سوريا.. ما دلالات إنهاء الاحتفاظ العسكري بطلاب الطب والهندسة

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد يزور وحدات عسكرية في محافظة إدلب شمال غربي سوريا- 23 من تشرين الأول 2019 (سانا)

tag icon ع ع ع

أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الشهر الماضي، أمرًا إداريًا يقضي بإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للضباط والطلاب الضباط الاحتياطيين، الذين يلتحقون بالخدمة العسكرية الإلزامية بعد دراسة مدتها خمس سنوات في الكليات الجامعية مثل الطب والهندسة، دون توضيح أسباب صدور الأمر الإداري، واختيار هذا التوقيت.

وفي 27 من آب الماضي، أصدر الأسد أمرًا إداريًا نص على تسريح الضباط والطلاب الضباط المجندين الملتحقين بالخدمة الإلزامية، إلى جانب إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين، اعتبارًا من 1 من تشرين الأول المقبل.

ونص الأمر الإداري، الذي نشرته الوكالة السورية للأنباء (سانا)، على إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للضباط المجندين المحتفظ بهم، والطلاب المجندين المحتفظ بهم من كافة الاختصاصات، والضباط والطلاب الضباط الاحتياطيين، لكل من بلغت خدمته الاحتياطية الفعلية سنة فأكثر حتى 31 من آب الحالي.

إلى جانب تسريح الضباط والطلاب المجندين الملتحقين بالخدمة الإلزامية، اعتبارًا من تاريخ انتهاء خدمتهم الإلزامية.

وتضمن الأمر الإداري أيضًا، إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين، اعتبارًا من 1 من تشرين الأول المقبل، لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين المحتفظ بهم، والمدعوين الملتحقين، لكل من بلغت خدمته الفعلية ست سنوات ونصف، فأكثر، حتى تاريخ 31 من آب الحالي.

كما تضمن الأمر إنهاء احتفاظ صف الضباط والأفراد الاحتياطيين المحتفظ بهم والمدعوون الملتحقون، من مواليد 1983، لكل من بلغت خدمته الاحتياطية الفعلية سنتين فأكثر حتى 31 من آب، إلى جانب التسريح لاحقًا لمن يكمل سنتين خدمة احتياطية فعلية من هذه المواليد.

ويأتي القرار بعد أكثر من أسبوعين على إصدار وزارة الدفاع في حكومة النظام، في 10 من آب، تعميمًا بتسريح الأطباء والصيادلة، ممن أنهوا الخدمة الإلزامية، مع إنهاء الاحتفاظ لمن كان بالخدمة الاحتياطية منهم، بدءًا من 1 من أيلول الحالي، ما عدا اختصاصيي التخدير، والعناية المشددة، والطوارئ.

وأوعز التعميم لإدارة الخدمات الطبية مسؤولية تسريح الأطباء اختصاصيي التخدير، والعناية المشددة، والطوارئ، حين انتهاء الخدمة الإلزامية أو إنهاء التحفظ عن الاحتياطيين، بحسب “إمكانية الاستغناء عن خدماتهم”.

للحد من هجرة الكفاءات

لم يشمل الأمر الإداري جميع الضباط الأطباء، إذ أوضح نائب مدير إدارة القوى البشرية في الجيش، حسين كورو، أن هذا الأمر ينهي الاحتفاظ بالضباط المجندين مع استمرار الاستثناء الذي نص عليه التعميم الصادر من وزارة الدفاع في 10 من آب، حول تسريح الأطباء ما عدا اختصاصات التخدير والعناية المشددة والطوارئ.

الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، والزميل غير المقيم في معهد “التحرير لسياسات الشرق الأوسط” (Timep)، محسن المصطفى، أوضح في لقاء مع عنب بلدي، أن القرار المتعلق بالخدمة العسكرية، يرتبط “بشكل وثيق”، في محاولة النظام للحدّ من هجرة الكفاءات، واستشهد بالمرسوم رقم “16” الذي أتبعه رئيس النظام بعد يومين من القرار، بقبول عدد من طلاب الطب ومن حملة الإجازة الطب كملتزمين بالخدمة لدى الجهات العامة.

وفي 29 من آب الماضي، أصدر الأسد، مرسومًا يطلب خلاله من مجلس التعليم العالي تحديد أعداد من طلاب الجامعات في الأفرع المعنية في القطاع الصحي للالتزام بالعمل لدى الجهات العامة مدة عشر سنوات، على أن تحسب من خدمته في صفوف قوات النظام، وذلك بهدف رفد جهات القطاع الصحي العامة بالكوادر الطبية ووضع “آلية قانونية” تضمن دعم هذا القطاع، كما جاء في المرسوم.

وتتكرر الشكاوى في مناطق سيطرة النظام السوري من نقص الكوادر الطبية، والظروف السيئة لممارسة المهنة في سوريا في ظل أزمات اقتصادية ومعيشية وخدمية لا تشجع على استمرار العمل فيها، دون وجود حلول عملية من قبل الحكومة لدعم الكوادر الطبية بالأجور والمعدات.

وفي 17 من أيار الماضي، صرّح نقيب أطباء ريف دمشق، خالد موسى، أن بعض الاختصاصات الطبية قد تواجه خطر الزوال في سوريا إذا بقي الإقبال على هذه الاختصاصات ضعيفًا.

وفي حديث مع إذاعة “ميلودي اف ام“، قال موسى، إن الاختصاصات الأكثر قلة في الإقبال عليها هي اختصاص الطب الشرعي، وجراحة الأوعية والكلية، والتخدير، موضحًا أن النقابة قد تلجأ لاستقطاب أطباء اختصاصيين من الخارج بهذه الاختصاصات.

وأضاف أن هنالك عددًا كبيرًا من خريجي الطب يغادرون للخارج بهدف متابعة الاختصاص أو العمل، وأن بعض الأطباء يتجهون لدول غير آمنة كاليمن والصومال وغيرهما بحثًا عن فرص عمل.

خسارة بمنظور النظام

يرى الباحث محسن المصطفى أن النظام السوري يحاول الحد من هجرة الأطباء ليس بسبب النقص في الكادر الطبي وحسب، وإنما لأن النظام يعتبر بحسب منظوره أن دراسة طالب الطب في الجامعات السورية لأكثر من ست سنوات وهجرته بعدها للعمل خارج سوريا “خسارة مادية”.

ويعتقد الباحث، أن غالبية المتخرجين من الجامعات السورية، يهاجرون لعدة أسباب من بينها وجود خدمة العلم الإلزامية، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، التي تدفع حتى بعض الفئات التي لا تنتمي “للبيئة المعارضة” لمغادرة سوريا.

وأثار وزير التربية السوري، دارم طباع، جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أشار إلى ترك دراسة الطب بسبب مهاجرة طلابه بعد التخرج، خلال لقاء على قناة “الفضائية السورية التربوية”، في 27 من آب الماضي، حين قال، “أيهما أفضل أن يدرس الطالب الطب ثم اختصاص، ويقضي 12 سنة، ثم يسافر لألمانيا ويخدم الألمان، أم يدرس معهد مهني لمدة سنتين ويدخل لسوق العمل بعمر 20 سنة ويحصد مليون ليرة شهريًا”.

ويعتبر الأطباء السوريون أقوى مجموعة طبية بين حاملي الجنسية الأجنبية في ألمانيا، بمجموع خمسة آلاف طبيب يعملون في ألمانيا، زاد عددهم بأكثر من ستة أضعاف منذ عام 2010، بحسب التقرير السنوي للاندماج والهجرة الألماني (SVR) لعام 2022.

اكتفاء عسكري

على مدى السنوات الماضية، صدرت عدة أوامر تسريح من الخدمة العسكرية شملت فئات وحالات معينة، بناءً على أرقام توفرها إدارة القوى البشرية، عن عدد العسكريين الإلزاميبن والاحتياطين، وعندما يصبح هناك اكتفاء من ناحية التعبئة العسكرية اللازمة يصدر النظام أوامر إدارية لتسريح عدد معين محسوب سابقًا، وفق المصطفى.

وأكد مدير إدارة القوى البشرية، حسين كورو، في تعليقه على الأمر الإداري الأحدث بقوله، “إن الأوامر الإدارية الخاصة بالتسريح مرتبطة بالمعطيات والظروف الميدانية على الأرض مع مراعاة الحفاظ على الجاهزية القتالية”.

بدوره أوضح الباحث محسن المصطفى، أن النظام حاليًا يغطي احتياجه من الضباط ذوي الرتب الصغيرة، بالضباط العاملين (المتطوعين) عوضًا عن الضباط المجندين وذلك لتغطية الاحتياجات العسكرية، لذا أمر بتسريح عدد من الضباط وطلاب الضباط لتعويض النقص الحاصل في الحياة المدنية.

وأشار إلى وجود ثلاثة عوامل أدت للاكتفاء في عدد الأفراد بالنسبة لقوات النظام، أولها تجميد العمليات العسكرية على الجبهات، مع تحقيق التعبئة العسكرية لنسبتها اللازمة، بالإضافة لالتحاق “عدد كبير” من الشباب بالخدمة الإلزامية، وكذلك التحق عدد ممن خضع لـ”التسويات” أو “المصالحات” مع النظام إلى الخدمة العسكرية، وأخيرًا يؤثر النمو السكاني كقاعدة عامة في عدد الأفراد الذين يصلون للعمر المحدد للالتحاق بالخدمة الإلزامية، ولذا تخفف مدتها على مدار السنوات.

إيحاء بنهاية المعارك

عزا المصطفى صدور قرار التسريح وإلغاء الاحتفاظ العسكري الأحدث، والذي يشمل فئة واسعة من الأفراد المطابقين للشروط، في هذا التوقيت، إلى “تخفيف حدة التوتر” في الشارع السوري، وذلك بعد صدور عدة قرارات اقتصادية وحقوقية زادت من الانتقادات الموجهة لحكومة النظام، مثل رفع سعر البنزين، وإزالة شرائح مجتمعية من الدعم، وقانون الجرائم الالكترونية، ومسودة قانون “توحيد النقابات” تحت ظل الحكومة.

وأضاف، أن مثل هذا القرار “يوحي بنهاية المعارك وانتصار النظام”، لذا يتجه نحو تسريح عدد من أفراد قواته، في حين أن التسريح جاء بعد الاكتفاء من الأعداد في صفوف قوات النظام.

ولا يعتقد الباحث أن قرار تسريح الضباط يرتبط بحديث النظام عن التصدي للهجوم التركي المرتقب، أو عن استعادة مناطق المعارضة، إذ لا يتوقع من النظام أن يشارك أو يقاوم في حال بدء عملية عسكرية من قبل تركيا، خوفًا من تعرضه لخسائر كبيرة، وإنما يمكن أن يدعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لوجستيًا.

“مستفيد من الحالتين”

أوضح الباحث محسن المصطفى، أن النظام يستفيد من الذين يهاجرون خارج سوريا دون التحاقهم في الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، عبر دفع بعضهم للبدل العسكري الذي يبلغ ثمانية آلاف دولار، أو خمسة آلاف بدل “خدمة احتياط”، ليكون بإمكانهم القدوم إلى سوريا وزيارة الأهل، وكذلك عن طريق الحوالات المالية التي تُرسل لمناطق سيطرة النظام شهريًا من قبل هؤلاء الشباب.

وبحسب حديث رئيس “هيئة الأوراق والأسواق المالية”، التابعة لحكومة النظام السوري، عابد فضيلة، مع صحيفة “الوطن” المحلية في 5 من تموز الماضي، تشير التقديرات “شبه الرسمية” إلى أن متوسط قيم الحوالات المرسَلة إلى مناطق سيطرة النظام، تتراوح بين خمسة ملايين وسبعة ملايين دولار يوميًا، مضيفًا أن اتساع عدد وتوزع السوريين في الخارج، وإرسال الكثير من الحوالات خارج القنوات الرسمية، يجعل من الصعب وضع تقديرات حول إجمالي قيم الحوالات بشكل دقيق.

وقدّر فضيلة أن حوالي ثلث المقيمين في مناطق سيطرة النظام يعتمدون في معيشتهم على الحوالات الخارجية بشكل رئيس، والتي ترتفع عادة بالتزامن مع الأعياد والمناسبات الاجتماعية الأخرى.

وأجبرت قوات النظام سوريين أنهوا خدمتهم على العودة إلى صفوفها من أجل “الخدمة الاحتياطية” عند اندلاع الثورة السورية.

ولا يحدد قانون خدمة العلم في سوريا مدة للخدمة الاحتياطية أو الاحتفاظ بالعساكر.

ولا تفصح وزارة الدفاع السورية عن عدد المجندين في الجيش وتفاصيل المحتفظ بهم والذين يخدمون في الاحتياط، لكن مواقع عالمية من بينها “Global Fire Power” تقدر عددهم بـ150 ألفًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة