نائبة في البرلمان الأوروبي تنتقدها

كيف تسهم زيارات مسؤولين أوروبيين إلى سوريا بـ”بناء الوهم”

camera iconالقائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي يزور الهلال الأحمر السوري في حماة، برفقة وفد أممي- 10 من آب 2022 (الهلال الأحمر السوري فيس بوك).

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

كثّف مسؤولون أوروبيون خلال الأشهر القليلة الماضية زياراتهم إلى مناطق سيطرة النظام في سوريا، تحت عباءة المساعدات الإنسانية، و”التعافي المبكر”، مع الحديث أيضًا عن حق جميع السوريين في “العودة” إلى سوريا.

أحدث تلك الزيارات أجراها القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو، في 13 من أيلول الحالي، وعقد خلالها لقاء مع المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، قال فيه إن للسوريين الحق في “العودة إلى ديارهم”، لكن الظروف لم تتحقق بعد.

هذه الزيارات تفتح الباب أمام تساؤلات تتعلق بآلية التعامل الأوروبي مع النظام السوري، طالما أن الموقف الرسمي الأوروبي يمنع أي ارتباط أو اتصال دبلوماسي، والزيارات تندرج في هذا الإطار.

العضو في البرلمان الأوروبي كاترين لانجنزيبين، أوضحت لعنب بلدي أن البرلمان الأوروبي وضع، في عام 2021، اتفاقية تمنع أي تواصل أو ارتباط دبلوماسي مع “نظام الأسد”، وفق تعبيرها، مبدية انزعاجها من زيارات المسؤول الأوروبي.

كاترين لانجنزيبين

عضو في البرلمان الأوروبي منذ عام 2019، ونائبة في لجنة الشؤون الخارجية المسؤولة عن سوريا وإفريقيا (جنوب الصحراء)، ونائبة رئيس لجنة التوظيف والشؤون الاجتماعية.

ليست الأولى

المسؤول الأوروبي، وفي إطار حديثه عن “الاجتماع التفاعلي” مع المفوض السامي لشؤون اللاجئين، بحسب ما نقله عبر “تويتر”، أكد دعم الاتحاد الأوروبي العمل والتقييم المستمرين للمفوضية في سوريا، التي لديها تفويض لحماية اللاجئين وتعزيز حلول دائمة لقضيتهم، بما في ذلك “العودة الطوعية”، مشيرًا إلى ضرورة تهيئة الظروف من أجل “عودتهم عودة آمنة وطوعية وكريمة، وكذلك عودة المهجرين داخليًا، وفقًا للقانون الدولي، ومبدأ عدم الإعادة القسرية”.

لكن مسؤولة البرلمان الأوروبي أبدت تحفظها على مكان الزيارة، موضحة أنها ذات دافع إنساني، وهذا أمر لا خلاف عليه، ولكنها تساءلت لمَ يجريها على أرض سوريا، إذ أشارت إلى إمكانية الذهاب إلى لبنان أو تركيا، حيث تقيم نسبة كبيرة من اللاجئين، لا إلى سوريا التي يمنع البرلمان الأوروبي أي تواصل دبلوماسي مع النظام فيها.

هذه الزيارة سبقتها أيضًا، في 8 من آب الماضي، جولة أخرى أجراها دان ستوينيسكو في عدة مدن سورية، للمرة الأولى منذ عام 2011.

وذكر حساب الاتحاد الأوروبي في سوريا عبر “تويتر“، حينها، أن الزيارة جاءت بالاشتراك مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وشملت محافظات حمص وحماة وحلب، في ظل ارتفاع الاحتياجات الإنسانية في سوريا بشكل متسارع، باعتبار أن “الأزمة لم تنتهِ بعد”.

عضو البرلمان الأوروبي كاترين لانجنزيبين أكدت عدم معرفتها بالجهة التي منحت دان ستوينيسكو التفويض لإجراء زيارة من هذا النوع إلى سوريا، رغم وجود العقوبات الأوروبية.

حديث دان ستوينيسكو بعد زيارته الثانية عن مسألة “العودة الطوعية” ليس الرسالة الأوروبية الوحيدة التي تصب في هذا السياق، ففي اليوم نفسه، وقبل نحو ساعة، أكد حساب “الاتحاد الأوربي في سوريا“، عبر “تويتر”، دعمه “العودة الطوعية” حال توفر الظروف الملائمة.

هذه العودة تعترضها الكثير من الملفات العالقة ضمن القضية السورية، وفق كاترين لانجنزيبين، فهناك مسألة الإخفاء القسري، وملاحقة المدنيين من قبل قوات الأمن، وأيضًا قضية المعتقلين والسجون، ومنها سجن “صيدنايا”.

تركّز زيارات المسؤول الأوروبي على مشاريع “التعافي المبكر“، وهي من البنود التي أصرت عليها روسيا لتمرير القرار “2642“، الخاص بتمديد المساعدات عبر الحدود لستة أشهر.

عضو البرلمان الأوروبي كاترين لانجنزيبين (كاترين لانجنزيبين/ الموقع الرسمي)

سوريا غير آمنة

أوضحت كاترين لانجنزيبين، في حديثها إلى عنب بلدي، أن التواصل الوحيد الذي يمكن للاتحاد الأوروبي إجراؤه مع النظام، ينحصر بغرض المساعدات الإنسانية، معتبرة أن زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى سوريا والصور التي ينشرونها والتصريحات، تبدو وكأنها استراتيجية لإظهار الأمور على أنها تتحسن في مناطق سيطرته.

وعزت هذه الخطوة لـ”التشجيع على العودة الطوعية” وفق منظور المسؤولين الأوروبيين، مشيرة في الوقت نفسه إلى “نقطتين جوهريتين”، وهما أن سوريا، خاصة مناطق سيطرة النظام، غير آمنة، كما أنه لا “عودة طوعية” بهذا الشكل، باعتبار أن الظروف غير مواتية، والزيارات الأوروبية تقدم إشارات ورسائل غير صريحة، بأن سوريا على طريق التعافي، وهو أمر ينافي الواقع.

وفي 14 من أيلول الحالي، حذرت اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن سوريا، التابعة للأمم المتحدة، من احتمالية التصعيد العسكري مجددًا في سوريا، ما قد يكرّس معاناة السوريين أكثر.

التقرير الذي صدر في 50 صفحة، حول حالة حقوق الإنسان في سوريا بين 1 من كانون الثاني و30 من حزيران الماضيين، لفت إلى أن التعبئة القتالية بين القوات التركية وحلفائها، وحشود القوات الكردية وحلفائها في الشمال السوري لا تزال مستمرة.

كما تطرّق التقرير لوجود العديد من الحوادث المميتة الحاصلة مؤخرًا في سوريا، بما في ذلك قصف استهدف سوقًا مزدحمة في مدينة الباب، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 16 مدنيًا، بينهم خمسة أطفال، و36 جريحًا، في آب الماضي.

وتتواصل جرائم الحرب المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة التي تُرتكب في سجون النظام السوري، إذ وصل التعذيب في السجون إلى حد وفاة بعض المعتقلين، وفق التقرير.

“ألا يكون هناك بشار الأسد”

وتتجه بعض الدول التي تشكل الخزّان البشري الأكبر للاجئين السوريين، كتركيا ولبنان، مؤخرًا للدفع نحو إعادة السوريين من البلدان التي تستقبلهم إلى سوريا، تحت مسميات “العودة الطوعية” و”العودة الآمنة” وغيرهما.

لكن هذه “العودة” مرتبطة بظروف البلد المستقبل أيضًا، إذ تتزامن مع ظروف ومتغيرات سياسية واقتصادية وداخلية يعيشها البلدان، كالانتخابات التركية المزمعة العام المقبل، والأوضاع الاقتصادية المتهالكة في لبنان ومستوى علاقة حكومته بالنظام السوري.

العضو في البرلمان الأوروبي كاترين لانجنزيبين، أكدت أن تركيا بمشروع “العودة الطوعية” الذي أطلقته تصريحات الرئيس التركي بوضوح، منذ أيار الماضي، تناقض الاتفاقية التي وقعتها مع الاتحاد الأوروبي والتي نصت على عدم إعادة السوريين، مقابل دعم مالي يغطي احتياجاتهم بمختلف القطاعات.

وحول تهيئة ظروف العودة بالنسبة للاجئين السوريين، أوضحت لانجنزيبين أن ما يجري يمثل استراتيجية خطوة بخطوة، باعتبار أن الاتحاد الأوروبي لن يقول إن “سوريا آمنة”، لكن وبشكل تدريجي، عبر الزيارات والتصريحات واستخدام لغة ألطف وخفيفة، توحي بأن سوريا تتحسن وهناك إمكانية لإعادة السوريين، مشددة على أن كل ذلك مخالف للعقوبات وحظر الاتصالات الدبلوماسية مع النظام.

واعتبرت أن هذه الزيارات تحمل خداعًا للناس، فحتى الزيارة السابقة للقائم ببعثة الاتحاد الأوروبي، دان ستوينيسكو، في آب الماضي، جرت بالتزامن مع عطلة لأعضاء الاتحاد الأوروبي.

كما أعربت عن أملها بألا تعني زيارات من هذا النوع اعترافًا تدريجيًا أو ضمنيًا بشرعية النظام السوري، أو إعادة العلاقات معه بأي شكل من الأشكال، معتبرة أن الظرف المناسب لعودة السوريين هو “ألا يكون هناك بشار الأسد”، وإطلاق المعتقلين ومنح الحريات، فالدعم الذي يلقاه الأسد من روسيا يعوق حتى إمكانية الوصول إلى مكان أو نقطة يمكن من خلالها زيارة السجون والمعتقلات ومراقبة واقعها، كمعتقل “صيدنايا” مثلًا.

لانجنزيبين أشارت إلى أهمية زيارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال شرقي وشمال غربي سوريا، ومناقشة أوضاع السوريين في لبنان وتركيا والأردن أيضًا، لا زيارة دمشق.

القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو، في زيارة إلى عدة مدن سوريا_ 8 من آب 2022 (أوتشا- سوريا/ تويتر)



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة