في اليوم العالمي لمكافحة ظاهرة التنمر..

كيف يحمي الطفل نفسه من المتنمرين؟

طفلة تتعرض للتنمر (تعبيرية/ shutterstock)

camera iconطفلة تتعرض للتنمر (تعبيرية/ shutterstock)

tag icon ع ع ع

صفوان قسّام

تحدد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) يوم الخميس الأول من شهر تشرين الثاني من كل عام، يومًا دوليًا لمكافحة كل أشكال العنف والتنمر في المدارس، وكشفت في أحد تقاريرها أن أكثر من 30% من طلاب العالم وقعوا ضحايا للتنمر، أي أن هناك طالبًا من كل ثلاثة طلاب تقريبًا تعرضوا له.

ما التنمر وما أشكاله؟

التنمر (Bullying) أو بالعربية “الاستقواء”، هو شكل من أشكال العنف والإيذاء والإساءة المتكررة والمتعمدة التي تكون مُوجّهة من فرد أو مجموعة من الأفراد إلى فرد آخر أو مجموعة أخرى، بحيث يكون الطرف المُهاجم أقوى من الطرف الآخر، مع عدم وجود فرصة لدى الضحية بالرد بسبب فرق القوة.

أي أن للتنمر ثلاثة شروط وإلا فهو عنف أو عدوانية، وتتمثل هذه الشروط بتعمد التكرار، وفرق في القوة، وعدم وجود قدرة على الرد.

يأخذ التنمر شكل التحرش الجنسي، أو الاعتداء اللفظي أو البدني، أو غيرها من الأساليب العنيفة، وقد يتبع المتنمر أسلوب الترهيب والتخويف والتهديد، أو الاستهزاء والتقليل من شأن الشخص.

ويمكن تمييز أنواعه بين:

  • التنمر اللفظي كالإغاظة والسخرية اللفظية أو المكتوبة والتنابز بالألقاب والاستفزاز والتوبيخ والتعليقات غير اللائقة والتهديد.
  • التنمر الجسدي كالدفع والضرب والطعن وغيرها من طرق الإيذاء البدني، والعنف الجنسي كالتخويف ذي الطابع الجنسي، والتحرش واللمس غير المرغوب فيه، والإكراه الجنسي والاغتصاب.
  • التنمر النفسي من خلال الإحراج العلني ونشر الشائعات، أو الإهمال العاطفي أو عدم الوضوح، أو تدمير الممتلكات أو إيذاء أشياء محببة أو أشخاص مقربين، أو الحرمان من الراحة أو زيادة الأعباء والمسؤوليات على الشخص.
  • التنمر الاجتماعي كالإقصاء المتعمد من الأنشطة أو من المناسبات الاجتماعية، أو الإكراه على فعل شيء معيّن في المواقف الاجتماعية.
  • كما ينتشر أيضًا ما يسمى بـ”التنمر الإلكتروني” كنشر أو إرسال رسائل أو صور أو مقاطع فيديو تهدف إلى مضايقة شخص معيّن أو تهديده أو ابتزازه عبر مجموعة متنوعة من وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، وقد يشمل ذلك نشر شائعات أو معلومات كاذبة أو رسائل مؤذية أو تعليقات أو صور محرجة، أو استبعاده من الشبكات الاجتماعية على الإنترنت ومنعه عنها.

وبالتالي يمكن لنا تمييز نوعين من التنمر، المباشر كالضرب والدفع، وغير المباشر كالإهمال والتهديد بالعزل الاجتماعي والتمييز العنصري وفقًا للعرق أو الجنس أو السن أو اللون أو المعتقد أو اللغة أو الإعاقة أو غيرها، أو تهديد كل من يختلط معه أو يدعمه، أو الحرمان من الحقوق وغيرها.

لماذا يحدث التنمر؟

الطلاب الذين يقومون بهذه الظاهرة، يسعون إلى لفت انتباه الآخرين حتى يظهرون بمظهر الأقوياء، وبعضهم لديه رغبة قوية في السيطرة على من حولهم، ويريدون أن يكونوا القائد، وأحيانًا يتنمر الطلاب بدافع الغيرة ممن تفوق عليهم في الدراسة أو في نشاط معيّن أو ممن هم أغنى منهم مثلًا، أو بسبب شعور بالنقص والتميّز الإيجابي والسلبي، كأن يكونوا من طبقة اجتماعية مرتفعة يمارسون التمييز السلبي على من هم أقل منهم طبقيًا، أو أن يكونوا من طبقة اجتماعية منخفضة يمارسون التمييز على من هم أغنى منهم، أو أن هؤلاء الطلاب قد كانوا ضحية لعنف متكرر ضمن أسرهم أو محيطهم الاجتماعي حيث يقومون بالتقليد الأعمى لما مورس عليهم.

إن التغيرات التي طرأت على المجتمعات كانتشار العنف، وضعف الروابط والضوابط الأخلاقية والقيمية، بالإضافة إلى غياب الرقابة الأسرية واختلال العلاقات المجتمعية، ومحتوى الإعلام كالأفلام والمسلسلات والرسوم المتحركة العنيفة والتركيز على الأخبار العنيفة والشاذة وتعويمها وأيضًا الألعاب الإلكترونية، كان له التأثير على نفوس المراهقين والأطفال، حيث تدفعهم إلى تقليد الأبطال أو تزرع فيهم على الأقل اعتياد العنف ومشاهدته وردود الفعل العنيفة، وهذه من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة.

قد يهمل الأهل الدور الأكبر والأهم لهم وهو التربية والمتابعة المستمرة على حساب تأمين الحاجات المادية، وكثيرًا ما يفسد ذلك الأطفال، حيث يستخدم الأهل المعززات المادية لضمان طاعة الأطفال، وبالتالي تفقد القيم معناها وتصبح سلوكًا هدفه الحصول على معززات مادية، وتتحول بذلك إلى رشى متبادلة بين الأهل والأولاد، وهو ما ينعكس على علاقة الأطفال بغيرهم من الزملاء في المدرسة على سبيل المثال، فتظهر أنماط سلوكية يمكن لها أن تأخذ شكل التنمر على أقرانهم ممن هم بمستوى مادي أقل منهم.

كما أن الطفل الذي ينشأ في جو من العنف بين الزوجين أو الإخوة يتأثر بما يشاهده أو يمارس عليه، فيمكن أن تختل سلوكياته ويعيش حالة من الخوف والانطواء عن الآخرين، أو يقوم بتفريغ هذا العنف عليهم فيصبح متنمرًا.

أيضًا الحماية الزائدة عن الحد تعوق نضج الأطفال، وقد تظهر لديهم أنواع من الخوف وضعف الشخصية كالخوف من الآخرين وتجنب التعامل معهم، وبذلك يصبحون عرضة للسخرية والتنمر.

إن الأطفال المختلفين عن أقرانهم بأي شكل من الأشكال قد يكونون أكثر عرضة للتنمر سواء أكان هذا الاختلاف بالمظهر الجسدي، أو الخلفية العرقية، أو اللغوية أو الثقافية، أو الجنس والهوية الجنسية، أو الوضع الاجتماعي أو عند وجود إعاقة.

ووفقًا للإحصاءات العالمية، لا توجد فروق كبيرة في انتشار التنمر بين الفتيان والفتيات، لكن الفروق في أنواع التنمر التي يتعرض له الفتيان أكثر عرضة للتنمر الجسدي العنيف، بينما تكون الفتيات أكثر عرضة للتنمر النفسي، خصوصًا الإلكتروني، بينما تتقارب نسبة العنف الجنسي بينهما، لكن الفتيات يتعرضن بشكل أكبر للتنمر الجنسي الإلكتروني.

ما الذي يمكن أن تلاحظه على طفلك إن تعرض للتنمر؟

يتأثر المتعرض للتنمر نفسيًا فيصاب بتغير المزاج ويبدو حزينًا، ولديه شعور بالعجز وضعف الثقة بالنفس، والصدمة، وقد يصبح متوترًا وسريع الغضب، ويضطرب نومه وشهيته، وقد يصاب بالاكتئاب، وتظهر عليه أعراض جسدية كالصداع وآلام المعدة أو حتى السلس البولي، وتتكرر حججه المرضية للتغيب عن المدرسة أو العمل، وتضطرب علاقته بأسرته، ويشعر بالاغتراب الاجتماعي، ويصاب بالقلق وضعف القدرة على التركيز وينخفض تحصيله العلمي وإنتاجيته، وقد يصل إلى حد التسرب الدراسي، وهناك حالات سجلت قام فيها الأطفال بالانتحار.

المتنمر وضحيته ضحايا، لا تلم ابنك سواء أكان متنمرًا أم ضحية، أصلح العوامل التي جعلت من ابنك متنمرًا، فهي قد تكون في المحيط، أو في نظرته لنفسه أو نظرة الآخرين له، أو لعدم معرفته بالسلوك الجيد من غيره، أو كيف يعبر عن نفسه بطريقة صحيحة، أو لأنه يقلد أحدًا ما، وفي نفس الوقت لا تأخذ حق طفلك بيدك إن كان ضحية، بل علمه كيف يقوم بذلك، وشجعه وهنئه عندما يتخذ أقل خطوة ليتجاوز تلك العقبة، ولا تتدخل إلا في المواقف التي تستدعي منك التدخل المباشر، فأنت بذلك تبني شخصيته وتكسبها مهارة وقوة سيستفيد منها طوال حياته.

علّم طفلك أن يقول كفى

إن لاحظت أحد تلك الآثار التي سبق ذكرها على طفلك، امنحه جلسة استماع هادئة وآمنة وقدم له كل التطمينات والدعم اللازم ليقوم بمصارحتك، ابقَ مستمعًا جيدًا ولا تلح بالأسئلة، ودعه يفرغ جعبته وانفعالاته مهما كانت، وأظهر ملامح التعاطف معه، احضنه إن بكى، وتقبل غضبه، وقدم له الوعود بأنك ستعلمه كيف يحل المشكلة، ولا تلقِ باللوم عليه مهما حصل.

وجهه على النحو التالي:

  • إذا تعرض لك طفل متنمر ابقَ هادئًا ولا تبكِ أو تُظهر الأسى بل أظهر الثقة بنفسك، وتكلم وأنت تنظر إلى عينيه مباشرة وأبقِ رأسك مرفوعًا.
  • لا تنصَع لطلباته وأهملها ولا تبادره بالشجار، إن أقدم على أذيتك جسديًا فهدفك هو دفع الأذى عن نفسك وليس ضربه، ادفعه بعيدًا أو ابتعد عنه، واطلب منه التوقف عن أذيتك بحزم وبصوت مرتفع حتى تنبه من حولك لما يجري.
  • إذا كنت تتوقع منه ذلك مسبقًا فتدرب على التصرف قبل الموقف لتعرف ماذا ستقول له وكيف، وواجه التعليقات السلبية بالمزاح والدعابة.
  • تعرف إلى أصدقاء أقوياء يمكن لهم الدفاع عنك عند اللزوم.
  • لا تمشِ في الطرقات التي يمكن ألا يوجد فيها أحد، ابقَ على مقربة من الناس.
  • أخبر إدارة المدرسة والمعلم والمرشد لحصر المشكلة وحلها.

 ماذا عن المدرسة؟

حددت “يونسكو” مجموعة نقاط رئيسة تسهم في تعزيز استجابة لتتجاوز التنمر داخل المدارس، كتدريب ودعم المعلمين على التعامل مع العنف المدرسي والوقاية من التنمر والإدارة الإيجابية للفصول الدراسية، وتصميم المناهج الدراسية والتعليمية المعززة لمناخ مدرسي ينبذ العنف والتنمر وينمي مهارات الطلاب الاجتماعية والعاطفية، في بيئة مدرسية وفصلية آمنة نفسيًا وجسديًا، مع إيجاد آليات آمنة للإبلاغ عن حالات التنمر وتوعية الطلاب حول حالات التنمر ومخاطرها وتشجيعهم على الإبلاغ عنها، جنبًا إلى جنب مع خدمات الدعم والإحالة لتفادي الأضرار الناجمة عن التنمر، مع إشراك أصحاب المصلحة في المجتمع المدرسي، بمن في ذلك أولياء الأمور والطلاب في حل المشكلات، وقد يكون من المناسب عرض نماذج تشجيعية لأطفال تعرضوا للتنمر والمعاناة التي عاشوها، وكيف تم حل مشكلاتهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة