخبار، وفق الحسين.

النفط السوري بالأرقام

بلغ إجمالي الاحتياطي النفطي لسوريا قبل عام 2010، 24 مليار برميل من النفط الخام، وبحسب دراسة لمركز “حرمون للدراسات”، في حزيران 2021، فإن ما يمكن استخراجه من النفط الخام هو الجزء الأقل، ويعتمد هذا على التكنولوجيا والمعرفة، وخبرة الحفر، وإدارة المخزون، وبالتالي لا يزيد الجزء القابل للإنتاج على نحو سبعة مليارات برميل، وهو ما جرى إنتاج حوالي خمسة مليارات برميل منه حتى عام 2010.

ولا تعتبر سوريا دولة منتجة للنفط مقارنة بالدول المجاورة كالعراق ودول الخليج، وانخفض إجمالي الإنتاج المحلي في سوريا من النفط إلى أقل من 30% منذ عام 2010، بالوقت الذي انخفضت فيه ميزانية النظام السوري إلى ما يقارب الثلثين.

وفي عام 2010، أنتجت الآبار السورية حوالي 385 ألف برميل بشكل يومي بنسبة 0.5 من الإنتاج العالمي، وفقًا لشركة “BP” (المعروفة سابقًا باسم “British Petroleum”)، وهي ثالث أكبر شركة نفطية خاصة بالعالم.

وسيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على جزء كبير من شرقي سوريا عام 2014، حيث يوجد معظم تلك الآبار، وانخفض الإنتاج إلى ما يتراوح بين 30 و40 ألف برميل في اليوم، استُهلك قسم منها محليًا وبيع قسم آخر بالسوق السوداء.

ثم سيطرت “قسد” على المنطقة الشرقية عام 2017، واستولت على الإيرادات، كأحد مصادر تمويلها الرئيسة، ليصل إنتاج النظام من النفط إلى نحو 27 ألف برميل منذ ذلك الحين.

وتتوزع حقول النفط السورية بواقع ستة حقول في محافظة الحسكة، وأربعة بدير الزور، وحقلين في منطقة تدمر التابعة لمحافظة حمص وسط البلاد، وتعتبر الأخيرة الوحيدة الخاضعة لسيطرة النظام.

استثمارات سابقة فاشلة

في أيار 2021، قررت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عدم تمديد قرار الإعفاء من العقوبات الأمريكية بحق شركة النفط الأمريكية “دلتا كريسنت إنرجي” التي نشطت في شمال شرقي سوريا.

وانتهى إعفاء الشركة من العقوبات الأمريكية بموجب قانون “قيصر”، في 30 من نيسان 2021.

وقال حينها مصدر في الإدارة، إن الرئيس بايدن “لديه سياسة تجاه سوريا، وهذه السياسة هي أننا لسنا في سوريا من أجل النفط، نحن في سوريا من أجل الناس”.

وكان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، صرح، في تشرين الثاني 2019، أن القوات الأمريكية ستبقى في شمال شرقي سوريا “من أجل النفط فقط”، وأنه قد “يتعيّن عليها القتال من أجل النفط”، ما أثار ردود فعل غاضبة في دمشق وأنقرة (تصنف أنقرة القوات المدعومة من واشنطن بأنها إرهابية).

وذكر الباحث محمود الحسين تجربة الشركة الروسية “سويوز نفتغاز” الفاشلة، حين أعلن النظام السوري، في عام 2013، عن استكشافات نفطية في المياه الإقليمية المقابلة للسواحل السورية، وبعد سبع سنوات انسحبت الشركة دون نتائج تُذكر، وعلى الرغم من أن روسيا كانت حليفة النظام ولها مشاريع اقتصادية في البلاد، حاولت الشركة الروسية إخفاء هويتها هربًا من عقوبات “قيصر”.

وتلاعبت حينها الشركة الروسية بتغيير اسمها وجنسيتها، من أجل التهرب من العقوبات الأمريكية، بحسب تحقيق قدمته مجموعة باحثين، نُشر في مركز “حرمون للدراسات”، في أيلول 2020.

وفي عام 2021، حاولت روسيا وضع يدها على حقلي “التيم” و”الورد” النفطيين في ريف دير الزور ضمن منطقة سيطرة النظام، من خلال خبرائها الذين أوفدتهم إلى هناك.

وهدفت روسيا من خلال الاستثمار بالحقلين إلى استعادة هذه الآبار طاقتها الإنتاجية التي كانت عليها سابقًا، حيث يُقدّر إنتاج “التيم” بنحو 2500 برميل يوميًا، و”الورد” بخمسة آلاف برميل.

وبعد شهر من إرسال الخبراء الروس إلى هذين الحقلين، انسحبت الشركة وأعادتهم دون أي نتائج، بعد معرفة أن جدوى الاستثمار في الحقل شبه معدومة، بحسب دراسة “حرمون“.

ولا يعتقد الباحث في دراسات النزاع محمود الحسين خوض أي شركة أجنبية في مشاريع استثمار الكشف النفطي حاليًا، خوفًا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية. ومن الناحية الأمنية، تغامر الشركات النفطية عادة بالعمل في مناطق خطرة، لكن في الحالة السورية، تبقى العقوبات مانعًا اقتصاديًا لعمل الشركات إلى حين الوصول لتسوية سياسية.

ولدراسة الجدوى الاقتصادية على المستوى التقني، يجب وجود مسح حقيقي على الأرض وشفافية في الأرقام، وهذا غائب من طرف النظام، إذ توجد مرحلة الآبار الاستكشافية لمعرفة الجدوى، ومتى يمكن الإنتاج، وبشكل عام تأخذ فترة الاستكشاف والتقييم فترة طويلة من الزمن تتجاوز العام، وفق الحسين.

وتعاني مناطق سيطرة النظام السوري شحًا في المحروقات، أظهره رفع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري أسعار مبيع البنزين بنوعيه “المدعوم” و”الحر” إلى نحو الضعف في آب الحالي، وتأخر وصول رسائل تسلّم المحروقات للمواطنين، إذ يمتد إلى أكثر من 100 يوم لتسلّم جرة غاز على سبيل المثال.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة