المسموح والممنوع 

“مقالب” وسائل التواصل.. انتهاك للخصوصية أم انتصار لمحكمة الشارع

camera iconمنشئ المحتوى السوري يمان النجار (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

مطالبة بعدم النشر، وتعهد بالاستجابة، ثم عشرات آلاف المشاهدات عبر منصة “يوتيوب”، إلى جانب مشاهدات عالية أصلًا خلال البث المباشر، عبر تطبيق “تيك توك”، لتسجيلات مصوّرة يجريها الشاب السوري يمان نجار، بموضوعات تأخذ منحى آخر بعيدًا نسبيًا عن تلك التي تناولها خلال الفترة الماضية، وصدّرت اسمه إلى وسائل الإعلام كصانع “مقالب” بأشخاص قائمين على رأس عملهم في مؤسسات النظام السوري الأمنية، بغرض تعريته وكشف هشاشته.

في التسجيلين لمكالمتين تحت مسمى “مقلب” مع ابن عمه المقيم خارج سوريا، وآخر مع شابة تقيم داخلها، غابت شخصية “الملازم أول بو صقر”، وحل محلها “المقدم بو طلال” و”المقدم بو يعرب”، في “ترفيع ذاتي افتراضي” وتغيير رتبة أجراه نجار لنفسه، انسجامًا مع تغيير الموضوعات، والانتقال مما هو عام إلى ما هو خاص نسبيًا، ويتعارض مع معايير الخصوصية التي تختلف من شخص لآخر، رغم اتفاق الحالتين، بشكل منفصل، على ضرورة عدم نشر المكالمات التي أجراها يمان نجار مع كل منهما، ولكل أسبابه.

والقضية أن اتصالات نجار في الحالتين خاضت بجوانب شخصية للطرف الآخر، بدا في أحدهما نجار “مازحًا” مع ابن عمه، و”قاضيًا دون تعيين” في الاتصال الآخر.

المعايير “مرنة” هنا

ورغم اختلاف قياس المساحة الشخصية بين الأفراد، فإن معايير مشتركة ومحددة تضعها منصات وشبكات التواصل في هذا الصدد، لكنها تخضع في الوقت نفسه لفكرة الأولويات، طالما أن استجابة التطبيقات للقضايا التي تمس الإرهاب والفكر المتطرف لا تنطبق بنفس الجدّية على قضايا اجتماعية ربما، إلى جانب هالة ضبابية ترتبط بقراءة الشبكة والمنصة للمحتوى وتصنيفه.

عنب بلدي تواصلت مع أحد خبراء الجودة لدى “تيك توك” (تحفّظ على نشر اسمه لاعتبارات تتعلق بظروف العمل)، وأكد أن “تيك توك” لا يُعتبر الأكثر تساهلًا بمعايير الخصوصية بين تطبيقات التواصل، موضحًا أن “فيس بوك” و”إنستجرام” يخضعان لقيود أكبر في الدول العربية، وهو ما يضع التطبيقات التي تشكّل منصة عرض محتوى أمام المقارنة.

كما تختلف المعايير من بلد لآخر، فوجود المستخدم في بلد أجنبي، مثلًا، يتيح له الخوض في موضوعات، وتقديم محتوى يمكن حجبه لو كان البث منطلقًا من بلد عربي ما.

وحول الخطوط الحمراء المشتركة بين هذه المنصات، لفت خبير الجودة إلى وجود قائمة طويلة لدى “تيك توك”، لكنها داخلية، وفي الوقت نفسه تتعامل بجدّية مع قضايا الإرهاب والمحتوى الجنسي والاعتداء على الأطفال والاتجار بالبشر والسلاح، مثلًا.

وأشار إلى أن خروج “الفيديو” كتسجيل من بث مباشر جرى على “تيك توك”، ورفعه على منصة أخرى، ينهي أي دور ممكن للتعامل مع التسجيل من قبل الشركة مصدر العرض.

وتتولى الشركات وضع معاييرها بالنظر إلى السياسات الدولية والقوانين المرتبطة بالبلدان، فـ”تيك توك” كشركة صينية تنظر إلى لوائح الإرهاب التي تضعها الدول والمنظمات لتحديد آلية التعامل مع القضايا المرتبطة بالأسماء الواردة ضمنها.

أذى اجتماعي

الباحث الاجتماعي صفوان موشلي، تحدث لعنب بلدي عن أضرار محتملة وممكنة لإساءة استعمال النشر، لافتًا إلى وجود أذى اجتماعي محتمل يتركه التعامل السلبي مع موضوعات من هذا النوع.

وأضاف، “البلدان العربية ضعيفة بمفهوم الحقوق المدنية بسبب الأنظمة الدكتاتورية، لذا لا نعرف أبعادها وأهميتها، لكنّ هناك بلادًا حساسة تجاهها لدرجة أن الحكومة والسلطات إذا حصلت بطريقة غير قانونية تخرق الحقوق المدنية على معلومات تدين الشخص، فلا يمكن معاقبة الشخص على أساسها”.

البلدان العربية ضعيفة بمفهوم الحقوق المدنية بسبب الأنظمة الدكتاتورية، لذا لا نعرف أبعادها وأهميتها، لكنّ هناك بلادًا حساسة تجاهها لدرجة أن الحكومة والسلطات إذا حصلت بطريقة غير قانونية تخرق الحقوق المدنية على معلومات تدين الشخص، فلا يمكن معاقبة الشخص على أساسها.

وبالنظر إلى حالات خرق الخصوصية على أساس “إحقاق حق معيّن”، بنظر المرتكب، يرى موشلي أن المحاسبة هنا تتوقف على ما إذا كان الشخص خرق منظومة اجتماعية سائدة لمصلحة منظومة اجتماعية محاربة، كنشر محتوى مسيء مثلًا يخالف قيمًا مجتمعية معيّنة.

واعتبر الباحث أن ما يقوم به نجار، مثلًا، أو أي ناشر محتوى من هذا النوع، لا يندرج تحت مسمى “محكمة الشارع”، باعتبار أن المصطلح ككل غير دقيق، فلا محكمة دون قانون أو عرف، وحتى العرف يتطلب متخصصين في تطبيقه، ولا يحق للفرد إطلاق حكم على فرد أو مجموعة، سواء بالعرف أو القانون بطبيعة الحال.

“المقالب” بأغراضها

وتنتمي بعض “المقالب” التي أجراها سوريون مثل ميسون بيرقدار ويمان نجار، وتحديدًا تلك المتصلة بطرف آخر “محسوب على النظام السوري”، إلى أنها محاولة للحفاظ على أمن مجموعة عبر اختراق العدو، وفق ما قد يراه منفذو تلك “المقالب”، وهذا يعني انتهاك حقوق الآخر، لكن وفق قواعد جديدة لن تكون ممارستها مقبولة في حال عاد المجتمع للاستقرار، لأن العرف الاجتماعي والقوانين الناظمة أو التي ستكون فاعلة حينها، لن تسمح للشخص بممارستها خارج الظروف الاستثنائية.

والنشر في هذه الحالة لا يخضع قطعًا للمنظومة المحلية، بل لمنظومة العولمة، وكما ينشر شخص انتهاكات آخر من باب الولاء للقيم الثورية، فالآخر ينشر الموضوعات المتعلقة بالعاطفة والزواج وغيرهما، وفق منظومة أخرى قيد التشكل، هي “عدم الالتزام الأخلاقي”، وهي متعارضة مع المنظومة المحلية في سوريا.

فمثلًا، إذا حصل الشخص على معلومات من آخر يضطهد زوجته، ونشر المعلومات بذريعة الدفاع عن المرأة ومناصرتها ضمن مجتمع تقليدي، فلن يجد أصواتًا معارضة لهذا النشر، على اعتبار أن الخرق جاء لمصلحة ما هو مرغوب على المستوى العالمي.

ومن الناحية القانونية، أوضح المحامي السوري المقيم في تركيا حسام سرحان، لعنب بلدي، أن كل الجرائم المرتبطة بوسائل التواصل تنضوي تحت بند الجرائم الإلكترونية، لكن الحكم في هذه القضايا يقوم على الاجتهاد، فهناك اتجاهات حقوقية تقول، إذا لم تُحدث المكالمة ضررًا فلا يُعتبر نشرها جريمة، والأمر متوقف على حيثيات الحديث الذي دار خلالها، وعلى أساس ذلك يحدد الجرم والعقوبة.

وبحسب سرحان، فنشر المكالمة لا يعتبر جرمًا ما لم يؤدِّ إلى وقوع جناية أو جريمة، وطالما أنها لم تسفر عن أضرار ملموسة، بينما ترجح جهات حقوقية أخرى اعتبارها جريمة لمجرد انتهاك خصوصية الطرف الآخر.

وأضاف المحامي أن السلوكيات من هذا النوع، وإن كانت غير مقبولة اجتماعيًا، لكن القانون قد يتعامل معها من منطلق “لا جريمة من دون نص”، بصرف النظر عن القبول والرفض الاجتماعي، بينما يرى الباحث موشلي، أن النشر في هذه الحالة يخلّ بقيم الصدق الاجتماعي على أقل تقدير، ولا يمكن مقارنته بحالات قد يتعرض لها مشاهير مثلًا، لأن مجرد التلميح في تلك الحالات يمكن أن يعتبر جريمة، باعتبار أن الموضوع مرتبط بشخصية عامة، على خلاف الحالات قيد النقاش.

وكان يمان نجار تعرض مؤخرًا لانتقادات من قبل بعض الأشخاص على خلفية نشره تسجيلات مصوّرة لجلسات بث مباشر اتصل خلالها بعناصر في مؤسسات النظام الأمنية وأقسام شرطة، وجرى خلالها الحديث عن اختلاسات وانتهاكات لشخصيات محسوبة على النظام، كما قال نجار في بث مباشر له، إنه اتصل برئيس النظام السوري، بشار الأسد، من خلال رقم روسي للأخير الذي سارع بإغلاق الخط، دون حسم يؤكد أو ينفي أن متلقي الاتصال هو بشار الأسد.

ومن مجمل الانتقادات التي واجهها نجار، تهديد عنصر في فرع “المخابرات الجوية” باعتقال أفراد عائلته قبل أن يحذف التسجيل المصوّر للتهديد، إلى جانب منشور عبر “فيس بوك” للممثل عدنان أبو الشامات، هاجم خلاله نجار على خلفية الحديث عن انتحار الشابة التي ظهرت في “مقلبه”، وهو ما نفاه نجار في بث آخر عبر “تيك توك”.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة