“الاتحاد الوطني لطلبة سوريا”.. أسهم باعتقال الطلاب ويمثّلهم في محافل دولية

camera iconالمؤتمر الخامس عشر لـ"الاتحاد الوطني لطلبة سوريا"-27 من تموز2020(الاتحاد الوطني لطلبة سوريا/فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – لجين مراد

بعد سنوات من المشاركة بقمع الاحتجاجات الطلابية وتحويل المباني التعليمية إلى أفرع أمنية، عادت ذراع حزب “البعث” في الجامعات السورية إلى الواجهة، لتظهر في أحد المحافل الدولية لـ”تمثيل” آلاف الطلاب، وهي التي صنعت قيودهم وكمّمت أفواههم طوال العقود الماضية.

رغم ضلوعه بعرقلة العملية التعليمية، والمشاركة بقرار إنهاء الحياة الجامعية لمئات الطلاب، حضر “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” قمة “تحويل التعليم” المنعقدة في نيويورك، في الفترة بين 16 و19 من أيلول الماضي، على هامش الدورة الـ77 لـ”الجمعية العامة للأمم المتحدة” متمثلًا برئيسته، دارين سليمان.

ذراع “البعث” و”صمام أمان” السلطة

منذ تأسيس “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” عام 1963، مثّل الاتحاد حزب “البعث” في الجامعات السورية.

هذا ما ظهر في مختلف المحطات السياسية والأمنية التي شهدتها سوريا، واستمر حتى هذه اللحظات التي تتحول فيها منصات الاتحاد إلى إذاعة لنقل إنجازات وتحركات “البعث” والأعضاء المنتسبين له.

ورغم محاولة رئيسة الاتحاد الحالية، دارين سليمان، تغيير هذا الطابع ونقل صورة عن الاتحاد بأنه “الممثل الشرعي لكل الطلاب بمختلف انتماءاتهم السياسية والحزبية”، تكثر العوامل التي تؤكد ارتباط الاتحاد بالحزب.

على رأس هذه العوامل، تولي أحد أعضاء القيادة القطرية لحزب “البعث” الذين واصلوا تأكيد ولائهم التام للحزب بكل تحركاتهم وخطاباتهم، عمار ساعاتي، رئاسة الاتحاد لحوالي 17 عامًا.

ويشارك ساعاتي بصفته عضو “الفرقة الحزبية” في جميع فعاليات الاتحاد الطلابية، بينما لا يوجد أي حضور لممثلين عن أحزاب أخرى، وفق ما قاله الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” والمهتم بالحراك المدني قبل الثورة السورية يمان زباد.

وأضاف زباد في حديث إلى عنب بلدي، أن للحزب مكاتب في جميع الجامعات السورية، لكن بقية الأحزاب غائبة عن المشهد، معتبرًا حديث دارين سليمان محاولة لـ”تلميع صورة الاتحاد” بشكل خاص، وتأكيد رواية النظام بشأن وجود تعددية حزبية في مؤسساته بشكل عام.

واستخدم النظام السوري الاتحاد “صمام أمان” يضمن منع أي حراك طلابي مناهض له، حتى لو كان الحراك خدميًا، وفق ما قاله زباد، مشيرًا إلى أن دور الاتحاد اقتصر حينها على كتابة التقارير بالطلاب الذي يظهرون أي رأي يخالف النظام، وضبط الطلاب الجامعيين لمنع أي نشاط أو حراك خارج إطار “البعث”.

“الاتحاد الوطني لطلبة سوريا: منظمة شعبية تضم طلبة الجامعات السورية الحكومية والخاصة والمعاهد العليا والتقانية، له فروع داخل سوريا وخارجها، أُسس الاتحاد رسميًا في 23 من نيسان عام 1963”

من وراء الكواليس

شارك الاتحاد قبل بدء الثورة السورية بتنظيم مختلف النشاطات الطلابية التي تصب بمصلحة النظام السوري، من خلال العمل على أدلجة طلاب الجامعات على القيم الفكرية لحزب “البعث”.

وظل “الاتحاد الوطني” لسنوات مشرفًا على “معسكرات التدريب الجامعي” للطلاب حتى قرار حل مراكز التدريب التي تدير المعسكرات في عام 2015، إلى جانب اتهامه بتجنيد الطلاب لمصلحة الأجهزة الأمنية.

كما شكّل الاتحاد جزءًا من العملية التعليمية الجامعية في سوريا، تحت مظلة قانونية رسمها قانون “تنظيم الجامعات” الصادر في عام 2006.

وفرض القانون وجود ممثلين عن الاتحاد في مختلف مستويات الإدارة الجامعية، أبرزها “مجلس التعليم العالي” الذي يضم رئيس الاتحاد إلى جانب ممثل يقترحه المكتب التنفيذي للاتحاد سنويًا، وهو ما اعتبره الباحث المساعد زباد “صحيًا وطبيعيًا”، موضحًا أن مشاركة الاتحاد باعتباره ممثلًا عن الطلبة بالتصويت على القرارات المرتبطة بمصيرهم جزء من دوره في حال لم يكن الاتحاد شريكًا بالانتهاكات المرتكبة بحقهم.

وحاول النظام السوري تلميع صورته “الاستبدادية” عبر ادعائه بوجود مساحة “حرة” لمنظمات المجتمع المدني في سوريا، مستخدمًا الاتحاد وغيره من المؤسسات النقابية في سوريا، ما جعل دور الاتحاد “المخابراتي” مخفيًا حينها، وفق ما قاله زباد.

انتهاكات “مقوننة”

من حرم جامعة “دمشق” اعتقلت الطالبة “بتول” (31 عامًا)، اسم مستعار لأسباب أمنية، على بوابة إحدى قاعات الاختبارات، حيث كان ينتظرها زميلها في كلية الإعلام، وأحد أعضاء الاتحاد.

أُجبرت الفتاة على تسليم بطاقتها الجامعية، بعد احتجازها في مكتب الاتحاد بكلية الصيدلة، وفتح حسابها الشخصي على “فيس بوك” للتأكد من “تهمتها” بالمشاركة بالحراك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفق ما قالته لعنب بلدي عبر مكالمة هاتفية.

ولم تكن “بتول” الضحية الوحيدة للاتحاد حينها، إذ اعتُقلت حينها الطالبة منى برهان من الجامعة ذاتها، من قبل أحد أعضاء الاتحاد الذي كان طالبًا بكلية الطب.

ووصفت منى، خلال حديث إلى عنب بلدي عبر مكالمة هاتفية، دور الاتحاد خلال تلك السنوات، بـ”فرع أمني مصغر” داخل الجامعات السورية.

وردًا على التهم الموجهة للاتحاد بـ”التشبيح” على الطلاب، قالت رئيسة “الاتحاد الوطني”، دارين سليمان، إن البلد تشهد “حالة أمنية طارئة تفرض إجراءات لحماية الجامعات”.

ولم يكن تبرير سليمان إلا واحدًا من الذرائع والمبررات المستخدمة من قبل الاتحاد لـ”قوننة” الانتهاكات التي يرتكبها، وترسيخ سلطة ممثلة للنظام داخل الجامعات.

سلطة ظهرت بالعديد من الانتهاكات التي ارتكبها الاتحاد، والعديد من القرارات التي فُرضت من قبله حتى على عمادة الجامعات.

وخلال السنوات الأولى من الثورة السورية، توالت الأنباء حول اعتقال الاتحاد للطلبة السوريين من جامعاتهم، والمشاركة باعتقالهم وتعذيبهم ضمن الحرم الجامعي، ما أسفر عن مقتل العديد منهم.

وشكّلت هذه القصص جزءًا من ذاكرة الطلاب الذين شهدوا اعتقال أصدقائهم، ودليلًا على دور الاتحاد بانتهاك حقوق الطلاب، بينهم الطالب أيهم غزول الذي قُتل إثر ضربه من قبل أعضاء الاتحاد.

أحلام مؤجّلة

“لم أكمل دراستي، لا رغبة لي بأن أبدأ من نقطة الصفر التي أعادوني إليها”، بهذه الكلمات بررت منى برهان لعنب بلدي سبب عدم متابعة دراستها بعد اعتقالها من قبل الاتحاد وصدور قرار رسمي بفصلها.

وتشاركت منى المستقبل نفسه مع معظم طلاب دفعتها في كلية الإعلام الذين بلغ عددهم نحو 100 طالب، وفق قولها.

لم تتعرض منى للضرب داخل الفرع، هذا ما برره أحد الضباط في الفرع “227” بـ”لا تضربون هدول مثقفات بكرا بيطلعو بيفضحونا”، لكنها ضُربت وشُتمت قبل نقلها إلى الفرع في مكتب الاتحاد.

حُرمت منى من تحقيق حلمها بالحصول على شهادة الإعلام حتى بعد خروجها من سوريا، بعد منعها من الحصول على كشف علاماتها أو بطاقتها الجامعية التي أُخذت من قبل أحد أعضاء الاتحاد المسؤولين عن اعتقالها.

بينما استطاعت “بتول” إتمام دراستها في جامعة “دمشق” بعد تقديم طلب “استرحام” أجبرها على الدخول إلى مكتب رئيس الاتحاد حينها، عمار ساعاتي، ما اعتبرته الشابة أشد من لحظة دخولها الفرع.

مجتمع مدني “مسلح”

“طلاب من أصدقائي كانوا المسؤولين عن اعتقالي”، هذه العبارة التي قالتها “بتول” دون أن تخفي شعورها بالخيبة، رغم مضي سنوات طويلة على حادثة اعتقالها في الجامعة.

“بسذاجة ظننت أن طلاب الإعلام يستحيل أن يكونوا مؤيدين وشركاء للنظام”، تابعت “بتول” لتشرح سبب خيبتها الأكبر بكون اعتقالها جرى من قبل طلاب في كلّيتها.

بدوره، قال الباحث المساعد في مركز “عمران” يمان زباد، إن النظام عمل على تسليح المجتمع المدني في سوريا، لتحويل الصراع من صراع سلطة ومجتمع إلى صراع بين طبقات المجتمع.

وعمل النظام السوري على ذلك من خلال منح سلطة الاعتقال والضرب والقتل في بعض الحالات لطلاب بنفس السويّة العلمية مع زملائهم، باعتبارهم مقربين من حزب “البعث” ومنضوين تحت مظلة الاتحاد، وهو ما أخرج التعذيب والاعتقال من أطر الأفرع الأمنية والمراكز العسكرية إلى الجامعات والأبنية المدنية، ورسّخ حالة الخوف لدى الطلاب، وفق ما قاله زباد.

واعتبر الباحث المساعد أن النظام شوّه العملية التعليمية وصورة المجتمع المدني الذي تحوّل بشكل مفاجئ إلى مجتمع مسلح.

ممثل “غير شرعي”

يقول الاتحاد عن نفسه إنه “الممثل الشرعي” لكل الطلاب السوريين، ويواصل تمثيلهم بالمحافل الدولية، بينما يعيش آلاف الطلاب السوريين خارج البلاد مجردين من حقوقهم في المشاركة بتلك المحافل أو المسابقات الدولية.

ويستخدم النظام السوري حضور منظمات طلابية ونقابية لتلميع صورته في المحافل الدولية، والترويج لقدرته على استيعاب وتمثيل كل شرائح المجتمع.

وتعتبر المؤسسات النقابية مسؤولة عن الحفاظ على حقوق الأشخاص المنتسبين لها وحمايتهم، في حين قام الاتحاد بدور أساسي بانتهاك حقوق الطلاب الذين يدّعي تمثيلهم، ما يجعله ممثلًا “غير شرعي” للطلاب السوريين، وفق ما قاله الباحث المساعد يمان زباد.

ويتطلّب تمثيل العملية التعليمية أن يكون المسؤول عن ذلك بعيدًا عن العقوبات المترتبة على ضلوعه بانتهاكات وجرائم حرب.

بينما يعتبر الرئيس السابق للاتحاد والذي استمر في منصبه لحوالي 17 عامًا، عمار ساعاتي، أحد الأشخاص المدرجين على قوائم العقوبات الأمريكية، بحسب البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية في آب 2020.

وأفاد البيان، الذي اطلعت عنب بلدي على نسخة منه، أن ساعاتي “قاد منظمة سهّلت دخول طلاب الجامعات إلى الميليشيات التي يدعمها الأسد”.

وفي وقت سابق، أثارت إعادة رعاية مكتب الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” (UNDP Syria)، في 12 من تموز 2021، مسابقة جائزة “هالت” الدولية، المعروفة باسم “نوبل الطلابية”، غضب الطلاب الذين واجهوا مختلف الانتهاكات من قبل الاتحاد.

وتعرّض المكتب لانتقادات من قبل العديد من المنظمات السورية التي اعتبرت التعاون شراكة للاتحاد بانتهاكاته، ما دفع “UNDP Syria” لنفي أي اتفاق رسمي أو غير رسمي مع الاتحاد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة