غياب ثقافة البطاقة البنكية يفاقم المشكلة

العملة التركية التالفة بإدلب.. من يضمن قيمتها

camera iconعملة تركية "تالفة" في إدلب في تشرين الأول 2022 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أنس الخولي

يشتكي خالد الصبحي (51 عامًا)، وهو سائق حافلة لنقل الركاب بين مدينتي إدلب واعزاز، شمال غربي سوريا، من العملات الورقية المهترئة التي يعطيها له الزبائن لقاء ركوبهم الحافلة.

نسبة التلف في العملة التركية المعتمدة والمتداولة في المدينة، قد تصل إلى حد رفض التجار ومحطات الوقود قبولها والتعامل بها، قال خالد لعنب بلدي، موضحًا أنه لا ينتبه إلى جودة الأوراق النقدية التي يجمعها من ركابه في أثناء انشغاله بالقيادة.

وبحسب السائق، أكثر الأوراق التالفة تكون من فئة 100 أو 50 ليرة تركية، المبلغ الذي اعتبره “كبيرًا”، مشيرًا إلى أن بعض الباعة يرفضون التعامل بها وأخذها، أو يشترطون تقليل قيمتها لقاء قبولها.

وبحسب ما رصدته عنب بلدي، لا تقتصر مسألة تلف العملات الورقية وقدمها، في مدينة إدلب، على العملة التركية، بل تصل أيضًا إلى الدولار الأمريكي.

مازن السعيد (35 عامًا)، مهجر يقيم في مدينة إدلب، يعمل بالمياومة، قال لعنب بلدي، إن هناك اختلافًا في التعامل بين تلف العملة التركية والدولار، إذ تظل العملات الورقية التركية قابلة للتداول إلى أن يصل التلف إلى نسبة مرتفعة، أما الدولار فيفقد جزءًا من قيمته رغم نسبة التلف البسيطة التي قد تلحق بالورقة النقدية.

التلف فوق الحدود الطبيعية

نائب مدير إدارة التراخيص في “المؤسسة العامة لإدارة النقد” بحكومة “الإنقاذ”، علي ثلجي، قال في تصريح لعنب بلدي، إن من الطبيعي أن تتعرض العملات الورقية للتلف، ولا سيما الفئات النقدية الصغيرة منها، وذلك بسبب تداولها بشكل كبير.

وأكد ثلجي أن ظاهرة التلف في الشمال السوري تتفاقم إلى حد كبير، وسط ملاحظة آثار الشحوم والزيوت على الأوراق النقدية، مضيفًا أنه بالمقارنة بين نسبة التلف وحجم الكتلة النقدية المطروحة للتداول في الشمال السوري، فإن نسبة التلف أعلى بكثير من الحد المقبول الناتج عن الاستخدام الطبيعي للعملات الورقية.

واعتبر ثلجي أن ارتفاع نسبة التلف دليل على “إهمال جسيم في المحافظة على سلامتها”، مشيرًا إلى أن التلف وكثرة استبدال العملة أدى إلى فقدانها جزءًا من قيمتها، على اعتبار أن التلف ناتج عن إهمال جسيم أو إتلاف متعمد.

ظهرت “المؤسسة العامة لإدارة النقد” في محافظة إدلب شمال غربي سوريا لأول مرة إلى العلن في 11 من أيار 2017، بعد إعلان “هيئة تحرير الشام” عن تأسيس “المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك”، بهدف تنظيم عمليات الصرافة ومنع الاحتكار والتلاعب بأسعار العملات.

وتُعنى المؤسسة بإدارة حركة النقد ضمن “المناطق المحررة”، وهي مسؤولة عن متابعة عمل شركات الصرافة والحوالات المالية، وعن منح تراخيص لجميع شركات الصرافة والحوالات المالية في تلك المناطق.

خمسة عوامل تفاقم التلف في إدلب

الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محمد العبد الله، قال لعنب بلدي، إن تلف العملات الورقية التركية، وتردي جودتها في مناطق النفوذ التركي بشكل عام، أصبح ظاهرة شائعة، ولكنها متفاقمة بشكل أكبر في منطقة إدلب لعوامل عدة هي:

1. غياب مؤسسة مالية ذات صلة بالحكومة التركية مخوّلة بسحب الأوراق التالفة من التداول واستبدال أخرى جديدة بها، وهي ما تقوم به شُعب مؤسسة البريد والشحن التركية (PTT) خارج إدلب، في حين تتم عملية ضخ الأوراق من النقد التركي في إدلب من خلال بنك “الشام”، بالتنسيق مع الجانب التركي عبر مجموعة من الوسطاء، ولا يتعدى دوره هذه المهمة، والبنك بالأصل هو شركة صرافة تمت توسعتها ومنحها تسمية بنك، ولا تقدم جميع المنتجات والخدمات المصرفية المتعارف عليها، خاصة قطاع الصيرفة، للأفراد.

2. غياب سلطة مركزية لإدارة النقد تضع إحصاءات دقيقة ومحدثة لحجم الكتلة النقدية المتداولة من الليرة التركية وعدد فئات القطع النقدية الموجودة منها، وقادرة كذلك على تحديد الحجم اللازم من هذه الكتلة، ما سيكون له تداعيات سلبية على كمية الأوراق المتداولة وكفايتها وسرعة تلفها، ورغم وجود ما يسمى بـ”المؤسسة العامة للنقد”، فإنها لم ترقَ في مستواها للقيام بهذه المهمة، في حين يتركز نشاطها الأساسي في الرقابة على سوق الصيرفة والحوالات.

3. ثقافة الأفراد في المجتمع المحلي بالاحتفاظ بالأوراق النقدية لديهم حتى بوجود صرافات آلية، وهذا يتجلى بشكل واضح في مناطق “درع الفرات” التي تشهد شُعب “PTT” فيها ازدحامًا كبيرًا بداية كل شهر من قبل الموظفين لسحب رواتبهم بمجرد نزولها على حساباتهم لدى هذه الشُعب، وقيامهم بالاحتفاظ بها ما يؤدي إلى سرعة تلفها، والأمر لن يختلف في إدلب حتى لو تم تركيب صرافات آلية فيها.

4. الأموال التي يتم ضخها في إدلب عن طريق بنك “الشام”، هي في حالة قابلة للتداول، ولكن سرعة دورانها بين الأفراد والاحتفاظ الشخصي بها يؤدي إلى تلفها بشكل سريع، إلى جانب عدم القيام بسحبها قبل وصولها إلى مرحلة التلف الكامل، فعادة ما يقوم المصرف المركزي بسحب الأوراق النقدية واستبدالها قبل وصولها لمرحلة التلف التام.

5. عدم وجود جهة يمكن للأفراد العودة إليها لاستبدال قطعهم النقدية التالفة، يعمّق هذه المشكلة بشكل أكبر.

عملة تركية “تالفة” في إدلب في تشرين الأول 2022 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

مقترحات لحل المشكلة

عبد الله جمعة (45 عامًا)، محاسب يقيم في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن استبدال العملات الورقية التالفة أمر مرهق، ويكلف الحكومات مبالغ طائلة، لذا عادة تتجه الحكومات لحل هذه المشكلات بأكثر من طريقة، منها نشر الصرافات الآلية الحديثة والتعامل بالبطاقات بدل استخدام النقود أو على الأقل استخدامها بشكل جزئي، فالمواطن يحمل بطاقة مصرفية ويسحب النقود بشكل يومي حسب حاجته، ولا يضطر لحمل النقود في جيبه إلا بالقدر الضروري.

وأضاف المحاسب أن البنية التحتية وظروف الحرب يمنعان التعامل بالبطاقات المصرفية بدل العملات الورقية بشكل كامل، إلا أنه من الممكن حل المشكلة بشكل جزئي، من خلال وضع أجهزة الصرافة كما في مدينتي عفرين واعزاز.

من جهته، قال المسؤول في “مؤسسة النقد” التابعة لـ”الإنقاذ”، علي ثلجي، إن “المؤسسة العامة للنقد” تعمل على حل مشكلة تلف العملات الورقية من خلال نشر برامج توعية للمواطنين، للتعريف بأهمية الحفاظ على سلامة العملات الورقية، كما تعمل على إطلاق تطبيق للدفع الإلكتروني يغني عن استخدام العملات الورقية، دون أن يذكر توقيت إطلاقه بالضبط.

وفي عام 2018، أنشأت “هيئة تحرير الشام” بنك “الشام” في مدينة إدلب، بعد تحويل شركة “الوسيط” للحوالات المالية التي كانت تديرها إلى بنك مالي، موقعه “البنك الصناعي” سابقًا.

وتتوزع أفرع مؤسسة “PTT”، التي تُعد بمنزلة بنك تركي بالشمال السوري، في 11 مدينة بريف حلب الواقع تحت سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة”، ولا يوجد أي فرع في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ”.

وتوفر مراكز البريد إمكانية فتح حسابات شخصية بنكية، يمكن للمواطن إيداع أمواله فيها أو سحب المبالغ المودعة في أي وقت، كما يتم من خلالها تسليم معاشات الموظفين، إذ مُنح الموظفون في تلك المناطق، من معلمين وشرطة وموظفي مجالس وأطباء وخطباء، بطاقات مصرفية لسحب رواتبهم، بالإضافة إلى خدمات الحوالات النقدية والشحن الخارجي.

مطالب بوضع صرافات آلية

في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي في مدينة إدلب، حول العملات الورقية التالفة، والحلول المقترحة من قبلهم لذلك، طالب مواطنون بصرافات آلية كتلك الموجودة في عفرين واعزاز لما لها من إيجابيات في تداول العملات.

إبراهيم سيفو (44 عامًا)، تاجر مقيم في مدينة إدلب، اعتبر أن الصرافات الآلية تحل عدة مشكلات تتعلق بتداول العملات، منها عدم اضطرار المواطن لحمل مبالغ كبيرة في أثناء التنقل، وإمكانية سحب المبلغ المطلوب في أي زمان ومكان، كما تحل العديد من المشكلات التي يواجهها التجار عبر الاكتفاء بالتحويلات النقدية بدل الدفع نقدًا، ما يزيح عن كاهل التاجر بعض المشكلات التي يواجهها.

كما توفر الصرافات الآلية المزيد من الأمان بدل الاحتفاظ بالنقود في المنزل، ما يعرضها للسرقة أو الضياع، وفي حال ضياع بطاقة الصراف أو سرقتها يمكن إيقاف عملها واستبدالها فورًا، قال إبراهيم.

وعند سؤال “المؤسسة العامة للنقد” في حكومة “الإنقاذ” حول إمكانية وضع صرافات آلية في المنطقة، قال علاء ثلجي، إن الموضوع لا يزال قيد الدراسة، وقد تكون هناك خطوات في الأيام المقبلة بهذا الاتجاه.

“الشرعية” أحد المعوقات

من جهته، يرى الباحث الاقتصادي محمد العبد الله، أن وضع صرافات آلية في المنطقة تابعة لـ”PTT” كما هي الحال في ريف حلب، أمر يرتبط بشكل أساسي في تجنب تركيا تقديم الخدمات المالية عبر إحدى مؤسساتها الحكومية في منطقة تُصنف على أنها مُدارة عبر “هيئة تحرير الشام”، المصنفة على قوائم “الإرهاب” على المستوى الدولي والتركي، خوفًا من فرض عقوبات دولية على هذه المؤسسة، وتضرر سمعتها باعتبارها من أقدم المؤسسات الحكومية التركية.

وأضاف العبد الله أنه بسبب ذلك، تحاول حكومة “الإنقاذ” إظهار نفسها كجهة حكومية قادرة على ضبط وتنظيم القطاع المالي بما هو متاح لها من أدوات.

وأوضح العبد الله أنه ليس من السهولة الشروع بتأسيس مصارف وكوات صرف تابعة لـ”الإنقاذ”، في ظل الظروف والتحديات التي تواجهها لكسب الشرعية دوليًا.

ولا يتعلق الأمر بالتكلفة المالية والفنية لتركيب هذه الصرافات، بقدر ما هو مرتبط بقدرة المصارف المؤسسة على الاعتراف بها من محيطها المحلي والدولي، إلى جانب البيئة الأمنية غير المستقرة بعد، والتي تعوق تنفيذ هذه الخطوة أيضًا، بحسب ما يراه الباحث الاقتصادي.

وجاء استبدال العملة التركية بالسورية في الشمال السوري بعد وصول سعر صرف الليرة السورية إلى حدود 3500 ليرة للدولار الواحد في حزيران 2020، وسط مطالب من سوريين بأن يكون الاستبدال حلًا مؤقتًا لحين الوصول إلى حل سياسي.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة