آني إرنو في رواية “المكان”.. صراع الطبقات والحنين للماضي

tag icon ع ع ع

“بعد أن انتهيت من المكان شعرت بخليط من القلق والرضا”، عبارة كتبتها الروائية الفرنسية آني إرنو (Annie Ernaux) في مقدمة رواية السيرة الذاتية “المكان”، التي تنقل العلاقة المضطربة التي جمعتها بأبيها.

هذه العبارة التي استخدمتها الكاتبة للحديث عن مشاعر مرتبطة بإنهاء كتابة الرواية، حملت دلالات أخرى مرتبطة بالمكان الذي تحدثت عنه آني إرنو، وهي بلدة صغيرة بذلت مجهودًا كبيرًا لتتخلص منها.

بدأت الرواية بمشهد فقد الكاتبة لأبيها، لحظات اختلطت فيها مشاعر الفقد بالندم على “خيانتها الطبقية” لعائلتها، والتيه بين لذة حياة البرجوازيين التي لطالما تمنت آني إرنو الوصول إليها، والانتماء للبسطاء والمقهورين الذين كان والدها واحدًا منهم.

وبطريقة سردية، عادت إلى الوراء لترسم صورة كاملة للقراء تظهر كل التفاصيل التي كوّنت شخصية الأب، وحياتهما معًا.

تفاصيل كثيرة بدأتها من لمحة صغيرة عن جدها الذي كان حديث الجميع عنه يبدأ بـ”لم يكن يعرف القراءة والكتابة، وكأن حياته وشخصيته لا تفهمان دون هذا المعطى”، هذا المعطى الذي تغيّر عند الحديث عن أبيها الذي تعلم الكتابة والقراءة، وعاش في منزل سقفه من “البوص” (أحد أنواع القصب) وأرضه من الطين.

وانتقلت الروائية للحديث عن والدها الذي عمل مزارعًا وعاملًا في مصانع مختلفة، وقاتل في الحرب، لكنّه ظل دائمًا الأب الذي يفعل كل ما بوسعه لتمضي ابنته وقتًا مرحًا.

واستمر الأب بتبديل عمله إلى أن حقق حلمه بامتلاك مقهى صغير ومحل بقالة، يسدّ دخلهما احتياجات البيت.

كبرت آني إرنو، وسرعان ما تحوّل حلم الأب إلى المزيد من التفوق الدراسي لابنته، إذ كبرت معها رغبتها بالتخلّص من “المكان” ومن حياة البسطاء، لتكون من المثقفين البرجوازيين.

حلم الأب لم يكن كفيلًا بتجاوز التوتر والمشادات الكلامية بينهما، وهي مشادات ترتبط بانتماء آني إرنو لطبقة أعلى من أبيها، كما ظنّت، وهو ما دفعها لتصحيح نطقه الخاطئ للكلمات أحيانًا، والاستهزاء بطريقة كتابته، أو ببعض تصرفاته “المخجلة” بالنسبة لفتاة مثقفة تمردت على حياة المقهورين والبسطاء.

وتتابع آني إرنو القصة التي تطرح المزيد من أسباب اتساع الفجوة بينها وبين أبيها، بدءًا من انتقالها إلى مكان آخر لمتابعة تعليمها، لتحقق حلمها وحلم عائلتها، وتصير أستاذة بالأدب، وصولًا إلى زواجها من رجل من الطبقة التي سعت لتكون جزءًا منها.

وبزواجها، ظنت آني إرنو أنها تخلّصت بشكل نهائي من “المكان” الذي اقتصر وجودها فيه على زيارات قليلة، إلى أن أعاد موت أبيها إحياء الذكريات التي تربطها بهذا المكان.

ومن خلال تلك الذكريات، أظهرت الكاتبة حنينها لـ”المكان” ولأبيها البسيط، لتترك القارئ أمام تساؤل دارت حوله أحداث الرواية، “هل تغادرنا الأماكن إن استطعنا مغادرتها؟”.

رواية “المكان” صدرت أول مرة بطبعتها العربية عام 1994، عبر 81 صفحة من سرد السيرة الذاتية.

بدأت إرنو (82 عامًا) مشوارها الأدبي بعد إصدار روايتها الأولى “ليز آرموار فيد” عام 1974، واستلهمت معظم أعمالها، ويزيد عددها على 20 كتابًا، من سيرتها الذاتية.

وحصلت إرنو على جائزة “نوبل” للآداب العام الحالي، “لشجاعتها ورهافة حسها المفرطة، في كشف جذور وانفصال الذاكرة والقيود الجماعية المفروضة عليها”، بحسب ما قالته الجهة المانحة للجائزة.

كما حصلت على جائزة “رينودو” الأدبية للرواية الفرنسية عام 1984.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة