“60 دقيقة”.. قضايا اجتماعية حساسة تتجاوز التحرش

camera iconياسمين وزوجها الدكتور أدهم في أحد مشاهد مسلسل "60 دقيقة" (منصة شاهد)

tag icon ع ع ع

صُممت نسبة كبيرة من الأعمال الدرامية خلال السنوات الأخيرة لعرضها خارج الموسم الرمضاني، ومن بوابة المنصات، تطرح موضوعات بعيدة عن واقع الشريحة الكبرى من المجتمع، وتغرق في فوضى الحركة والإثارة البصرية، إلا أن المسلسل المصري “60 دقيقة” جاء في مسار مختلف.

العمل الذي صدر في أيلول من عام 2021، ضمن تسع حلقات، يعرض إحدى المشكلات التي يعانيها المجتمع المصري، ومجتمعات عدة أخرى على اختلاف المكان، والضحية الكبرى فيها هي المرأة.

والقضية أن “الدكتور أدهم”، طبيب نفسي شهير، تشكّل عيادته قبلة لكثير من المرضى والمريضات اللواتي يعانين مشكلات نفسية لا يتردد الطبيب في استخدامها سلاحًا ضد المريض نفسه، بصرف النظر عن القسم المهني الذي يسبق مزاولة المهنة، وحالة الثقة التي تتطلبها زيارة عيادة طبيب نفسي، ثم الحديث والبوح بما عزّ الحديث عنه أمام أقرب المقربين، كل ذلك لا يوليه الطبيب أي اهتمام في طريقه نحو استغلال مرضاه.

وبما أن زيارة الطبيب النفسي تأتي مدفوعة بشكوك المريض، وأسئلة كثيرة لم يجد أجوبتها، فـ”الطبيب أدهم” يفصّل الأجوبة والحجج يما يناسب ميوله ورغباته، في طريقه للتحرش والاعتداء على مريضاته.

العمل يبدأ بهدوء مصورًا جو الأسرة الدافئ، دون أن يغيب عنه الاضطراب، حتى ترى “ياسمين” زوجة الطبيب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تسجيلًا مصوّرًا يظهر مريضة سابقة لدى زوجها تحاول الانتحار.

وبعد فشل المحاولة، تنكر الشابة أنها زارت عيادة الطبيب من قبل، كما ينكر هو نفسه ذلك، لكن شكوك الزوجة التي استيقظت مشحونة بمواقف سابقة وسلوكيات زوجها معها، دفعتها للبحث بشكل منفرد عن ملابسات عمل زوجها الذي يشكّل مجرد اتهامه عيبًا اجتماعيًا، وتطاولًا على صورة الطبيب الناجح من قبل أعداء النجاح.

إلى جانب التركيز على قضية التحرش، وإقحام وسائل التواصل الاجتماعي بها لتحريك الرأي العام، بما يشكّك بجدوى المحكمة والقضاء قبل تحويل القضية إلى الرأي العام، فالعمل يشير بشكل أو بآخر إلى القوة، ودور النفوذ والسطوة الاجتماعية والعلمية، لا المالية أو الأمنية فقط، في تحريك آراء الناس ومواقفهم وحالة التعاطف التي تستند أحيانًا إلى موقع الجاني وموقع الضحية، فالشارع إلى حد بعيد يستبعد الخطأ عن الطبيب، ويعصمه عن النزوة وحتى المرض والعقد النفسية، ويشن هجومًا كاسحًا على من يتهمه، ولا سيما إذا كان من مرضاه، ما يعني تشكيكًا بسلامة المريض وصحته العقلية والعاطفية.

وفي الوقت نفسه، يوضح “60 دقيقة” الدور الذي قامت به وسائل التواصل الاجتماعي في شهرة ذوي مهن مختلفة خارج الإطار الفني مثلًا، كالطبيب وأي صاحب مهنة آخر يقصده أبناء الطبقة الراقية، بما سيحوله بالضرورة لأحد أفراد النخبة، لا في الواقع فقط، بل وعبر الإنترنت، في تعميم عشوائي لحالة النجومية التي تشكّل في حالة كهذه ترويجًا للطبيب، وخلق حالة ثقة مبدئية قائمة على نصيحة آخرين بالتداوي على يديه.

يروي العمل الحكاية باتجاه معاكس، ولا يفضح النهاية رغم تقديمها على جرعات في كل حلقة، بدقائق قليلة تسبق شارة البداية، وصولًا إلى الحلقة الأخيرة التي تقدّم الأجوبة كاملة، وتحسم حالة الجدل حول تورط الطبيب من عدمها، لترد المشكلة وفق قناعات علماء نفسيين كثر، منهم سيغموند فرويد، إلى طفولة الفرد المبكرة، التي تعتبرها بعض المدارس النفسية منجم تفسيرات للاضطرابات التي يعانيها الشخص في الحاضر ربما.

60 دقيقة هي مدة جلسة العلاج النفسي التي يقدمها الطبيب لمرضاه، وهي المدة ذاتها التي يحاول بها الإيقاع بضحاياه بعد أن يخلع وجه الطبيب، معتمدًا على ضعف الضحية، وظرفها وصورتها الاجتماعية حينًا، وخوفها وصمتها المضمون، وقلة حيلتها وضعف حجتها أمام حجم اسمه حينًا آخر، دون تردد بفضح أسرار المريض الشخصية لإسكات اتهام ما.

المسلسل من تأليف محمد هشام عبية، وإخراج مريم أحمدي، وبطولة السوري محمود نصر، الذي يؤدي دور “الدكتور أدهم”، إلى جانب ياسمين رئيس، وسوسن بدر، وشيرين رضا، وفاطمة البنوي، وهو من إنتاج منصة “شاهد”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة